ولو جمعنا حجم «تمسيح الجوخ» الذي مارسته القنوات الموالية لأنظمة دول «الربيع العربي» المزعوم على مدى سنين في حضرة ديكتاتورها، لما عادلت مقدار التطبيل الذي تفرغت له «الجزيرة» في تغطيتها لنقل السلطة بقطر
وسام كنعان / جريدة الأخبار
ظن القارئ العربي أنّ بعض المقالات التي نشرتها أخيراً بعض المواقع بلغت مرتبة لا يمكن تجاوزها في التملق للشيوخ، وإذا بصاحبة «نوبل» الناشطة اليمنية توكل كرمان تبزّ الكلّ بتغريدة واحدة أول من أمس حيث قالت: «قطر بموقفها المساند لثورات الربيع تذكّرني بمصر عبد الناصر وموقفها المناصر للثورات التحررية في القرن الماضي»! مع ذلك، عجزت كرمان طبعاً عن مضاهاة «الجزيرة». تغطية المحطة القطرية أمس لتسليم الأمير حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم لابنه تميم جعلتها تتفوق على كل القنوات الرسمية التي اشتهرت بالتطبيل لأنظمتها.
ولو جمعنا حجم «تمسيح الجوخ» الذي مارسته القنوات الموالية لأنظمة دول «الربيع العربي» المزعوم على مدى سنين في حضرة ديكتاتورها، لما عادلت مقدار التطبيل الذي تفرغت له «الجزيرة» أمس. منذ الصباح الباكر، حزم فريق المحطة الإخبارية أمتعته وتوجه إلى قصر الأمير إن لم يكن قد أمضى ليلته على أعتابه ليبث «كلمة التنحي التاريخية للأمير التاريخي الذي رفع شأن الإمارة وخلق لها دوراً بارزاً في المنطقة». راحت القناة تعرض لنا صور العائلة «الكريمة» وأفرادها يتهافتون لينحنوا أمام الأمير المتنحي ويقبّلوا يدي نجله المنتظر! بدا واضحاً للمشاهد أنّ القناة القطرية أرادت الرد على الفضائية السورية التي أوردت خبراً بأنّ «شيخ إمارة قطر ينقل الحكم لولي عهده تميم».
هكذا، كاد مذيع «الجزيرة» التونسي محمد كريشان يدخل موسوعة «غينيس» لكثرة ما أعاد أسطوانته المشروخة «دولة قطر» و«سمو الأمير». ساعدته في ذلك سلسلة الأخبار العاجلة التي كانت تعيد القصة ذاتها. فيما ظل الهواء مفتوحاً على مدار ساعات لتعداد مناقب الأمير وصيته ــ بحسب قناة «الرأي والرأي الآخر» ــ الذي بلغ جميع أصقاع الأرض بعدما أشهر سيف حنكته السياسية ليتمّ المصالحة بين «فتح» و«حماس»، ثم بلغ من المجد علواً يوم وضع ثقله فحلّ النزاع السوداني.
ثم اتكأت «الجزيرة» على مراسلين أو محللين يجيدون فن الخطابة في بلاط معاليه، فحكوا عن منجزاته بما فيها الرياضية التي رجحت كفة قطر للفوز في تنظيم كأس العالم لكرة القدم في 2022 لتكرّ بعدها سبحة مزايا الشيخ المقدام الذي زار غزة، وأسهم في إعادة إعمار الضاحية الجنوبية بعد العدوان الإسرائيلي سنة 2006 ثم ساند الربيع العربي.
وإذا بمحلّل أردني يقول إنّ حمد كان يسمى «أمير المقاومة»، لكن من سمّوه نكسوا على أعقابهم عندما وقف إلى جانب الشعب السوري! أما اللازمة المناسبة لكل ذاك الاحتفال، فكانت جملة الشيخ حمد في القمة العربية التي انعقدت في الدوحة سنة 2009 على خلفية عدوان غزة. ظهر وهو يردد «ما إن يكاد يكتمل نصاب قمة غزة، حتى يعود وينقص. حسبي الله ونعم الوكيل». هكذا، أطاحت «الجزيرة» ما بقي لها من ماء وجه لتنال بجدارة لقب محطة البلاط الحاكم!..