دخل الاقتصاد في دائرة التباطؤ وعدم اليقين نتيجة تصاعد الاضطرابات الامنية المتنقلة مناطقيا وعدم الاستقرار السياسي
دخل الاقتصاد في دائرة التباطؤ وعدم اليقين نتيجة تصاعد الاضطرابات الامنية المتنقلة مناطقيا وعدم الاستقرار السياسي والغموض في تأليف الحكومة يضاف اليه اسباب تعود الى تدفق كثيف لاعداد النازحين السوريين وامتداد الازمة السورية الى الساحة اللبنانية من دون ان تظهر اية مؤشرات ايجابية لحل قريب لها.
د. غازي عبد الله وزني / خبير اقتصادي في لبنان
يبلغ عدد النازحين السورين حاليا 1.1 مليون نازح وسيصل عددهم الى حوالي 1.5 مليون في نهاية السنة اي ما يمثل حوالي 37.5 % من اجمالي عدد السكان اللبنانيين. يحمل ملف النازحين تداعيات اقتصادية ومالية واجتماعية وامنية لا تستطيع الدولة تحمل تبعاتها خصوصا ان الوعود والمساعدات الخارجية ضئيلة وغير كافية وتخص 80 % من النازحين اي حوالي 800 الف نازح. يمكن اعتبار ملف النازحين السوريين بالقنبلة الموقوتة، المرشحة للتفاقم في المرحلة المقبلة.
تظهر المؤشرات الاقتصادية للاشهر الخمسة الاولى من العام الحالي قلقــا وتراجعا. فخفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو من 2.5 % الى 2 % وقلصت وكالة موديز توقعاتها للدولة اللبنانية من مستقر الى سلبي كما سجلت غالبية المؤشرات تراجعا حيث انكمش نشاط القطاع العقاري بنسبة تفوق 14 % ونشاط القطاع السياحي حوالي 13.6 % ونشاط القطاع التجاري اكثر من 15 % والتدفقات النقدية حوالـــي 4.5 % يضاف الى ذلك واجهت العديد من المؤسسات التجارية والسياحية صعوبات مالية مما دفع بعضها الى الاقفال، كما احجمت المصارف مؤخرا عن الاكتتاب بسندات الخزينة بالليرة اللبنانية رغم رفع معدلات الفوائد عليها، وخسر مصرف لبنان في شهر آيار حوالي 450 مليون دولار من موجوداته بالعملات الاجنبية بسبب تدخله في سوق القطع.
في مقابل هذه السلبيات حافظ القطاع المصرفي على نمو مقبول لنشاطه بنسبة تقارب 10 % سنويا و 8 % لودائعه كما سجل مصرف لبنان تزايدا ملحوظا لموجوداته بالعملات الاجنبية التي وصلت الى 36.5 مليار دولار.
يمكن القول، ان الوضع الاقتصادي اصبح حاليا مقلقا ومتراجعا و تظهر التوقعات الى انها ستكون قاتمة ودقيقة في المرحلة المقبلة و على الشكل التالي:
1- النمو الاقتصادي: متواضع ويقل عن 2 % نتيجة الاضرار التي ستصيب القطاعات الخدماتية ( التجارة – السياحة ) والمعوقات التي ستطال الصادرات برا عن طريق سوريا والقلق الذي سيسيطر على المستثمرين و الامكانيات الضعيفة التي ستعود الى مساهمة الدولة في النمو رغم الاجراءات الايجابية المتخذة من قبل مصرف لبنان.
2- القطاع السياحي: خسر لبنان موسم السياحة الصيفية ومرشح ان يخسر موسم سياحة نهاية السنة مع اعادة دول الخليج دعوة رعاياها لعدم المجيئ الى لبنان . فإن الحركة السياحية تراجعت في الاشهر الاربعة الاولى من السنة بنسبة 13.6 % ليصل عدد السياح الى 376 الف سائح واصاب التراجع خاصة السياحة العربية التي انخفضت حوالي 28 % . تمثل السياحة العربية حوالي 35 % من اجمالي السياح وحوالي 45 % من المداخيل والسياحة الاوروبية حوالي 22 % . تعاني المؤسسات السياحية مشكلات مالية مع انخفاض نسبة الاشغال الى اقل من 50 % كما تعاني المطاعم والمقاهي مشكلات بسبب الكلفة التشغيلية الباهظة وتدني عدد الرواد. لم يعد لبنان المقصد السياحي المفضل في المنطقة بسبب الاضطرابات السياسية والامنية بينما قد يتجاوز عدد السياح في دبي 10 مليون سائح في العام الحالي.
3- القطاع العقاري: يعيش في حالة شلل قوي وتريث وتباطؤ مع خشية تفاقم هذه الحالة في المرحلة المقبلة بسبب تزايد نسبة التراجع في الطلب، وبروز مشكلات مالية لدى بعض المقاولين الغير قادرين على انهاء مشاريعهم ولدى بعض العائلات الغير قادرة على تسديد التزاماتها المالية، يضاف اليه تقلص منح القروض المصرفية بسبب المخاطر.
لا بد ان نشير ايضا الى ان الطلب العقاري انخفض مؤخرا في شكل لافت بسبب الاضطرابات السياسية والامنية وبفعل الاسعار المرتفعة للعقارات التي ابعدت المستثمر العربي وجعلت المستثمر المغترب متريثا وأحجمت المستثمر المقيم بسبب ضعف امكانياته. اما اسعار العقارات فإنها تراجعت بشكل ملموس للشقق الضخمة والكبيرة واصبحت شديدة المرونة للشقق الصغيرة والمتوسطة ومتماسكة لاسعار الاراضي في بيروت ومتراجعة في المناطق الجبلية والمجاورة للعاصمة.
ساهمت اجراءات مصرف لبنان بضخ السيولة في الاسواق في تنشيط القطاع والحفاظ على استقراره وفي تأمين مساكن للطبقة الميسورة والمتوسطة الدخل.
4- القطاع المصرفي: متين وقوي بسبب الادارة الحذرة وتعاميم السلطات النقدية وثقة المودعين والملاءة المالية والسيولة المرتفعة... يواجه القطاع في المرحلة المقبلة تحديات تعود الى التباطؤ الاقتصادي الذي يؤثر على نشاطه ونموه وربحيته، وتحديات تعود الى انعدام الاستقرار في المنطقة وفي دول انتشاره ( سوريا – مصر – قبرص – الاردن ) حيث يستند على هذه الدول لتعزيز نشاطه وربحيته، وتحديات اخرى تعود الى القرارات والاجراءات والتحذيـــرات الدولية ( FATCA - العقوبات ضد سوريا – مكافحة تبييض الاموال ...) التي تحد من حرية نشاطه وانفتاحه الخارجي وتجعله حذرا دوما في تعاملاته خصوصا مع عالم الاغتراب.
يضاف الى ذلك، يواجه القطاع تحديات تعود الى تدهور اوضاع المالية العامة والدين العام حيث تجاوز العجز نسبة 9.6 % من الناتج المحلي ووصل الدين العام الى حوالي 60 مليار دولار اي حوالي 139 % من الناتج المحلي. يؤثر هذا التدهور على التصنيف الائتماني للقطاع المصرفي اللبناني المنكشف على الديون السيادية وتجعل كلفة اقتراضه الخارجي مرتفعة.
5- الوضع النقدي: استقرار الليرة نتيجة الخطوات الاستباقية والوقائية لحاكم مصرف لبنان من ناحية طمأنة الاسواق وتعزيز احتياطاته بالعملات الاجنبية وضبط السيولة الساخنة بالليرة يضاف اليها متانة القطاع المصرفي وارتفاع مستوى الدولرة لودائعه ومستوى سيولته.
سيدخل الاقتصاد قريبا في العناية الفائقة نتيجة امتداد الازمة السورية الى الداخل واستمرارها في المدى المتوسط والقريب اضافة الى تصاعد الحوادث الامنية المتنقلة مناطقيا. اصبح الاقتصاد بحاجة الى معجزة توفر له الاستقرار وتساعده على تشكيل حكومة فاعلة وتفرض الحوار بين القوى السياسية المتصارعة كما اصبح بحاجة الى مواقف جادة وتصعيدية من الهيئات الاقتصادية تهدّد بوقف تمويل الدولة وتلبية احتياجاتها، و بالنزول الى الشارع و اقفال المؤسسات....