فبيان الشركة لم يتطرق إلى عمليات صرف الموظفين على اساس المعايير «السياسية والمناطقية»، ولم يُشِر إلى الاختلاسات المتزايدة وأسبابها، ولم يتحدث عن إصلاح بنيتها الإدارية حيث يعشش الفساد وتستشري الرشوة
«سوليدير» تضمحلّ. هي شركة تصرف موظفيها وتخسر 10 ملايين دولار من استثماراتها في شركات سياحية تقع خارج اختصاصها القانوني، وتتحدث عن مشاريع قد تصبح حبراً على الورق بعد حين. «سوليدير» التي يعشش فيها الفساد توهم مساهميها بأنها ملاك!..
محمد وهبة / جريدة الأخبار
كالعادة أطلّت شركة «سوليدير»، خلال اليومين الماضيين، ببيان مالي يحاول تلميع صورتها وإخفاء «منافع» كبار موظفيها وهدر أموال مساهميها. فبيان الشركة لم يتطرق إلى عمليات صرف الموظفين على اساس المعايير «السياسية والمناطقية»، ولم يُشِر إلى الاختلاسات المتزايدة وأسبابها، ولم يتحدث عن إصلاح بنيتها الإدارية حيث يعشش الفساد وتستشري الرشوة، ولم يذكر أنها تحوّلت من شركة مكلّفة باعادة اعمار وسط بيروت إلى شركة تتعاطى النشاطات الترفيهية. هذه الشركة تختصرها عبارة «شراكة نشأت بين حفنة من السياسيين الساعين إلى الاستيلاء على أملاك الغير الخاصة منها والعامة». نجحوا على كل الصعد، وها هي أوساخهم تظهر من جديد؛ قصّة ميزانية «سوليدير» لعام 2012 مماثلة لآلاف القصص البائسة في لبنان حيث الزعماء السياسيون يتقاسمون أملاك الغير بوصفها «مغانم» كيفما شاؤوا ومتى أرادوا.
خلال الأسابيع الأخيرة، بدأت إدارة «سوليدير»، وبتوجيه مباشر من رئيس مجلس إدارتها ناصر الشمّاع، بصرف عشرات الموظفين العاملين لديها. مهندسون وإداريون وفنيون... من جميع الفئات انضموا إلى جيش العاطلين من العمل بذريعة أن «سوليدير» تمرّ في ظروف صعبة. المصروفون يعرفون «البيضة وقشرتها» ويعلمون أن صرفهم أو إنهاء عقود زملاء لهم، سببه الشمّاع وفريقه لا تراجع المبيعات. دليلهم على هذا الأمر تلك المصاريف الإدارية التي سجّلتها الشركة خلال العامين الأخيرين والتي بلغت 34.6 مليون دولار في 2011 و34.1 مليون دولار في 2012. حصّة الرواتب والأجور من هذا الإنفاق في 2012 بلغت 19.2 مليون دولار، فيما أنفقت الإدارة على الدعاية والتسويق 6.5 ملايين دولار وبلغت كلفة مصاريف المكاتب والأدوات المكتبية ومصاريف مشابهة 4.2 ملايين دولار، وسجّلت مصاريف السفر والإقامة 1.4 مليون دولار.
القسم الأكبر مما يخصّص لبند الرواتب يذهب إلى جيوب كبار الموظفين والمحسوبيات السياسية. موظفو هذه الفئة يتقاضون رواتب خيالية إلا أنهم لا يكتفون بهذا الأمر؛ فبحسب الوقائع المتداولة بين الموظفين، تسود سياسة كمّ الأفواه لطمس حقيقة ما تقوم به الشركة، وهذه السياسة تكلّف ملايين الدولارات يحصل عليها كبار الموظفين أو تنفقها الإدارة العليا في الشركة على منافع شخصية. فعلى سبيل المثال، إن قسماً من هذه النفقات هو عبارة عن رشى لأهل الصحافة والإعلام وأصحاب شركات الإعلانات، لكن لا شكّ أن هناك قسماً آخر ينفق على صفقات تحوم حولها الشبهات لشراء المستلزمات المكتبية والإدارية للشركة... لدى الموظفين الكثير لروايته، غير أن رواية بارزة تستمرّ بالظهور وهي متعلقة بأحد المسؤولين عن التخطيط والتطوير المدني الذي يتقاضى «براني» عن كل ملف يوقعه بما يراوح بين 100 ألف دولار و500 ألف. كيف يحصل هذا الأمر؟..
كل ما يحصل ضمن نطاق المنطقة المسمّاة زوراً «سوليدير» يجب أن تُشرف عليه إدارة هذه الشركة استشارة وتنفيذاً، للتأكّد من مطابقته لأنظمة وقوانين هذه المنطقة. وبالتالي، فإن أي مشروع إنشائي أو خدماتي مهما كان طابعه، عليه أن يحصل على موافقة من سوليدير، وبالتالي يستفيد صاحب التوقيع الأساسي من رشى هائلة. وفي هذا الإطار مارست الشركة نوعاً آخر من الابتزاز، فقد تمكنت من فرض شراكتها على المطاعم والمقاهي التي تودّ أن تتواجد ضمن نطاق عملها (او بالاحرى سيادتها)، وقد أسّست لهذه الغاية 11 شركة سياحية الطابع، ثم دخلت في نوع مختلف من الترفيه عندما أسّست شركة «BCD Cinemas»... والأنكى من ذلك كلّه، أن إدارة «سوليدير» أوقفت مشروع «بيروت بي بايسيكل» وقرّرت أن تفتتح مشروعاً مماثلاً ضمن نطاقها.
وعندما سئل الشمّاع في الجمعية العمومية الأخيرة عن دواعي استثمار أموال المساهمين في مشاريع سياحية، أجاب الشمّاع أن هذا النوع من الاستثمارات يحقق ارباحاً تحتاج إليها الشركة. هذه الإجابة تكذّبها الأرقام؛ ففي ميزانية 2012 تبيّن أن سوليدير خصّصت مؤونات بقيمة 10 ملايين دولار لتغطية حصّتها من خسائر الشركات السياحية، على الرغم من أن الرأسمال الإجمالي المستثمر في هذه الشركات يبلغ 11.99 مليون دولار.
على أي حال، إن البيانات المالية الخاصة بـ«سوليدير» فيها الكثير مما يفضح أعمال الشركة وممارساتها. فقد بلغت أرباحها الصافية 16 مليون دولار، أو ما يوازي 47% من مصاريفها الإدارية، وارتفعت ديونها التي تستحق خلال 2013، إلى 378 مليون دولار، أما ديونها التي تستحق في 2014 فهي تبلغ 100 مليون دولار وحساباتها المكشوفة لدى المصارف تبلغ 160 مليون دولار.
في المقابل لم تحمل الشركة ما يغطّي هذه الاستحقاقات سوى سيولة نقدية بقيمة 148.8 مليون دولار فيما تحمل سندات تحصيل بقيمة 552.7 مليون دولار، رغم أن ما حصلته في 2012 هو 115 مليون دولار والباقي مقسّط على السنوات المقبلة.
إلى جانب ذلك، إن تدني الأرباح بنسبة 80% من 162.5 مليون دولار في نهاية 2011 إلى 16 مليوناً في نهاية 2012، لا تفسره الشركة سوى بضعف المبيعات، وذلك رغم أنه يجب التمحيص في سياسات الشركة التي عمدت إلى حشو هيكلها بالموظفين (يقدّر عدد الموظفين بنحو 1000 موظفاً) وتنفق مئات ملايين الدولارات من دون جدوى واضحة. فعلى سبيل المثال، لا يزال أعضاء مجلس إدارة «سوليدير» يتقاسمون عضوية مجالس إدارات الشركات التي تؤسسها والشركات التابعة ويجمعون بدلات مالية سنوية من هذه العضوية، ولا تزال الشركة تتحدث عن مشاريع «سوليدير انترناشيونال» رغم أنها مشاريع لم تصل حتى إلى درجة القول انها «حبر على الورق».
ويبرز مشروع «إنشاء وتشغيل واستثمار موقف للعموم تحت ساحة رياض الصلح» كمثال على سياسات الشركة. فهذا المشروع الذي أقيم بالاتفاق مع بلدية بيروت، تعثّر في المرّة الأولى عندما رفض آل الصلح نقل تمثال الراحل رياض الصلح من مكانه في الساحة. لاحقاً تلقّى المشروع ضربة قاضية بعدما وضعت وزارة الثقافة يدها على قطعة أرض «لاند مارك» إثر اكتشاف آثارات تاريخية فيها تحتّم على الدولة اللبنانية تملّكها... لكن الشركة دسّت في تقريرها إلى الجمعية العمومية مشروع المرآب على أنه من أعمالها المستقبلية الذي يجب أن تخصص له مبالغ مالية للدراسات والاستشارات.
والأغرب من ذلك كلّه، أن سوليدير بدأت ترسم الثقافة في لبنان من خلال مشاريع التطوير العقاري، فهي تعدّ لإنشاء «مشاريع ثقافية وسياحية ورياضية مؤقتة وتقوم بتنظيم أنشطة فنية وترفيهية أخرى في المنطقة المستحدثة وذلك بهف إحياء هذه المنطقة وجذب الزوار إليها». سوليدير تنوي توسيع نشاطاتها من العقاري والسياحي إلى الرياضي والفنّي. أبشروا أيها اللبنانيين بمن يكتب تاريخكم ويرسم عاداتكم وتقاليدكم... ويمحو ذاكرتكم.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه