برز بالأمس اتجاهان واضحان للخطاب الإعلامي العربي. تبنّت «الجزيرة» (و«الجزيرة مباشر» و«الجزيرة مصر») خطّاً مهادناً للسلطة المصريّة، وخطاباً متوازياً مع الخطاب الرسميّ الداعي إلى توحيد الصفّ مع الرئيس محمد م
امتازت التغطية الإعلامية لتظاهرات الأمس في مصر، بالاصطفاف السياسي الواضح. وجاءت اللغة المستخدمة على الشاشات، متّسقةً بدرجة كبيرة مع الشحن الواضح في الشارع المصري. هكذا، برز بالأمس اتجاهان واضحان للخطاب الإعلامي العربي. تبنّت «الجزيرة» (و«الجزيرة مباشر» و«الجزيرة مصر») خطّاً مهادناً للسلطة المصريّة، وخطاباً متوازياً مع الخطاب الرسميّ الداعي إلى توحيد الصفّ مع الرئيس محمد مرسي، وإلقاء الضوء على خلفيات المعارضة، وعلاقات شخصيات بارزة فيها وارتباطها بـ«مخططات» التأثير على الوحدة الشعبية المصرية.
فادي الطويل
بثّت «الجزيرة» أخبارها من القاهرة بالأمس، ولكنّها خرجت بمشهد يختلف تماماً عن ذلك الذي شهدته شاشتها قبل عامين ونصف، حين واكبت لحظة بلحظة «ثورة 25 يناير»، ووقفت بشكل واضح إلى جانب مطلب إسقاط النظام. وركّزت «الجزيرة» بالأمس في أخبارها العاجلة على مواقف الرئاسة ضد ما وصفته بالعنف.
الاتجاه الآخر تبنّته قناة «العربية» (و«العربية الحدث») التي اتجهت نحو لقاء شخصيات معارضة بارزة، ومهّدت بتغطية من مواقع حشد المعارضة، مع التركيز على دعوات نبذ العنف وعدم التعرض بأي هتافٍ أو سلوكٍ عدائيّ تجاه أفراد الشرطة أو الجيش... هذا ربما ما أدّى إلى طرد فريق «العربيّة»، وقنوات أخرى، من ميدان «رابعة العدويّة».
من جهتها واصلت قناة «الميادين» البثّ بشكل متواصل من مختلف التجمّعات المعارضة، من أمام قصر الاتحاديّة، وصولاً إلى ميدان التحرير، والإسكندرية، والمحلة، وغيرها. فتحت القناة بثّها من القاهرة ضمن برنامج حواري، وركّزت على رفع المتظاهرين في الإسكندرية صور جمال عبد الناصر، وأعطت مساحة واسعة للمطالبين بإسقاط حكم المرشد.
بين هذين الاتجاهين حاولت باقي الفضائيات اعتماد خطاب محايد.. إذ عرضت قنوات «بي بي سي العربية» و«فرانس 24» و«سكاي نيوز عربية» و«الحرة» مقابلات مع شخصيات من المعارضة و«الإخوان».
من جهتها، كانت الفضائيات المصريّة الرسمية والخاصّة متفرغةً بشكل كامل للتغطية التي لم يبدُ فيها أي مكان للحياد. كان الانقسام واضحاً في كل شيء. تيارٌ جمع قنوات كـ«المصريّة» و«الحافظ» و«الناس»، يتبنى خطاب الجماعة، ويحشد المؤيدين للرئيس محمد مرسي تحت شعار «الشرعية خطّ أحمر». بدا خطاب هذه القنوات مباشراً وغير قابل للمهادنة، خصوصاً مع الصور التي تناقلتها من ميدان رابعة العدوية ــ مكان تجمع المؤيدين لمرسي ــ حيث كان شبان يحملون عصياً خشبيّة ويتدربون على مواجهات محتملة مع المعارضين.
تمثّل التيار الآخر بقنوات «أون تي في»، و«الحياة»، و«سي بي سي»، و«المحور»، و«البلد»، و«التحرير»... حيث قامت تلك القنوات بتحميل المجتمعين في «ميدان رابعة العدويّة» مسؤولية أيّ مضاعفات أو مواجهات قد تحصل. حتى أنّ قناة «التحرير» وجهت نداءاتٍ لمن دعتهــم بـ«أفراد كتائب «حماس» و«القسّام»»، للانسحاب من التجمع المؤيد قبل حلول المساء «وإلا ستكون ثمة عواقب خطيرة». كما بثّت قنوات متعددة أخباراً عن وجود صورٍ للرئيــس الســابق حسنــي مبارك، لكن سرعان ما تم نفي ذلك. في حين ركّزت قناة «أون تي في» على بثّ صور لمتظاهرين يحرقون العلم الإسرائيلي في الاتحاديّة.
اندرج ذلك الاستقطاب الإعلامي ضمن جوّ اختلطت فيه الأفكار وارتفعت وتيرة تبادل الاتهامات والمسؤوليات. وأخذت مقابلة الرئيس محمد مرسي مع الغارديان البريطانية (التي نشرت الجمعة) حيزاً كبيراً في الإعلام، من ناحية اقتباس كلماته، خصوصاً تعهده «بعدم قيام ثورة ثانية»، ورفضه مناقشة فكرة التنحي، لأنّه بحسب قوله، «لا يمكن لرئيس منتخب بشرعيّة شعبية أن يرضخ لمن يطالبونه بالتنحي، لأنّه سيكون ثمّة معارضون للرئيس الجديد، قد يطالبونه بعد أسبوع أو شهر بالتنحي أيضاً».
مع ارتفاع سخونة الأحداث على الأرض، كانت حدّة الاستقطاب تزداد على شاشة الفضائيات العربيّة والمصريّة.. وكانت كلّ شاشة تنقل من ميدان مختلف أصوات متظاهرين يصرخون «إحنا الشعب». وبعكس توحّد الشاشات على نقل الغضب المصري من «ميدان التحرير» في «25 يناير»، كان الفضاء العربي منقسماً بين مؤيدي مرسي في رابعة العدويّة، والمتظاهرين المعارضين في ميادين مصر الأخرى.