شتّان ما بين الثرى والثريا! مهما حاولتم إقران حركة الأسير بحزب الله، الظاهرة الوطنية القومية العربية الإسلامية التقدمية، فلن تنجحوا، وسيظل الحزب شمساً مضيئة في السماء العربية.
د. فايز رشيد / كاتب فلسطيني /جريدة القدس العربي
الذين كانوا سبباً في ولادة حركة أحمد الأسير، أنشأوها لأهداف عديدة من أبرزها، ركوب موجه الطائفية والمذهبية البغيضة، التشويش على حزب الله، تفجير لبنان بالعودة إلى حرب طائفية مذهبية هذه المرة لا تبقي ولا تذر، وحصيلتها تفتيته إلى دويلات طائفية متناحرة ومتقاتلة، لذلك ومنذ ظهور هذه الحركة حاول زعيمها الفارّ (حالياً) ربطها بحزب الله، واعتبر نفسه (ندّاً) للسيد حسن نصر الله.
الذين استحضروا الفقيه الظلامي المضطرب روّجو له باعتباره خطيباً مفوهاً وزعيماً دينياً بارزاً ومَعْلماً مهمّاً من معالم لبنان. لقد مارس الشيخ الظلامي التفتيتي البلطجة بكل مظاهرها وأشكالها، بدءاً بقطع طريق بيروت صور عند مدينة صيدا، مرورا بتظاهرت جماعته وهي تحمل السلاح مرّات عديدة، وصولاً إلى محاولة تفجير صيدا (في البداية) ومن ثم لبــــنان بأكمله، من خلال إطلاق النار على دوريات للجيش اللبناني، وقتل العديد وجرح العشرات من أفراده، ومن خلال احتلال البيوت المجاورة لجامع بلال بن رباح وتفخيخها بالمتفجرات التي وضعها حتى في أصص النباتات.
أحمد الأسير ليس منفصلاً عن اتجاهات سياسية مشبوهة موزعة محلياً وإقليمياً ودولياً، وبالتأكيد فإن له جماعات مؤيدة عديدة من لبنان، حاولت مؤازرته أثناء حملة الجيش الأخيرة على جماعته. القضاء على الحركة في صيدا ليس معناه القضاء على كل معاقل الأسير في لبنان. حركة الأسير هي الجزء اللبناني من ظاهرة الاتجاهات السلفية التكفيرية الموجودة في المنطقة، خاصة في سورية.
هذه الجماعات جعلت أولى أولوياتها محاربة قوى المقاومة في العالم العربي، وعلى رأسها حزب الله وسورية وإيران، من خلال شعارها الطائفي، الدفاع عن السُنّة ضد الشيعة، لأن المعركة مع الأخيرين هي الأهم بالمقارنة مع القتال ضد العدو الصهيوني. وكأن السنّة أرسلوا ملايين الطلبات لزعماء هذا الاتجاه من أجل الدفاع عن مصالحهم.
للعلم العديد من شيوخ هذا الاتجاه التكفيري أفتْوا بأحقية الجهاد في سورية لا في فلسطين، وكأن إسرائيل لا تقوم بتهويد القدس ولا حفر الأنفاق من تحت المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وكأن إسرائيل لا تمارس الترانسفير ضد عرب النقب، وكأن إسرائيل لا تقوم بمصادرة الأراضي الفلسطينية، وكأنها لا تحاصر غزة، فكل هذه القضايا مؤجّلة في عرف هؤلاء! احتلال مخيم اليرموك في دمشق وتشريد أهله وساكني مخيمات خان الشيخ وسبينه بالقرب من العاصمة السورية، ومخيم النيرب في حلب أهم من القتال من أجل تحرير الأقصى والقدس الشريف، وأهم من تحرير يافا وحيفا. للأسف فإن ذلك ينطلي على بعض فصائل الاتجاه الديني في المقاومة الفلسطينية فيصدر قيادي فلسطيني من إحدى هذه الفصائل، ذات الفتوى، وإسرائيل تُحاصر قطاع غزة للعام السادس على التوالي.
للأسف تصاعد وتائر التحريض المذهبي والطائفي، تنتشر في العديد من الأقطار العربية، كانتشار النار في الهشيم، وهذا يؤكد استهداف قوى المقاومة، وتفتيت وحدة النسيج الاجتماعي لشعوب الأمة العربية، وتحويل المعركة الأهم من الاتجاه الرئيسي إلى الاتجاهات التي تحقق هذه الأهداف.
التحريض يجري ضد الشيعة وليس ضد إسرائيل، ومن أجل قتال حزب الله (الذي قاتل ويقاتل وسيقاتل إسرائيل) وليس من أجل قتال إسرائيل. للأسف ليست المشكلة فقط في هذه الاتجاهات السلفية التكفيرية، وإنما أيضاً من يستمع إليهم ويقوم بتأييدهم وهذه تتمثل في قواعد تنتشر حالياً بالطريقتين، الطولية والعرضية.
كان مستغرباً أنه بعد أن قام الجيش بتطهير صيدا من حركة الأسير، قيام مظاهرة شعبية في المدينة انطلقت بعد صلاة الجمعة التالية، تأييداً للأسير ومطالبة بنزع سلاح حزب الله، وأن آخرين لبنانيين وعرباً أصبحوا يربطون بين حركة الأسير وحزب الله، هذا الحزب الذي لم يطرح الطائفية مطلقاً. شعاراته كانت وستظل وطنية، قومية عروبية، دفاعية عن كل المسلمين بمختلف مذاهبهم وطوائفهم. الحزب يخوض معركة أساسية ضد العدوان الصهيوني ولقد حقق انتصارين استراتيجيين على العدو في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني.
إنه لمؤلم حقاً أن يعنون البعض من الكتاب والصحافيين الإسرائيليين أعمدتهم في صحفهم، بمقولات مثل: ‘العالم العربي نسي إسرائيل’، و’العرب يحاربون بعضهم’،’إسرائيل على الحياد في الصراع العربي- العربي وغير ذلك’. من المؤلم حقاً أن تحقق الاتجاهات السلفية التكفيرية ما قاله نتنياهو في بداية التسعينيات في كتابه ‘مكان تحت الشمس′ من أن الصراع الإسرائيلي- العربي ليس صراعاً أساسياً في المنطقة، وإنما الصراعات الأساسية في العالم العربي هي الصراعات العربية – العربية. من المؤلم حقاً أن يقوم نتنياهو بتهديد سورية، ويعلن أنه على استعداد لدخول دمشق، إذا ما هدّدت سورية إسرائيل. إنه نفس الهدف الذي تسعى إليه الاتجاهات السلفية التكفيرية، من أجل كل ذلك ومن أجل استمرار المقاومة، اضطر حزب الله لنصرة حليفه الاستراتيجي في المقاومة، من أجل منع إسرائيل وأعوانها من السيطرة على سورية.
إن الطروحات من قبل سياسيين لبنانيين وعرباً، التي تطالب بمداهمة كل المربعات الأمنية في لبنان، هي بطريقة مباشرة وأخرى غير مباشرة تطالب بجمع سلاح حزب الله (ومربعه الأمني)، في إشارة إلى الضاحية الجنوبية من بيروت، مع العلم أنه ليس للحزب مربع أمني يوجد فيه مقاتلون بشكل علني وواضح، إلا أولئك المعنيون بحماية بعض المؤسسات المدنية التابعة للحزب. إن في هذه الطروحات محاولة لتقزيم حزب الله وإقرانه بحركة طائفية تدعو للحرب الأهلية، ومحاولة للمساواة بين سلاح مقاوِم لا يظهر إلا حين يقوم الكيان الصهيوني بعدوان على لبنان، وبين سلاح فتنوي طائفي هدفه أولاً وأخيراً، نشر الفتنة الطائفية في هذا البلد العربي وتمزيقه من خلال الحرب الأهلية، التي يسعون إلى تأجيجها وإشعال أوراها، أسوة بما يجري في سورية. لقد وضع الأسير واحداً من بين أهدافه أيضاً (تماماً مثل أهداف أصحاب هذا النهج في العديد من الدول العربية والإسلامية)، وهو إمداد جبهة النصرة وحليفاتها في سورية بالمال والأسلحة والمقاتلين، وبذلك تنطلق حركة أحمد الأسير من دائرة خطرها على لبنان إلى دائرة الخطر على العديد من الدول العربية.
لقد حاول الأســــير وحركته مـــنذ بدء وجوده في صيدا، الزّج بالفلسطينيين، خاصة الأهالي وفصــــائل المقاومة في مخيم عين الحلوة، وقوداً في المعركة التي خطــط لها ضـــد الجيــش اللبناني وضد حزب الله، خاصة في قتاله الأخير، لكن وعي الفصائل الفلسطينية وأهالي المخيم، فوّت الفرصة على أصحاب الاتجاه السلفي الموجـــودين في المخيم، الذين سعوا إلى مساندة الأسير.
معركة الأسير لم تنتــــه بعــد معركة صيدا، فالبؤر الأسيرية (وليس بالضرورة تلك التابعة لحركته) موجودة في أنحاء لبنان وفي العديد من المواقع في بعض الدول العربية، تنتظر الفرص المواتية من أجل تنفيذ أهدافها المرسومة من قبل القائمين عليها.
يبقى القول، شتّان ما بين الثرى والثريا! مهما حاولتم إقران حركة الأسير بحزب الله، الظاهرة الوطنية القومية العربية الإسلامية التقدمية، فلن تنجحوا، وسيظل الحزب شمساً مضيئة في السماء العربية.