كان من المفترض أن لا ينشر هذا التقرير؛ إذ حسم البعض أن يوماً آخر لن تشهده البشرية بعد تاريخ 21 أيار 2011. كتب التقرير، وها هو ينشر اليوم حيث للتاريخ رمزية ودلالة
وكأن الكرة الأرضية لم تكتف بعد مما صنعته بها حروب الولايات المتحدة الأميركية المجنونة حتى يأتيها "قس" أميركي ليتنبأ بفنائها وزوالها! ولا يقتصر هذا الزوال على الأرض فحسب بل يتعداه ليصل حيث وصلت صواريخ الـ"نازا". نعم، ففناء الكون كان يجب أن يحدث البارحة في تمام الساعة السادسة مساء بتوقيت "هارولد كامبينغ" وطبقاً لروزنامته، أو في أحسن الأحوال كان يجب أن نستيقظ اليوم على زلازل مدمرة وفياضانات و"القدوم الثاني للرب"، أو ألا نستيقظ أصلاً! ولكن كما يبدو فإن الله سبحانه وتعالى لم يشأ لنبوءة هارولد أن تتحقق، فمر "يوم القيامة" دون أي ضرر يذكر.
لم نعلم بعد ما كانت ردة فعل "مدّعي الغيب" عندما كان يتناول إفطاره صباح اليوم في ولاية كاليفورنيا مستمتعاً بأشعة الشمس التي قال أنها لن تظهر مرة أخرى بعد 21 أيار 2011، وليست الشمس هي الوحيدة التي تلمع لها عينا هارولد، إنما علينا أن نضيف إليها ملايين الدولارات التي يملكها نتيجة تبرعات أتباعه! فأضحت حالته كما المثل القائل "رزق الهبل عالمجانين".
فبعد سبعين عاماً من دراسته للإنجيل زعم كامبينغ أنه طوّر نظاماً يستخدم علم الرياضيات لتفسير النبؤات المخفية في الإنجيل، ونتيجة لهذه لحسابات قرر أن العالم سينتهي في 21 أيار (أمس)، لأن "هذا سيكون هو عدد الأيام البالغ 722 ألفا وخمسمائة يوم منذ الأول من نيسان لعام 33 بعد ميلاد المسيح، الذي يعتقد أنه يوم صلبه" يدّي هارولد. هذا عدا عن استناده للأحداث الأخيرة مثل زلزال اليابان ونيوزيلندا وهايتي ليعتبرها نذراً ليوم الحساب الوشيك، بالإضافة إلى الإنحراف الإجتماعي والتباهي بالشذوذ التي يرى أنها "علامة من الرب على نهاية العالم".
العجوز الذي دق باب العقد التاسع من العمر، جزم بأن 2% من سكان العالم سيرفعون إلى الجنة بينما البقية سيرسلون إلى الجحيم! ولو كان كامبينغ يتحدث من على أي منبر عادي لكان من السهل تفنيده بأنه مجرد شخص متدين غريب الأطوار يتحدث بطريقة غير صحيحة عن نهاية العالم، ولكن بفضل شهرته التي اكتسبها من خلال تحدثه لأتباعه يومياً عبر شبكة راديو الأسرة التي يملكها، وهي مؤسسة إذاعية دينية تموّلها تبرعات المستمعين وتمتلك 66 محطة في الولايات المتحدة وحدها، فإن رسالته عن يوم القيامة يكاد يكون من المستحيل تجاهله.
وكما هي عادتنا في لبنان "بكل عرس إلنا قرص"، فهذا البلد على صغر حجمه وكثرة طوائفه، يجد فيه دائماً بعض الحمقى ملاذاً لممارسة معتقداتهم الخرقاء والترويج لها تحت يافطة "حرية التعبير"، هذه اليافطة التي تُستغل ليل نهار بشكل أقل ما يقال فيه أنه مقزز، فحرية التعبير المزعومة سمحت، لأتباع هارولد بتعليق إعلاناتهم على امتداد الأراضي اللبنانية مثلما سمحت للمصور الإسرائيلي Al Sha AMIT بتعليق صوره في معرض 2011 PHOTO PRESS WORLD في أسواق بيروت والذي تنظمه شركة سوليدير "الحريرية" وجامعة سيدة اللويزة NDU والسفارة الهولندية.
مبارك: اعتقدت بداية أنهم يتحدثون عن مسرحية أو فيلم سينمائي
"عندما رأيت هذه الإعلانات وما قيل في وسائل الإعلام اعتقدت أنهم يتحدثون عن مسرحية أو فيلم سينمائي ولكن عندما عرفت أنهم يتحدثون عن نهاية العالم بالفعل استغربت كيف ان المسؤولين عن هذه الأمور في لبنان سمحوا لهذه الجماعات بتعليق هذه اليافطات والإعلانات ونشر هذه الأخبار! وأنا أحمّل، إن كان ذلك جائزاً، السلطات المعنية مسؤولية نشر هذه الأمور المضللة التي كان يجب منعها". يقول عميد كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الحكمة الأب كميل مبارك .
ويشرح الأب مبارك سبب رفضه قائلاً "هناك أن بعض الناس السليمي القلب يتأثرون بمثل هذا الكلام فتتعطل أعمالهم ويقلقون ويخافون وربما ينهارون أمام خبر السيد هارولد. وقد جاء مثله في التاريخ عشرات الأشخاص وادعوا أنهم يتنبأون بنهاية العالم في تاريخ محدد وما إلى ذلك من الخرافات، وقد مرت هذه التواريخ ولم يحدث شيئ وتثبّت الناس من كذب هؤلاء المتنبئين". ويضيف "إذا شئنا أن نصنّف مثل هذه النبوءات الكاذبة سنضعها في إطار الأمراض النفسية والعقلية التي تجعل من الإنسان مهووساً بمعرفة الغيب لذلك أرى أنهم بحاجة إلى علاج نفسي وعقلي".
أما عن موقف الديانة المسيحية، يتابع مبارك "يعلّمنا الكتاب المقدّس أن ذلك اليوم وتلك الساعة لا يعرفها أحد إلا الله الأب وحده وكل ما نراه في العالم من حروب وزلازل وفياضانات لا علاقة له بنهاية الكون ولا بقيامة الأموات، إنما هي ظواهر طبيعية قد يفسرها البعض على أنها وجه من وجوه غضب الله، ولكنها تبقى في جميع الحالات مجرّد ظواهر، إما بشرية كالحروب وإما طبيعية كالكوارث. فلو شاء الله أن يعرف الإنسان متى ينتهي العالم وتقوم القيامة كما يدّعي هؤلاء الكذابون، لأعطانا هذه المعلومة في الكتاب المقدّس ولكنه لم يفعل".
"إنّ حكمة الله تدرك تمام الإدراك أن معرفة النهاية تعطّل الحركة في الكون وتوقف النشاط البشري وتشكّل من الضرر الذي يصيب الإنسانية أكثر مما تساعد على الإستعداد لذلك اليوم العظيم" يختم الأب كميل مبارك.
الحرشي: نرفض مثل هذه الأقاويل وقد يكون لها أهداف دنيوية أو سياسية
بدوره رأى رئيس محكمة مشغرة الجعفرية الشيخ أسد الله الحرشي أن هارولد كامبينغ فاشل في فكره وطرحه، قائلاً: "لقد طالعتنا بعض وسائل الإعلام عن ذلك الرجل الأميركي الذي يتنبأ بنهاية العالم بالزلازل والدمار في 21 أيار من العام الحالي، وقال أنه يستند في ذلك إلى آيات من التورات والإنجيل، وحينما سُئِل عن هذه الآيات ارتبك ولم يستطع أن يخرج ولو واحدة ليبني ادعاءه عليها، وإذا ما دل ذلك على شيء فهو يدل على فشل مبدئي في فكره وطرحه".
ونحن كمسلمين يضيف الشيخ الحرشي "نرفض مثل هذه الأقاويل حيث قد يكون من ورائها أهداف دنيوية أو سياسية أو غيرها من الأمور التي نجهلها، وإن الأخذ بمثل هذه الأقاويل قد يسبب قلقاً واضطراباً لدى البعض".
وحينما نرجع إلى قرآننا الكريم وعقيدتنا الواضحة التي تتناسب مع العقل الذي منحنا اياه الله سبحانه وتعالى، فإننا نجد أن هذه الأقاويل هي خرافة من الخرافات التي لا واقع لها، فالتنبؤ بقيام الساعة هو علم غيب يختص به الله دون غيره، وأخبرنا عنه في قوله تعالى : ﴿ عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ﴾ (الجن: 26)، وقوله تعالى أيضاً: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ (الحجرات: 18)، وهذه الآيات تدل أن هذا العالم يختص به الله وحده إذن، ولا صحّة لكل ما يدعيه البشر في علم الغيب. بل يستنكر الله على الذين يقولون بالغيب في قوله تعالى: ﴿ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾ (القلم: 47)، أي هل عندهم اطلاع على الغيب ليقولوا مثل هذه الأمور؟
ويتابع الشيخ الحرشي "ثم إن الله طرح مسألة قيام الساعة بكل وضوح وأخبرنا عن أحوالها وأجوائها في القرآن الكريم، وحتى فإنّ النبي محمد (ص) ليس له شيء من العلم فيها، ويظهر ذلك في قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَر َ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾) الأعراف: 187(، إذاً إن قيام الساهة تأتينا بغتة، ومن يدّعي معرفته بتوقيتها يكون قد خالف هذا النص الإلهي".
من هنا فعقولنا التي زوّدنا بها الله سبحانه وتعالى، توافق أو لا توافق على المسائل التي تطرح عليها، فالعقل يحلّل ويبيّن ويوضح، ولكنه لا يتنبأ بنهاية العالم، فهذه المسألة متعلقة بالله فقط وليس بأي أحد آخر.
عياش: نرى يومياً أكثر من 3 هارولد كامبينغ
وبعد ان استطلعنا رأي المسيحيين والمسلمين كان لا بد من رأي لعلم النفس في هذا الموضوع خاصة مع بروز عدة حالات مشابهة إن كان على العلن أو وراء الكواليس، هذا ما أكده لنا أيضاً الطبيب النفسي والباحث الإجتماعي أحمد عياش، مشيراً إلى أن الإعلام كان وسيلة هارولد ليعرض وينشر أفكاره ولكن في الواقع "نحن نرى مثل هذه الحالات يومياً ولدى أكثر من شخص وفي بعض الأحيان يزورنا في اليوم الواحد ثلاثة أو أربعة أشخاص يعانون من هذا المرض".
ويتابع عياش "في كل الأوقات والأزمنة يظهر أشخاص يمتلكون شخصية قادرة على التأئير بالآخرين، كالسحرة في القبائل القديمة أو الذين يدعون النبوّة، وسواء كانوا على صواب أم لا، فهم يوحون عند بعض الجماعات بصوابية ما، وهؤلاء الأشخاص هم "حلماويين"، أي أنهم يخلطون الواقع بأحلام اليقظة التي يعيشونها، وفي دماغ الإنسان هناك قسم مسؤول عن الخيال، ولدى هؤلاء يعمل هذا القسم بطريقة مفرطة، فيصبحون ضحايا لهذيانهم ولما يعتقدون أنه آت في المستقبل".
لا أن عياش يلفت إلى وجود نوعين من المدّعين الذين يجب أن نميّز بينهما، فالبعض منهم يعلمون تماماً أنهم يكذبون ولكنهم يتخذون من الدجل مهنتهم كالعرافين، أما البعض الآخر كالذي نتكلّم عنه اليوم فيكون مقتنعاً تماماً بحكايته وهو من أصحاب "الشخصية الذهانية المستترة" والتي لم تنفضح بعد لتصبح على شاكلة "انفصام الشخصية".
للمرة الثانية يخيب أمل "كامبينغ"، فهذه ليست المرّة الأولى التي يتنبأ بها بنهاية العالم والمجيء الثاني، فقد سبق وأن توقع فناء الكون في 6 أيلول 1994 وتجمع حينها المئات من أتباعه في قاعة احتفالات بمدينة "ألاميدا" متطلعين لعودة المسيح. كيف نلوم "هارولد" إن عاش في هذا الوهم عندما يكون مواطناً في دولة يرأسها أشخاص معقدون نفسياً وهم أنفسهم يعيشون في عالم الخيال الواسع؟ فمن منا نسي كيف ادعى جورج بوش أنه يجلس مع الله (والإيعاذ بالله) في غرفة واحدة، وأن الله هو من طلب منه غزو العراق؟!
كم يذكّرنا الجمهوري المتطرف "بوش" واليميني المتطرف "كامبينغ" ببعض المتطرفين في لبنان ! خاصة وأنهم يتمتعون بالسمات نفسها، وأحدهم ما فتئ يتنبأ منذ سنوات إلا أن الخيبات لا تزال حليفته الإستراتيجية، فمن أي نوع هو؟ عراف؟ أم صاحب شخصية ذهانية مستترة؟