30 يونيو والأيام القليلة قبله وبعده هي التي ستحدد مستقبل مصر، بل لا أكون مبالغا إذا قلت مستقبل العالم العربي على الأقل.
كمال البهلاوي - القدس العربي
30 يونيو والأيام القليلة قبله وبعده هي التي ستحدد مستقبل مصر، بل لا أكون مبالغا إذا قلت مستقبل العالم العربي على الأقل. تسير الأوطان سيرا حسنا – مهما كانت الصعوبات والتحديات ـ إذا كان الوطن كتلة واحدة، عراه غـــير قابلـــة للانفصــــام، والكل يقبل الآخر، مهما كانت أوضاع وعقائد هذا الآخر الدينية، واتجاهــــاته وميـــوله الســـــياسية، ومهما كان جنسه أو نوعه، وطالما كان هناك دســتور يحظى بالاحترام والقبـــول، وقوانين تحقق العدالة المنشودة؛ وخطــــط دقيــقة للتنمية والتقدم. ينتج عن هذا المشهد الوطني الجميل، الاحساس بالوطن وتحدياته، وواجباتنا ومسؤولياتنا نحوه، ويقل الاحساس بالذات، ويقف كل منا عند الحقوق والواجبات لا يتخطاها، خصوصا تلك التي تزداد بسبب التعصب الديني، أو التحزب السياسي.
أما المشهد السياسي العبثي أينما كان، الذي ينتج عن إدارة ضعيفة،وأداء سيئ، فلا تسير فيه الأوطان سيرا حسنا، ولا تستقر فيه الأوضاع، ولا يشعر المواطن، أي مواطن، أكان في السلطة أو معضدا لها أو خارجها أو مناوئا لها، بالأمان. والحال التي عليها الأوضاع في مصر اليوم تعكس هذا العبث، والشعور بالخوف من المستقبل بشكل عام، نتيجة مجموعة من العوامل المعيبة التي أوصلتنا الى هذه الأوضاع، بل إنها لم تكن في صالح أي مواطن ولا أي مشروع حتى المشروع الاسلامي الذي تأثر كثيرا وتأخر كثيرا، والاسلاميون وهم رعاته في قمة السلطة.
فقد أصحاب المشروع الاسلامي شيئا كبيرا من ثقة الناس وتعاطفهم وتعاضدهم، بسبب تشدد بعضهم أو قلة منهم، وبدلا من أن يزدهر المشروع وهم في السلطة، فقد كثيرا من بريقه وقدرة أصحابه على اجتذاب آخرين أو تجنيدهم، ليكونوا ظهيرا للمشروع. وظهرت علامات في المشروع ليست منه ولا تخدمه ولا تحقق ثوابته. وأود أن أركز هنا على مجموعة من العوامل التي أظن أنها ساهمت كثيرا في ذلك المشهد العبثي القائم اليوم في مصر، الذي يشارك فيه معظم القوى السياسية من كان فيهم في الحكم أو المعارضة.
أولا: ضعف الثقة او انعدامها: الثقة ضعيفة حتى بين جماعات أو أحزاب الاسلاميين أنفسهم، بسبب تباين الفهم، وكل يدعي الفهم الصحيح الوسطي، حتى ‘المكفراتية’ وأهل التشدد والتطرف والعنف. ومنهم اليوم من آمن أو استخدم المراجعات الفكرية والفقهية حتى يتنسم رياح الحرية، ويخرج فيها من السجون والمعتقلات، التي أكثر منها ومن أنواعها ووسائل التعذيب المستحدثه فيها نظام مبارك، وأهدر بعض القائمين على تلك السجون فيها وبها كرامة الانسان، مما ترك عاهات فكرية ونفسية عند البعض منهم، قد تستعصي على العلاج، فضلا عن العاهات الجسدية. وفي بعض من هذا السلوك الذي نراه، نشم رائحة التقية عند بعض أهل السنة، إن جاز هذا القول، ونرى شيئا من الانتهزاية التي لا محل لها من الشريعة ولا الدستور ولا الأخلاق ولا المشروع.
أما المصلحة التي اجتمع عليها الشامي والمغربي في مصر من أبناء التيارات الاسلامية، فلن تدوم إلا إذا استقام الفهم، وإلا إذا قدم الجميع مصلحة الوطن على المصالح الحزبية، حتى لو كانت – كما يزعمون ـ باسم الدين أو الشريعة. أما الثقة فمنعدمة أصلا بين أصحاب التيار الاسلامي وأصحاب التيار الليبرالي، أو ما يطلق عليه العلماني، منذ أن أخلف الرئيس وعوده التي وعد بها الوطن في فندق فيرمونت، وفي الانتخابات، التي وعد بها أيضا خلال المئة يوم الأولى من حكمه، من دون أن يضطره أحد لذلك. وفضلا عن ذلك فان ضعف الثقة أو انعدامها له ما يبرره تماما، ومن ذلك ما ظهر من بعض أصحاب التيار الاسلامي، وحملة القرآن والمشروع الاسلامي، ومن ينسبون أنفسهم الى أهل السلف، يوم مؤتمر سورية برعاية الرئيس مرسي في القاهرة، وفي الحشد الاسلامي في الأسبوع الماضي أمام مسجد رابعة العدوية بالقاهرة. أقوال ما أنزل الله بها من سلطان يتفوه بها المتشددون، من قبيل الدعاء على المخالفين وأولادهم وكأنهم كفار، ونسي من فعل ذلك أنهم قد خالفوا الشرع والسنة في ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للملائكة الذين عرضوا عليه أن يطبقوا – بإذن الله تعالى على الكفار والمشركين الأخشبين، أي جبال من جبال مكة، ومنهم الكفار المعادون والمشركون الذين كانوا يحاولون قتله أو إخراجه من مكة، قال صلى الله عليه وسلم ‘لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد أو يعبد الله’.
وهناك دعوات جاهلية أخرى نادى بها المتشددون الاسلاميون من قبيل’ قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار’. وهذا القول لا تفسير له إلا أن القائلين بذلك، ومن يعتقدون أن قتــــلاهم في الجنة في المعارك العبثية الدائرة حول السلطة، ومن يعتقــــدون أن قتلى الآخرين في النار، لأنهم ضد السلطة التي لا يجوز الخروج عليها، كما يقولون، لم يفهموا الاسلام بوسطيته وحرياته الواسعة، بما في ذلك حرية الاعتقاد، واعتبــــروا المعارضـــين للسلطة المدنية مع أخطائها من الكفار. وهذا الفهم كارثي لأنه يكرس الصراع والكراهية في المجتمع، ويهون من جرائم القتل والاستحلال، أي استحلال دم وعرض ومال الآخرين، ممن لم يسيروا في ركاب السلطة، ووقفوا ضد الارتباك وسوء الادارة والتخلف، وتقديم أهل الثقة في مجالات ليس لهم بها عهد ولا دراية ولا قدرات تناسبها والأمثلة كثيرة.
هذا هو المنظرالذي لاتزال مصر تعيش في كنفه تحت إدارة الاسلاميين للبلاد، ولذلك يقول بعض المتابعين اليوم لما يحدث في مصر، خصوصا للمشروع الاسلامي، ان الدعوة خسرت اليوم بسلوك أصحاب السلطة، أكثر مما يخطط لها الأعداء حتى لو نجحوا في تخطيطهم، ولذلك ظهرت انقسامات حادة في المجتمع تعرضه للتجزئة، منها ما هو بين الاسلاميين أنفسهم، من سلفيين واخوان مسلمين وجماعات اسلامية وجماعات جهاد وسلفية جهادية وحركات تكفير، وبعضها يكفر البعض الآخر، ومنها ما هو انقسامات بين الاسلاميين والعلمانيين والليبراليين وبقية فئات المجتمع، مما يعرض المجتمع الى انقسام دائم وكراهية، إذ أن بعضهم أيضا يصف البعض الآخر بالعمالة مما يطعن في الشرف، وهم يحاسبون بعضهم بعضا على مواقف سابقة من أيام مبارك، فمنهم من كان يعارض الديمقراطية، ومنهم من كان ضد الخروج على الحاكم (مبارك)، ومنهم من كان على صلة وثيقة أو عمل بأمن الدولة.
ثانيا ـ التأخر في الاستجابة للمطالب الشعبية وأسلوب المساومة نكاية في المعارضة: ظهر هذا التأخر واضحا في عدة قضايا وأمور، منها معالجة قضية الهيئة التأسيسية حتى جرى إبطال مجلس الشعب، لثغرات في قانون الانتخابات، ومنها الاستفتاء على الدستور، رغم الاقرار بالمواد المعيبة فيه، ومنها الاعلان الدستوري الكارثي في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، الذي تراجع عنه الرئيس جزئيا، ومنها التأخر في احداث تغيير حقيقي في الحكومة، حتى أوشكت مصر على الوقوع في الكارثة، بسبب التأخر في الاصلاح أو التغيير وضعف الاستجابة للمطالب الشعبية أو مطالب المعارضة السياسية، مما يذكرنا بأن ثورة 25 يناير أيضا كانت تطالب بإصلاح أجهزة الأمن، ولم يستوعب نظام مبارك هذا الطلب، وظنّ أنه قادر على قهر إرادة الشعب فغلبه الشعب، ولم يقبل بالوعود أو الحلول التي جاءت متأخرة، وتمكنّ الشعب من مبارك شخصيا والدائرة المصغرة التي كانت حوله، فتنحى قبل أن يفتك به الشعب وكان في هذا عاقلا، حتى لو أدخل السجن الذي حماه من غضبة الشعب. ويا ليت الثورة استمرت تحت قيادة واعية حتى تطهر جميع الميادين السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها من الفاسد فيها والمتخلفة عن العصر. ولم يحدث ذلك للاسف الشديد، بل شارك الكثيرون من السياسيين خصوصا، في وأد تلك الثورة الحضارية العظيمة حتى من دون أن يقصدوا ذلك. أجهضوا الثورة بسرعة التوجه الى العمل السياسي، والتركيز على الدخول الى البرلمان وترك الميدان، والسعي لتصفيته، واتهام أصحاب الميدان، وكثير منهم من أهل الثورة، بالبلطجة والفلولية. على أية حال هبّ الشعب من جديد، ونحسب أن يوم 30 يونيو سيكون يوما فاصلا في تاريخ مصر. إن القلق والحزن على مصر كبير جدا، والحزن على الدماء التي قد تسيل نتيجة أي عوامل، بدأ قبل أن تسيل. بعض ذلك الشباب الثوري الطاهر قد استشهد أو خرج وبعضه في السجون والمعتقلات وأمام المحاكم ينتظر دوره، وبعضه تمرد ليصحح المسيرة، ويستعيد شيئا من الثورة التي أجهضت. هناك عوامل أخرى مهمة لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال.
أما خطاب الرئيس مرسي الطويل، الذي اعترف فيه بالإصابة والخطأ وألقى اللوم على الفلول كالعادة مع تحديد بعض الأسماء، والذي جاء فيه ببعض قرارات لمواجهة البلطجة، وإعداد التعديلات الدستورية المقترحة، وتشكيل اللجنة العليا للمصالحة الوطنية، والتوافق على محاور العمل الوطني، وإقالة المتسببين في الازمات التي تعرض لها المواطن في قطاع الخدمات، وسحب تراخيص محطات البنزين، التي تخالف التعليمات وتسليمها الى وزارة التموين، وتعيين مساعدين من الشباب للمحافظين والوزراء، ففي الغالب أنها لن تتم في ضوء وقائع 30 يونيو.
والله الموفق
*قيادي سابق في جماعة الاخوان المسلمين
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه