نجح الجيش السوري مجددا في استخدام حيلة قديمة قدم الحروب البشرية لتشتيت انتباه المعارضة المسلحة عن هدفه التالي، حيث شن هجوماً منظماً، أمس الأول، على أحياء محصنة بالمسلحين في مدينة حمص
زياد حيدر
نجح الجيش السوري مجددا في استخدام حيلة قديمة قدم الحروب البشرية لتشتيت انتباه المعارضة المسلحة عن هدفه التالي، حيث شن هجوماً منظماً، أمس الأول، على أحياء محصنة بالمسلحين في مدينة حمص، مواصلاً توسيع سيطرته في المناطق الشرقية والغربية المحاذية للمدينة في تلكلخ على الحدود اللبنانية السورية ومنطقة القريتين شرقاً، وصولا إلى شل حركة المسلحين في الرستن.
وبعد معركة القصير بأيام قليلة، بدأ المحللون يتحدثون عن «عاصفة الشمال» كتسمية للمعركة التي ينوي الجيش السوري شنها على مواقع المسلحين في حلب. ونقل مراسلون صحافيون، عن حسن نية ربما، أخباراً وتصريحات نسبت إلى ضباط في الجيش السوري، على هامش معركة القصير، بأن الجيش بدأ التحضير لمعركة حلب الإستراتيجية. وراجت تسمية «عاصفة الشمال»، بالرغم من أن الجيش السوري ليس لديه تقليد في تسمية عملياته، ولا ترميزها بتوصيفات أدبية، تماماً كما لا يتداول معلوماته وبياناته كتابياً، وهو يبتعد عن استخدام وسائل الاتصال الحديثة.
وإمعانا في الإيهام، كما يبدو، عزز الجيش السوري من التكهنات عبر تكثيف القصف لمناطق في الشمال الشرقي لحلب، كأعزاز، في ما بدا حملة تمهيد لمعركة. وكثر حديث الإعلام الموالي عن حملة لفك الحصار عن قريتي نبل والزهراء المواليتين.
كما كرس هذه الخدعة استنفار المعارضة السورية وخلفها القوى الإقليمية المساندة لـ«الدفاع عن حلب» وصولا إلى خروج رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان ليرسم «خطا أحمر» جديداً، ولكن حول حلب هذه المرة، في الوقت الذي كانت قيادة أركان الجيش السوري تستكمل الـ«داتا» المطلوبة لشن هجومها على مواقع المعارضة في حمص القديمة، استكمالا لخطة «تطهير» المنطقة الوسطى، التي تشكل قلب سوريا الاقتصادي والتجاري، وتؤمن حركة النقل بين أطرافها الأربعة.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي تقع فصائل المعارضة العسكرية بفخ مشابه. كما أن فشل الاستخبارات الأجنبية بعناصرها العديدة المتوافرة في سوريا، ومعداتها التقنية العالية الدقة، في تقدير وجهة الجيش المقبلة، تكرر سابقاً.
في ربيع العام 2012 كان رئيس «المجلس الوطني السوري» السابق برهان غليون يستنجد بحلفاء المجلس الدوليين والإقليميين للدفاع عن حمص، مشيراً إلى عشرات الآلاف من الجنود يستعدون لدخول المدينة و«تنفيذ مجزرة» فيها، فيما كانت قوى الوحدات الخاصة تنفذ عمليات واسعة وبعتاد عسكري كبير تساندها الطائرات في ريفي إدلب وحماه، وقد خسر خلالها المسلحون مئات المقاتلين، ولا سيما في معارك وديان جبل الزاوية.
الأمر ذاته حصل مع حماه، الخريف الماضي، حين انتشرت الأخبار عن التحضير لعمليات ضخمة فيها، فيما كان الجيش يخوض معركة «تحجيم نفوذ» في ريف اللاذقية الشمالي. وتكررت القصة ذاتها في مناطق ريف دمشق مراراً. الخدعة ذاتها استخدمت بشكل معاكس أيضا، حين قدرت قوى المعارضة وحلفاؤها أن تركيز الجيش والقيادة العسكرية ينحصر في استرداد مناطق نفوذه في الغوطة وإغلاق منافذ دمشق، وهو ما بدت عليه الحال منذ سبعة أشهر تقريباً، في معارك كر وفر في مزارع الغوطة الشرقية وحرستا ومحيط مطار دمشق الدولي، في الوقت الذي كانت فيه الوحدات الخاصة في الحرس الجمهوري ومقاتلون من «حزب الله» يستكملون حصارها في مناطق البقاع لبنانيا وريف القصير استعداداً لكسر حلقة الضعف العسكرية المتمثلة في مطار الضبعة ومدينة القصير.
وكانت تقارير إعلامية غير مؤكدة قد تحدثت مؤخرا عن أن واشنطن أبلغت فصائل المعارضة السورية بأن «الهدف القادم للجيش السوري ليس مدينة حلب وإنما حمص».
وتشكل حمص (42226 كيلومتراً مربعاً) الهدف الأهم لأسباب مفهومة عسكرياً ومحلياً، ولا سيما أنها في خضم المعركة حاليا، ومناطق وجود المعارضة باتت مشتتة وتقتصر على أحياء في المدينة محاصرة منذ أشهر طويلة وتعاني نقصا في الإمداد بمختلف أشكاله. كما أنها تشكل الطريق الواصل بين جميع المحافظات السورية، وتؤمن طرق المواد الغذائية والطاقة، وتمتد حقولها وباديتها من حدود سوريا الغربية من لبنان إلى حدودها الشرقية مع العراق. وهي كريف حلب والمنطقة الشرقية في سوريا تعاني ضعفا شديدا في الرقابة الحدودية، كان يسمح لداعمي المعارضة ولعناصرها بالتنقل بين لبنان وسوريا بسهولة. كما أن خزانها البشري متنوع، وفيه قطاع واسع من البيئة الرافضة للفصائل المسلحة، الأمر الذي يجعل عمليات الجيش ميسرة وسريعة أكثر من مناطق حلب، ولا سيما القريبة من تركيا.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه