يتجه قطاع غزة، وهو قطعة صغيرة من الأرض بين الكيان الإسرائيلي ومصر والبحر المتوسط، بشكل حثيث ومحتوم إلى أزمة مياه تقول الأمم المتحدة إنها قد تجعله ارضا يستحيل العيش فيها
يتجه قطاع غزة، وهو قطعة صغيرة من الأرض بين الكيان الإسرائيلي ومصر والبحر المتوسط، بشكل حثيث ومحتوم إلى أزمة مياه تقول الأمم المتحدة إنها قد تجعله ارضا يستحيل العيش فيها خلال سنوات معدودة. ولأن ما بين 90 و95 في المئة من المياه الجوفية في غزة ملوثة بمياه الصرف الصحي والكيماويات ومياه البحر، فان عددا من المنشآت الصغيرة لتحلية المياه في بعض الأحياء – وما توفره من صنابير في الأماكن العامة – تصبح هي المنقذ لسكان غزة البالغ عددهم نحو 1.6 مليون نسمة.
لكن مثل هذه المشاريع الصغيرة توفر المياه لنحو 20 في المئة فقط من السكان مما يجبر كثيرين في قطاع غزة على شراء زجاجات المياه المعبأة بأسعار مرتفعة.
وقال ربحي الشيخ نائب رئيس سلطة المياه الفلسطينية ‘هناك أزمة. هناك نقص خطير في موارد المياه.’
وقطاع غزة الذي تحكمه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ليس المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي يواجه مشكلة مياه. إذ أظهرت دراسة صدرت هذا العام أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) لبيانات التقطتها أقمار صناعية أن ما بين عامي 2003 و2009 فقدت المنطقة 144 كيلومترا مكعبا من مخزونها من المياه الصالحة للشرب، أي ما يعادل المياه الموجودة في البحر الميت الأمر الذي يكشف مدى تدهور الأوضاع.
لكن الوضع في غزة مزمن على وجه الخصوص. فقد حذرت الأمم المتحدة من أن المياه الجوفية ربما تكون غير قابلة للاستخدام عام 2016 وقد لا يمكن اصلاح الضرر بحلول 2020. هناك تحت ارض قطاع غزة ما بين خمسة وعشرة في المئة فقط من المياه الجوفية صالحة للشرب. لكن حتى هذه الكمية يمكن أن تمتزج بمياه أخرى ملوثة خلال التوزيع مما يجعلها صالحة للاستخدام فقط في الغسل. وقالت سحر موسى وهي أم لثلاثة أبناء تعيش في منزل متداع في خان يونس بجنوب قطاع غزة قرب الحدود مع مصر ‘مياه البلدية (الصنبور) غير صالحة للشرب وزوجي مريض كلى.’
وهي تنفق 45 شيكلا (12.50 دولار) شهريا وهو مبلغ كبير بالنسبة لأغلب الفلسطينيين في القطاع لشراء مياه نقية تخزنها في صهريج من البلاستيك سعته 500 لتر. وازدادت المشكلة سوءا بالحصار الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة، والذي يقول نشطاء إنه منع استيراد مواد لازمة لإصلاح منشآت المياه ومنشآت الصرف الصحي. وتقول اسرائيل إن هذا الحصار ضروري لمنع وصول السلاح إلى حماس. وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 80 في المئة من سكان غزة يشترون مياه الشرب.
وقالت جون كونوجي وهي ممثل خاص لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ‘الأسر تنفق ما يصل إلى ثلث دخلها على المياه.’
ولان غزة لا يوجد بها أنهار فهي تعتمد بشكل شبه كامل على المياه الجوفية الساحلية. ويدخل كل سنة لاحتياطي المياه الجوفية ما بين 50 و60 مليون متر مكعب من مياه الأمطار والمياه المنحدرة من تلال مدينة الخليل الى الشرق.
لكن احتياجات سكان غزة، الذين يزيد عددهم بمعدل سريع وكذلك من يعيشون في مزارع اسرائيلية مجاورة تستهلك ما يقدر بنحو 160 مليون متر مكعب كل عام من المياه الجوفية المهددة. ومع تراجع منسوب المياه الجوفية تتسرب إلى الابار مياه البحر المتوسط القريبة.
وتزداد هذه المشكلة تفاقما مع عدم معالجة النفايات. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى ان 90 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي تتدفق إلى مياه البحر كل يوم من غزة. ورغم وجود مياه جوفية فإن تدفق مياه جارية في الصنابير هو رفاهية بالنسبة لكثيرين من سكان غزة. ويقول سكان القطاع إنه خلال شهور الصيف قد تصل المياه الى الصنابير كل يومين. كما أن ضغط المياه يكون ضعيفا للغاية في أحيان كثيرة مما يجعل من يعيشون في الطوابق العليا لا يحصلون على احتياجاتهم.
ولجأت الكثير من الأسر إلى حفر آبار خاصة. وهذه الخطوة تحتاج الحصول على تصريح، لكن القيود الصارمة تدفع أغلب الأسر الى ان تحفر آبارها سرا. ويحاول العمال الذين يحفرون الآبار إخفاء عملهم من الجيران المحيطين بوضع أغطية بلاستيكية كبيرة.
وقال أبو محمد الذي يبلغ من العمر 45 عاما ولديه ستة أبناء ‘كما ترى.. المشهد كما لو كان مسرح جريمة.’
ودفع أبو محمد وهو تاجر أقمشة من مدينة غزة لفريق العمال المؤلف من سبعة أفراد 12700 شيكل (3513 دولارا) لحفر البئر ووجد مياه على عمق 48 مترا. وأضاف ‘نبدأ العمل بعد الغروب ونحاول التغطية على ضجيج الماكينات بصوت الموسيقى.’
ويقدر مسؤول امن اسرائيلي رفيع أن ستة آلاف بئر حفرت في غزة والكثير منها بدون ترخيص.
ورغم أن اسرائيل تستخدم أيضا نفس هذه المياه الجوفية الملوثة في منطقة تمتد حتى قيسارية على بعد نحو 60 كيلومترا إلى الشمال من تل أبيب، فإن المشلكة أقل حدة منها في غزة ذات الأرض المنخفضة. بالإضافة إلى ذلك يمكن لاسرائيل الحصول على المياه من بحيرة طبرية والمياه الجوفية في جبال الضفة الغربية.وبما أن غزة مطلة على البحر فإن الحل الواضح هو تحلية المياه.
ويوجد في غزة بالفعل 18 محطة صغيرة لتحلية المياه، واحدة لتحلية مياه البحر والبقية لتحلية مياه الآبار التي تحتوي على نسبة ملوحة، وكلها بدعم من صندوق الامم المتحدة لدعم الاطفال (اليونيسيف) أو منظمة أوكسفام الخيرية.
وبدأت سلطة المياه الفلسطينية العمل لإنشاء محطتين جديدتين لتحلية مياه البحر وتعتزم بناء محطة ثالثة أكبر مصممة لإنتاج 55 مليون متر مكعب من المياه سنويا. لكن بما ان تمويل المشروع الذي تبلغ تكلفته 450 مليون دولار غير مؤكد فلن يبدأ التنفيذ قبل 2017. وبحلول ذلك الوقت قد لا يكون لدى غزة التي تعاني ضائقة مالية ما يكفي من الكهرباء لتشغيل المحطات. وتقدر الأمم المتحدة ان غزة تحتاج حاليا إلى إنتاج 100 ميغاوات إضافية حتى قبل بناء محطة تحلية المياه الكبيرة.
وقال مسؤول الامن الاسرائيلي الكبير إن حكومته تحاول تقديم المساعدة للقطاع لشعورها بالقلق من احتمال حدوث كارثة مياه وربما كارثة إنسانية على حدودها خلال بضع سنوات.
وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه لحساسية القضية ‘تحدثنا لكل من نعرفه في المجتمع الدولي.. لأن 1.4 مليون شخص سيكونون بلا مياه خلال سنوات قليلة.’ وأضاف أن اسرائيل ولها تجربة كبيرة في مجال تحلية المياه تساعد على تدريب عدد من سكان غزة على أحدث التكنولوجيات وهو ما أكدته سلطة المياه الفلسطينية.
وناشد الشيخ نائب رئيس سلطة المياه الجهات الدولية المانحة المساعدة على تمويل مشاريع الطاقة والمياه والصرف محذرا من وقوع كارثة في حالة عدم التحرك. وقال ‘هناك حاجة لاستثمارات صغيرة لتجنب الحاجة لاستثمارات أكبر انها قضية إنسانية ليست لها علاقة بالسياسة أو الامن’.