ذروة المأساة تمثّلت بما قاله ملك البحرين للبريطانيين في وقت لاحق: من الذي طلب منكم مغادرة بلادنا ومنحنا الاستقلال؟.. فكيف الحال عندما نتحدث عن ممالك القهر واماراته، تلك التي ليس فيهانظام ولا انتخابات
كيف يفكر عرب أميركا عندما يشاهدون ما يحصل في ايران؟.. قبل بضعة اسابيع، كان شيخ الصحافة اليمينية جهاد الخازن في ندوة على قناة «بي بي سي»، وبعدما أعلمنا بشغفه بمتابعة سباق السيارات العالمي، تحدث عن البحرين، ثم قال متسائلاً: ماذ يعرض المحتجون على الناس؟ نتخلى عن البحرين لنقيم نموذجاً ايرانياً؟.
إبراهيم الأمين / جريدة الأخبار
المسألة ليست بسيطة او ساذجة على ما قال الخازن، لكن ذروة المأساة تمثّلت في ما قاله ملك البحرين المعظّم للبريطانيين في وقت لاحق: من الذي طلب منكم مغادرة بلادنا ومنحنا الاستقلال؟.. حسناً، ليست البحرين نموذجاً يعمّم على كل عرب اميركا، لكنه مثل بارز. فكيف الحال عندما يتحدث المرء عن ممالك القهر واماراته، تلك التي ليس فيها لا نظام ولا آليات حكم ولا من يحزنون؟.
السؤال الذي طرحته الانتخابات الايرانية ليس موجهاً الى الايرانيين انفسهم، بل الى محيط ايران، خصوصا الى العرب ودول العالم الثالث. وهو السؤال الاكثر حراجة، عندما تكون دولة يقوم نظامها على مبدأ التسليم المطلق للخالق ومن ينوب عنه على الارض، قادرة على انتاج آليات تحفظ تنوّعها السياسي، وتحفظ غالبية ساحقة من وجودها البشري، وتحفظ تنوعا قومياً وثقافياً واسعاً، وتتيح مواجهة اضخم حصار اقتصادي ومالي في التاريخ المعاصر بقواها الذاتية، وتتمكّن، رغم كل ذلك، من تطوير كامل قدراتها لكي تحفظ استقلالها، وتستمر في دعم حركات تحاكي قيم مؤسس جمهوريتها الاسلامية في مواجهة الاستعمار الخارجي.
بالامس، فتح الايرانيون الباب أمام مزيد من الاسئلة الصعبة على خصومهم، وعلى الاصدقاء ايضاً، من خلال تجربة انتخابية حملت مفاجأة مدوّية سيكثر الحديث عنها، تمثلت في فوز صاحب وجهة مناقضة لوجهة الرئيس الحالي. ولكن الذين يملكون المعطيات التفصيلية سيحتاجون بدورهم الى بعض الوقت ريثما يصار الى فهم الاسباب الحقيقية التي ادت الى فوز الشيخ حسن روحاني. وعدم انسحاب مرشحي التيار المحافظ لواحد منهم، رغم ادراكهم قوة الخصم وتجنّد جمهوره لمواجهة ما يراه قسم كبير من الايرانيين امتداداً لحكم الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد.
سيقال إن هناك من دعم الشيخ روحاني من خلال عدم ممارسة اي ضغط على المرشحين المحافظين للانسحاب، وان القوى النافذة في السلطة، وهي اقرب الى التيار المحافظ، كانت تشعر بالحاجة الى تغيير يتجاوز القواعد التقليدية، وان الامر لا يمكن ان يتم الا من خلال تركيبة متنوعة، بينها منع خوض مواجهة فاصلة بين الاقطاب الكبار مثل مشائي ورفسنجاني.
لكن حقيقة اخرى يمكن الاخذ بها، وتتعلق بغرور الفريق المحافظ واعتقاده بأن خصومه غير أقوياء كفاية. علما بأن التعبئة التي قامت خلال الاشهر القليلة الماضية، دلت على ميل حقيقي وقوي لدى غالبية ايرانية بأن يكون الرئيس المقبل من قماشة مختلفة عن قماشة نجاد، خصوصاً ان هناك ملاحظات جوهرية على سياساته الاقتصادية، وعلى محاولة حرف الانظار من خلال دور خارجي بدا فيه اقرب الى قيم الثورة الاسلامية وأفكارها. وهو الامر الذي ترجم مزيدا من التوتر والشحن مع الغرب من جهة، ومع عدد من الاقاليم المجاورة، لا سيما منها دول الخليج.
لكن الاكيد هو استناد الاصلاحيين الى المرحلة الانتقالية التي تعيشها بلادهم في ظل تحديات غير مسبوقة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً. فكيف الحال وقرار ايران كلها لا يزال حاسماً لجهة التمسك بجوهر المشروع النووي، وبمنع الغرب من فرض وصاية عليه. كما ان دور ايران الكبير، اقليمياً ودولياً، له موجباته التي تتجاوز المواقف والشعارات. وثمة نجاحات تجعل قادة هذا الموقف يتمسكون بما لديهم من برامج. لكن السؤال بالنسبة للشيخ روحاني هو: كيفية المواءمة بين الدور التاريخي وبين حاجات الشعب الداخلية؟..
واضح ان التجربة الديموقراطية في ايران صارت قوية الى حدود يجدر بجميع دول العالم الثالث الاتعاظ منها، وان النظام الاسلامي، ورغم ما مر به في التجربة السابقة، وما حصل في العالم العربي، ومؤخرا في تركيا، لم يظهر خوفاً او خشية تجعله يعزف عن تثبيت ديموقراطيته التي اعطت في جولتها الاخيرة نتائج باهرة، سواء على صعيد المشاركة الشعبية في الانتخابات او على صعيد آليات التنظيم وعدم لجوء اي فريق الى استغلال الانتخابات للقيام بتحرك ضد النظام برمته.
على ان كثيرين سيطرحون اسئلة حول تأثير الانتخابات على قضايا منطقتنا، خصوصاً قضيتي فلسطين واستقلال الدول العربية. ولأن الأزمة السورية تمثل اليوم العنوان المشترك لكل مشكلات المنطقة، وتقف على ضفتيها قوى وجهات ودول، فان الكل سينتظر الجديد الذي سيحمله روحاني معه حول هذا الموضوع.
لكن، من المفيد لفت انتباه كثيرين، ليس الى اهمية الموقف الايراني في منع الاستفراد بسوريا او بقوى المقاومة، بل الى كون هذه القضية تحاكي جوهر فكرة مقاومة الظلم التي قامت عليها ثورة الامام الخميني، والتي يبرز روحاني كأحد ابنائها. وبالتالي، ربما على الآخرين، ولا سيما خصوم ايران، الالتفات الى كيفية الاستفادة من هذه التجربة وهذا التغيير لبناء الجسور وحقن الدماء، بدل استمرار العيش في اوهام لا تنفع معها لغة جديدة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه