وإذا حللنا الفتوى من لباسها الديني ونظرنا إليها كتشريع عملي، وجدناها من دون عناء مطابقة لمنطق الولايات المتحدة وإسرائيل تماما، فكلتاهما تعتمدان ضرورة تصفية العدو، حيث كان لأنه يقاتلها
مقالات لكتّاب ومفكرين كثيرة صدرت، خاصة بعد معركة ‘القصير’ بسورية، فضلا عن زحمة مداخلات عبر الفضائيات، التي خصصت معظم وقتها لترسيخ صورة جديدة عن ‘حزب الله’ لدى متابعيها، إطارها العام مذهبي بامتياز، محاولة تجريده من كل صفة اشتهر بها، وكل عمل وجهد قام به من قبل، بل ذهب بعضها لقلبها تماما.
إسماعيل القاسمي الحسني/ مواطن جزائري/ جريدة القدس العربي
ويبدو بشكل ما أن عنوان ‘حزب الله’ بات لدى البعض عنوانا جذابا، يتاجر به كل من كسدت بضاعته في غير هذا الموضوع، يستقطب به القراء من الطرفين، ويشد إليه المتابعين من الجانبين، وخيار الهجوم عليه لا يعتمد، في ما قرأت على الأقل، على معطيات جدّية، ومعلومات مؤكدة موثقة، بقدر ما يستند الى الأسلوب الإنشائي، يصاغ فيه السباب بصور بيانية لا أكثر، تماهيا في ظن صاحبها مع منطق القوة لا قوة المنطق، وتناغما لحاجة في نفس صاحبه، مع تحاليل طالما بشرت منذ بداية الأزمة بسقوط النظام السوري وحلفائه، ليُحسب الموقف خدمة للمنتصر تستوجب دفع مستحقاتها.
نبال المفكرين والكتاب والمحللين على كثرتها لم تكف، وانتقل الأمر في تطور غير مسؤول، إلى صف علماء أشهروا من دون وعي لتداعيات تصريحاتهم، فتاوى التكفير واستباحة أرواح رجال هذا الحزب ونسائه (06/16 الشريعة والحياة- الجزيرة) أينما كانوا حتى خارج سورية؛ وإذا حللنا الفتوى من لباسها الديني ونظرنا إليها كتشريع عملي، وجدناها من دون عناء مطابقة لمنطق الولايات المتحدة وإسرائيل تماما، فكلتاهما تعتمدان ضرورة تصفية العدو، حيث كان لأنه يقاتلها، وهو ما قامت به فعلا في اليمن وباكستان ودبي وقبلها مع زعماء فلسطينيين في تونس؛ بمعنى صوغ سادتنا العلماء جرائم هؤلاء بحق أهلنا ورجالنا، أكان ذلك عن قصد أم لا، يتحملون مسؤولية هذا الموقف الخطير للغاية.
تستحكم حلقات الهجوم على ‘حزب الله’ على أيدي بعض الحكام العرب، الذين اتخذوا مواقف مؤخرا ضده بشكل علني، وأطلقوا تصريحات وتهديدات متتابعة ما عهدنا جرأتها وحدّتها تجاه غيره، في حالات لا تقل خطرا وأكثر وضوحا في الرؤية، بدءا من اعتبار البحرين هذا الحزب منظمة إرهابية، إلى تهديد دول مجلس التعاون الخليجي بإدراجه على لائحة الإرهاب، المنعدمة أساسا في قاموس هذا المجلس، ما يدعو للتساؤل: هل العدو الإسرائيلي على ذات اللائحة؟ وأيهما يتقدم الآخر خطرا؟ وانتهاء عند تصريح الرئيس محمد مرسي في تجمعه لنصرة الشعب السوري، ولست هنا بوارد معارضة دعوة الرئيس لحزب الله بسحب قواته من سورية، فذلك خياره وسياسته.
ولكن من حقي كمواطن عربي أن أعبر عن تساؤلي المشروع: لماذا لم يقرن فخامته هذه الدعوة، التي أرسلها بصوت عال ونبرة حادة وجدية كما وصفها، بدعوة العدو الإسرائيلي لسحب قواته من الجولان المحتل ومدينة القدس؟ فالجوهر واحد بمقاييس القوم، أرض محتلة وجيش غاز، وصرخات الشعب الفلسطيني مازالت تخرق طبلة الأذن، خاصة المقدسيّين. فالمبادئ لا تتجزأ والكيل بمكيالين على حال واحدة – بتقدير هؤلاء- أمر مقيت.
‘حزب الله’ ليس ظاهرة مفاجئة برزت مع أحداث سورية، ولا مجموعات جيء بها من أركان الأرض لا نعرف عنها شيئا، بل هو حزب مؤسساتي عرف منذ ثلاثين عاما على الأقل، له تاريخ حافل بالمواقف في محطات تعني في كثير منها شؤون الأمة العربية كلها، وليس من العدل ولا الإنصاف حين لا نفهم أو لا نتفهم، بل حتى لو أخطأ أن نجرده من هذا التاريخ الذي سطره بدماء أبنائه، وكتب روائعه بأرواح فلذات أكباد قادته قبل جمهوره؛ بل السؤال: من نصّبنا أوصياء على الخلق، نجرد هذا من الإسلام ونخلع على ذاك الإيمان؟ هناك مواقف تقدر بقدرها وتعرض بأدواتها، ولن يتجاوز العقلاء هذا.
بالنسبة لمعركة ‘القصير’ التي اتخذها البعض ذريعة، ليصب جام غضبه على حزب الله، ويكيل له شتى عبارات القذف، محاولا تزييف الحقائق، متجاهلا عن قصد واقعا ملموسا، ليصبغ الأمر بصراع طائفي لا صحة له؛ بزعم إبادة أهل السنة في هذه المدينة؛ فالمواقف الموثقة بتواريخها، تؤكد من خلال خطب السيد حسن نصر الله، بأن حزب الله حذر مرارا في بدايات الأزمة السورية من إقحام فسيفساء الديموغرافيا في الصراع المصطنع، كما تؤكد تصريحات قادة العدو الإسرائيلي ثم عدوانه، على ضرورة منع تزويد المقاومة بالسلاح، ومعلوم جغرافيا أن منطقة ‘القصير’ هي أهم معبر للأسلحة، وقطعها لا يعني عسكريا وأمنيا إلا خنق المقاومة.
ولا أعتقد أن هناك عاقلا لا يتفهم خطورة فرض هذا الواقع على حزب، يقر العدو بأنه في حرب مفتوحة معه، ويهدده يوميا بالهجوم عليه؛ أما بخصوص الإبادة الطائفية، فلم أجد مركزا أو جامعة عربية قامت بمسح ورسم خارطة للتوزيع الطائفي في سورية، لكن المفاجأة خلال بحثي كانت الخارطة التي اعتمدتها وزارة الدفاع الأمريكية، واللافت أنها وضعت عام 2009 من قبل جامعة كولومبيا قسم الشؤون الدولية ‘نيويورك تايمز′، التي تنفي بشكل قاطع وجود الأغلبية السنية بمنطقة القصير، كما يدعي البعض، وإنما تذهب إلى مزيج يغلب عليه الشيعة والعلويون فضلا عن المسيحيين.
أخيرا؛ إذا التبست علينا التفاصيل أو تلاعب بها البعض ليوهم الناس بصحة رأيه، فمما لا يختلف فيه اثنان حول المشهد العام بأن هناك صراعا بين طرفين، الأول هو الحكم في سورية تدعمه روسيا و الصين ودول البريكس، فضلا عن إيران وحزب الله، تقابله المعارضة المسلحة تدعمها الولايات المتحدة وأوروبا، فضلا عن بعض الدول العربية؛ والحق كما هو معلوم كلٌ لا يتجزأ، فإذا اعتقدنا بأن الولايات المتحدة تدعم حق الشعب السوري في الحرية – كما يسوق البعض- فمنطقا نحن حتما ننكر حق الشعب الفلسطيني في الحرية، بناء على سياسة أمريكا نفسها؛ إن لم يكن بيدي سوى هذا الواقع، فإنه يكفي حتما لنكون مع ‘حزب الله’. وعلينا جديا أن ننظر بفطنة لكل ما يصدر إعلاميا عن الولايات المتحدة خصوصا وتوابعها عربا وغربا.