29-11-2024 05:59 AM بتوقيت القدس المحتلة

الحصاد الدامي لفتاوى التكفير والشحن الطائفي: باب الفتنة لم يعد مواربا!

الحصاد الدامي لفتاوى التكفير والشحن الطائفي: باب الفتنة لم يعد مواربا!

ما أقدم عليه أهالي قرية زاوية أبو مسلّم، من إعتداء سافر استهدف مواطنين مصريين على مرأى ومسمع من أمن وشرطة الجيزة، على وقع صرخات”الله اكبر.. الله اكبر“ و”الشيعة كفار“، يقرع نواقيس الخطر

 


نبيل نايلي*


"إن الحملة على سورية مضافاً إليها الحملة على إيران توشك أن تحوّل الصراع الرئيسي في الشرق الأوسط من صراع عربي إسرائيلي، إلى صراع سنّي شيعي… أسمع مرّات وزير خارجية السعودية يتكلّم وأغمض عينيَّ، فيُخيل إليَّ أن الصوت ليس لسيد محافظ من السعودية، ولكن لرمز الثورة العالمية أرنستو غيفارا"! محمد حسنين هيكل.


مع تزايد الإستقطاب والاصطفاف الطائفي، وارتفاع منسوب «هيستيريا» التحريض ومكنة الشحن ضد الشيعة، التي بلغت أوجها بمباركة أعلى هرم في السلطة، السيد الرئيس محمد مرسي، بل وعلى لسانه، يوم وصف الشيعة في خطاب "لبيك سورية" أمام مناصريه، بأنهم "روافض"، شهدت مصر، حادثاً طائفياً خطيراً، تمثّل في هجوم شنّه عدد من أهالي قرية زاوية أبو مسلّم، التابعة لمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة. المهاجمون استهدفوا، المواطن المصري والشيخ الأزهري، حسن شحاته ومن كان معه من أتباع المذهب الشيعي. فكان أن اقتحموا المنزل وأضرموا فيه النار وسحلوا المتواجدين به، ممّا تسبب في وفاة 4 وإصابة 8 آخرين.


إنه الحصاد الدامي لفتاوى التكفير والشحن الطائفي. السوس الناخر للنسيج الإجتماعي، والمارد الذي يتلهّى به سفهاء هذه الأمة إن خرج من قمقه، فلن يسطيعوا حصر أطلسه.نعم باب الفتنة التي حذّرنا منها لم يعد مواربا! لم يعد مواربا لا في ليبيا ولا في مصر ولا في سورية ولا في لبنان، ولا هو موارب في العراق!


كيف يُسمح لأهالي القرية أن يحاصروا ويعتدوا بهكذا وحشية، بعدما علموا بتواجد حسن شحاتة، القيادي المصري الشيعي، برفقة آخرين كانوا بصدد الاحتفال بمناسبة ليلة النصف من شعبان، ليحضروا المطارق الضخمة ويهدموا حائط المنزل ويخرجوا من بالداخل واحدا تلو الآخر ثم يقتلوهم ويسحلوهم؟ هل يشفع للواء عبد العظيم نصر الدين، نائب مدير أمن الجيزة، قوله لفرانس برس: ”حاولنا التدخّل لكن التجمهر الكبير للأهالي والشوارع الضيقة منعتنا من التقدم لتفريق الحشود“!!ليتابع، وهو جالس بين قواته خارج القرية: ”الأهالي هاجمونا بالشوم والسنج (السكاكين) ما اضطرنا للانسحاب“؟!!!

ما أقدم عليه أهالي قرية زاوية أبو مسلّم، من إعتداء سافر استهدف مواطنين مصريين على مرأى ومسمع من أمن وشرطة الجيزة، على وقع صرخات”الله اكبر.. الله اكبر“ و”الشيعة كفار“، يقرع نواقيس الخطر لمن يحشّد أو يناور أو يستثمر في استراتيجيات "الصدمة والترويع" أو يُصدّر أزماته أو يشوّش استباقيا على استحقاقات 30 جوان القادم! عار على جبين وطنيي وشرفاء هذه الأمة من صُنّاع رأي وساسة ورجال دين ونخبة ومثقفين صمتُهم على حملات "تطهير" عرقي وإثني وطائفي تجري في حق إخوتنا المسيحيين والشيعة، الذي يلامس التزكية حتى لا نقول التواطؤ!


كلاّ، لا يكفي استنكار السيد أحمد عارف، المتحدّث باسم جماعة الإخوان المسلمين، جرم التعدّي المشهود بالتعذيب والسحل والقتل لأربعة من "ذوي الأفكار الخاصة بهم" كما يصفهم، واعتباره الجريمة النكراء مجرّد "واقعة مخالفة لكل الأحكام والمبادئ والأعراف السليمة". كلاّ لا تكفي أيضا إدانة السيد عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، ولا تطمينه، بقوله: " على الجميع إدانة قتل الشيخ حسن شحاتة وأتباعه في "زاوية أبو مسلم"، إنّ الدم المصري حرام "مسلما أو مسيحيا، رجلا أو امرأة، سنيا أو شيعيا، مدنيا أو شرطيا...من يشارك ولو بشطر كلمة في تكفير مؤمن أو مسلم أو التحريض على سفك الدم، أو بخطاب الكراهية ضد مواطن أومسؤول فهو شريك في الجريمة النكراء فمصر لن تنزلق أبدا إلى حرب أهلية أو فتنة طائفية أو مشاحنات مذهبية أو تطاحن سياسي يغذيه المال الحرام، ومصر ليست ولن تكون".

 ألم ينزلق رئيس الجمهورية نفسه في المشاركة بما هو أكثر من "شطر كلمة" يا سيادة عصام العريان؟ متى سيوضع حد لخطاب التجييش والتطييف؟ متى سيتم القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة حماية للسلم الإجتماعي وقطع الطريق أمام من يصطاد هكذا فرص للإستقواء بالخارج واستدعاء تدخّله؟ أ لم يهدّد بهاء أنور، المتحدّث باسم الشيعة في مصر بقوله: "الشيعة ستعقد مؤتمرًا صحفيًا لإعطاء مهلة للحكومة المصرية بسرعة القبض على الجناة والمحرّضين الذين شحنوا الأهالي"؟
حين يجرؤ محمد اسماعيل، وهو المدرّس، المدرّس يا سادة، على الجهر "نحن سعداء بما حدث. وكنّا نتمنّى أن يحدث منذ زمن”!!! نعلم أننا بلغنا القاع بلا قرار، وأن الوضع استثنائي بكل المقاييس ويستدعي القرارات الإستثنائية العاجلة قبل أن يتسع الخرق على الراتق وينتقل لهيب الجنون الطائفي إلى هشيم ساحات عربية أخرى لا تنتظر إلا شرارة أعواد ثقاب، وهي كثيرة بعمّتها البيضاء أو السوداء!!


من يقوم بتعزيز هذه الفتنة هو ذاته من ساهم في ترهيب وترحيل المسيحيين من العراق ثم من بعدها من سورية ، وإلاّ ما الذي دفع الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي نفسه ذات لقاء جمعه والبطريرك الراعي، لطرح سؤاله الشهير:”الآن وقد أصبح عدد المسيحيين مليوناً وثلاثمئة ألف في لبنان ومليونا ونصف في سورية، فلماذا لا يأتي المسيحيون إلى أوروبا ويعيشون فيها، مع العلم أنه تم استيعاب مليوني مهجر مسيحي عراقي في أوروبا؟“، ما دام”لم يعد مكان آمن للمسيحيين في المشرق العربي في ظلّ صراع الحضارات، خاصة المسيحي – الإسلامي“، كما يدّعي ساركوزي.


من يُرحّلون "المواطنين اللبنانيين من الشيعة المتّهمين بالولاء لحزب الله" في دول الخليج العربي، وهذه التقارير التي تتحدّث عن 4000 مواطن عربي من لبنان ولا نقول "شيعي"، كما يصنّفونهم، هم الآن على قوائم الترحيل، لا يفعلون غير تعميق الأزمة وتذكية نارها، وإلاّ فليخبرنا عباقرة هذه الخطوة الغبية، بما هم فاعلون بعدها بمواطنيهم من معتنقي المذهب الشيعي، هؤلاء الذين يصل تعدادهم في بعض الأقطار إلى أكثر من النصف، كما في البحرين، والثلث أو ربما أكثر مثلما تقول إحصاءات غير رسمية في الكويت؟؟؟ "التطهير المذهبي، Ethnic Cleansing" أو الطائفي هو عنوان خرائط الدم القادمة وأرخبيلات المذهبية والدويلات الفاشلة..


إنّ تذكية نار بؤر الاحتقان والنّفخ في أوار الصراعات الطائفية أو المذهبية داخل المنطقة لإيقاظ الفتن وإشعال الحروب الداخلية مرتفعة ومنخفضة الوتيرة، على طول وعرض هذا الوطن، من مغربه إلى مشرقه، سيحوّل الدولة القطرية الفاشلة أصلا، إلى”كانتونات“ قبلية و”بانتوستانات“ إثنية يحكمها أمراء الحروب وهؤلاء الذين فرّختهم وأنظمة العسف الإقليمية ووكالات الإستخبارات الأجنبية. هؤلاء الذين يختطفون الحراك الثوري لشرفاء هذه الأمة، ينفّذون حرفيا تعاليم ما أوضّحته دراسة :”حدود الدم، Blood borders “، التي نشرها رالف بيترز، Ralph Peters، بمجلة البحرية الأمريكية، Armed Forces Journal، موصيا فيها بضرورة إعادة رسم الحدود والخرائط بمنطقة الشرق الأوسط، بشكل”أشد قسوة“ والعبارة عبارته، والتي يسير استراتيجيو الإدارة الأمريكية على”هديها“. أبرز ما ورد فيها من توجيهات نوجزه كالآتي: ”بما أن حدود الدول الراهنة في الشرق الأوسط هي الأكثر تعسفاً وظلماً، جنباً إلى جنب مع حدود الدول الإفريقية التي رسمها أيضاً الأوروبيون لمصلحتهم الخاصة وعليه فإنّه يقترح حدودا جديدة ستحقق العدل للسكان الذين كانوا الأكثر عرضة إلى الخديعة، وهم الأكراد، والبلوش، ثم المسيحيون والبهائيون والإسماعيليون والنقشبنديون، وغيرهم من الأقليات التي تجمعهم رابطة ”الدم والإيمان“. كذلك فإن إعادة رسم الحدود تطلّب تقسيم وإعادة تركيب كل دول الشرق الأوسط تقريباً: من الدول العربية إلى باكستان، ومن تركيا إلى إيران. ليقترح تقسيم إيران إلى أربع دول، وكذلك العربية السعودية، وسورية إلى دولتين: مذهبية عرقية جديدة و”لبنان الكبير“، الذي سيضم كل”ساحل فينيقيا“ القديم. كما يوصي بمنح معظم الأقليات الدينية والعرقية إما الاستقلال أو الحكم الذاتي. أما عن الكيان الصهيوني وهنا بيت القصيد، فرالف بيترز يعلن أن حصة ”إسرائيل“ الجغرافية في الخريطة الجديدة، وهي حصة واجبة الوجود لأن الشرق الأوسط الجديد الذي سيرث شرق أوسط بريطانيا وفرنسا، سيكون في الدرجة الأولى”أمريكياً-إسرائيلياً“ مع تلاوين أطلسية وأوروبية، ومع الحرص على طرد روسيا والصين منه.


هؤلاء الذين يحرفون المسارات الإنتفاضية ويلتفّون على استحقاقات الميادين المعمّدة بدم الشرفاء من الوطنيين، وهم يدكّون آخر الحصون ويقوّضون أعمدة المجتمع والنسيج الإجتماعي، ويؤسّسون لتدمير بنيوي وسيادي ومعنوي شامل، ويحوّلون المنطقة إلى مسرح من الدول الفاشلة، ويؤسسون لحروب طائفية لن تبقي ولن تذر، يلتقون موضوعيا مع ما يرد بقول موشي فرجي عميد الموساد السابق:”إنّ خريطة المنطقة في النظر الإسرائيلي تعرف بحسبانها بقعة من الأرض تضمّ مجموعة أقلّيات لا يوجد تاريخ يجمعها. من ثم يُصبح التأريخ الحقيقي هو تأريخ كل أقلّية على حدة. والغاية من ذلك تحقيق هدفين أساسيين هما: رفض مفهوم القوميــة العربية والدعوة إلى الوحدة العربية. ذلك أن القومــية العربية في التصوّر الإسرائيلي فكرة يحيطها الغــموض، إن لم تكن ذات موضوع على الإطلاق. وهم يعتبرون أن الوحدة العربية خرافة. فالعرب يتحدثون عن أمة واحدة، لكنهم يتصرّفون كدول متنافرة! “، ثم وهو الأهم،”تبرير شرعية الوجود الإسرائيلي الصهيوني في المنطقة“. إذ هي وفقا لذلك التوجّه تصبح خليطا من القوميات والشعوب واللّغات. وتصوّر قيام وحدة بينها هو ضرب من الوهم والمحال. النتيجة المنطقية لذلك هي أن تكون لكلّ قومية دولتها الخاصة بها، ومن هذه الزاوية تكتسب”إسرائيل“ شرعيتها، حيث تصبح إحدى الدول القومية في المنطقة. “، هل تعقلون؟؟


أخيرا من يريد إشعال مصر وحرق لبنان من جديد وتفكيك سورية، كما فكّك العراق، وإسقاطه من الخريطة، لا يحيّد بذلك مصر ولا يلغي حزب الله ولا يُسقط بذلك النظام السوري، بل يُسقط الخريطة برمّتها! راسما بذلك حدود خرائط دم رالف بيترز، فهلاّ تحسّسوا مواقع أقدامهم قبل أن تزلّ في الهوة بلا قرار!


*باحث في الفكر الإستراتيجي، جامعة باريس

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه