في ما يلي حديث خاص لموقع المنار مع السفير الإيراني في لبنان تناول فيه أبرز أحداث المنطقة
يتناول السفير الإيراني في لبنان غضنفر ركن ابادي أحداث المنطقة بكثير من الدبلوماسية. لكن في لحظة ما، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأزمة في سورية أو بحركات المقاومة، يتخلى السفير الأربعيني عن دبلوماسيته ويطرح الأمور كما هي.
في حديث خاص لموقع المنار، والذي تمنى ابادي أن لا يتعدى الثلاثة أرباع الساعة لارتباطه بمواعيد أخرى، تستنتج أن الكفة في سورية تميل لصالح النظام وليس لصالح الأطراف الأخرى التي "تراهن على أوهام"، حسب قوله. كما تلمس من كلام ابادي أن بلاده تنطلق من "فلسطين" لتحديد مستوى علاقاتها بكثير من البلدان، التي قد يتساءل المتابع عن سبب سعي طهران لبناء علاقات جيدة معها، بالرغم من خلاف في وجهات النظر بينهما على أكثر من صعيد. لا تدخل عسكري في سورية، بالنسبة للدبلوماسي الإيراني، ولا تغيير في ثوابت السياسة الإيرانية كما توقع البعض عقب انتخاب الشيخ حسن روحاني، ولا حل سياسي فعلي حالياً للأزمة في سورية، لأن "الأطراف الأخرى لا تزال حتى اللحظة تراهن على تحقيق إنجاز ما يقودها إلى طاولة المفاوضات".
سعادة السفير، هل تفسّر ما تمّ تسريبه عن إمكانية إقامة منطقة حظر جوي فوق الحدود السورية الأردنية، وتأكيد الولايات المتحدة الأميركية استخدام النظام للسلاح الكيميائي في سورية تمهيداً لتدخل عسكري في سورية؟ وكيف ستتصرف الجمهورية في حال حدوث ذلك؟
عندما يتحدثون عن منطقة حظر جوي وعن تدخل عسكري، فهم يتحدثون عن أمنياتهم ورغباتهم، لأنهم لو كان بإمكانهم الإقدام على خطوات مماثلة لما تريثوا دقيقة واحدة. لذلك نستنتج أن كل ذلك هو بمثابة كلام فارغ، هم فقط يريدون التأثير على معنويات السوريين ومن يدعم سوريا. كلام وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن أن سورية ليست ليبيا هو خير دليل على ما أقول. بعد القصير، قال كيري تأخرنا، ونأمل أن يستمروا بالتصرف بطريقة ما تدفع بهم ليأتوا بعد أشهر من الآن ليقولوا ايضاً نحن تأخرنا في الحل السياسي. نحن كايرانيين نؤكد مرة أخرى على الحل السياسي و على المبادرة التي اقترحناها وهي مؤلفة من ستة بنود، ونؤكد أنه لا يمكن الوصول إلى أية نتيجة من خلال الإشتباكات العسكرية.
هل يعني ما صرّحت به سعادة السفير أنكم تستبعدون أي عمل عسكري باتجاه سورية؟
نعم أستبعد ذلك، ولأسباب واضحة أهمها أن الجميع يعمل للحفاظ على أمن "اسرائيل"، وأي عمل عسكري من هذا النوع سيؤثر بالتأكيد على أمن "اسرائيل".
هناك نوع من الغموض في ما يخص الموقف الغربي اتجاه سورية، تارةً هم يتحدثون عن تسوية أو حل سياسي وعن السعي لعقد مؤتمر "جينيف 2"، وتارةً أخرى هم يعلنون إرسال اسلحة نوعية للمسلحين، في ظل هذا التناقض إلى أين تتجه الأمور في سورية؟
بالرغم من اقتناع الأميركي والإسرائيلي و حلفائهم بأن إسقاط هذا النظام المدعوم من قبل غالبية الشعب السوري بات أمراً مستحيلاً، لكن حتى الآن لم يقوموا بخطوات عملية على الأرض لأجل التقدم باتجاه الحل السياسي، أتصور أنه حتى الآن لا تتوفر هذه الإرادة لدى الجانب الآخر الذي اتخذ قرار إسقاط النظام وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية. فلو كان هناك إرادة بالبدء جدياً بالإتفاق على حل سياسي، فيكفي أن يأتي الرئيس الأميركي ليقول إنه من اليوم من غير المسموح تمويل ودعم المسلحين داخل سورية، وهنا يتوفف العنف وتنتهي الأزمة في أقل من أسبوعين. لا يمكن تنفيذ أي حل سياسي مع استمرار إراقة الدماء.
لماذا لم تتوفر هذه الإرادة حتى الآن، خصوصاً في ظل ما يتردد عن التقدم الملحوظ للجيش السوري ميدانياً، على ماذا يراهن الأميركيون حتى الآن؟
إنهم يراهنون على الأوهام. هم لا زالوا يراهنون على أنه خلال شهرين أو ثلاثة أشهر من الممكن أن تتغير المعادلة. هم مبدئياً مع المحادثات السياسية والمفاوضات، لكنهم يريدون البدء بها وبحوزتهم العديد من نقاط القوة. قبل معركة القصير، تحدثوا عن "جينيف 2" ولكن البعض أراد التأجيل مراهناً على حدوث ما هو جديد على الساحة، وبالتالي يستطيعون أن يملوا أشياءً كثيرة على الطرف الآخر. لكن هذا التأجيل كان بمثابة خسارة لهم، خصوصاً بعد انتصار الجيش السوري في القصير، هنا أتى كيري وقال نحن تأخرنا بالحل السياسي في سورية. يبدو أنهم بالإستمرار في سياسة الرهان سيأتون مجدداً ويقولون نحن تأخرنا.
مع استمرار الرهان على تغيير المستجدات، ما هي الخطوات التي قد يقدم عليها الغربيون قبل الجلوس إلى طاولة المحادثات؟
هم يحاولون التمييز بين المجموعات المسلحة المدرجة على قائمة الإرهاب، والمجموعات الأخرى الغير مدرجة على تلك اللائحة. ولكن وهم يعلمون أنه عندما يدخل السلاح إلى البلد، لا يمكن الجزم بأن تصل إلى أيدي مجموعة دون مجموعة أخرى. هم يراهنون إذاً على ضخ السلاح لتحقيق تقدم ما، لكن لا أعتقد أن ذلك سيحقق نجاحاً.
تمّ التأكيد مراراً من قبل أكثر من شخصية ايرانية رفيعة المستوى على سعي طهران إلى تطوير العلاقات مع القاهرة، هل لا زلتم تعوّلون على تقارب مع مصر ؟
الغالبية في مصر تريد علاقات جيدة مع ايران. مصر بلد إسلامي كبير وايران كذلك، ولمصر دور مهم في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً لجهة موقعها إلى حانب فلسطين المحتلة. نحن استراتجيتنا دعم فلسطين بوجه الكيان الصهيوني، لماذا نريد الإقتراب من مصر؟ إحدى الأسباب هي لأننا بحاجة لدعم المقاومة في فلسطين أكثر فأكثر، وفي هذه الحالة نستطيع الإقتراب من الشعب الفلسطيني أكثر فأكثر. نحن دائماً كانت ايدينا ممدودة لأجل أحسن العلاقات ليس فقط مع مصر بل جميع البلدان العربية وخاصة تلك التي يمكن أن تلعب دوراً بارزاً في القضية الفلسطينية وينطبق ذلك ايضاً على المملكة العربية السعودية.
مؤخراً، تمّ الحديث عن تمايز بين الجمهورية الإسلامية وحركة حماس خصوصاً في ظل المواقف الصادرة عن الحركة بخصوص الأزمة السورية، هل من توضيح لمستوى العلاقة التي تربطكم حالياً بحركة حماس؟
لدينا خلاف في وجهات النظر مع حماس حالياً بخصوص الأزمة في سورية، نحن موقفنا من فلسطين موقف استراتيجي وأساسي، وبغض النظر عمن يكون بجانبنا من الفصائل الفلسطينية نحن سائرون على هذا النهج لتحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر ومن النهر إلى البحر. نحن نفتخر بأننا ساعدنا ونساعد كل من يحارب "اسرائيل"، صحيح أن هناك خلاف في وجهات النظر بالنسبة للملف السوري، ولكن العلاقات قائمة بين ايران وحماس، ونحن نجتاز هذه المرحلة لأن المستفيد الأساسي من أي خلاف بين أبناء البيت الواحد هو "اسرائيل" ونحن لا نريد أن تستفيد "اسرائيل من هذه الأمور".
عقب فوز الشيخ حسن روحاني برئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، توالت ردود الأفعال والآراء حول الفوز الكبير الذي حققه روحاني، بحيث رأى البعض أن ذلك يمثل "انقلاباً على الجمهورية وأسسها"، والبعض الآخر قال إنه حراك سياسي حقيقي يجري في الجمهورية، وأن انتخاب روحاني "انتصار الإعتدال على التطرف"، كسفير لإيران في لبنان في أي إطار تضع فوز روحاني في الإنتخابات الرئاسية؟
نتيجة الإنتخابات بحد ذاتها، مثلت انتصاراً للجمهورية الإسلامية الإيرانية. لاحظنا في الفترة الأخيرة التي سبقت الإنتخابات تركيزاً عالمياً على موضوع الإنتخابات، وهذه ليست المرة الأولى، لكن ذلك خير دليل على موقع ودور ايران في العالم. في عام 2009 شهدنا تدخلاً سافراً من قبل الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية وبعض حلفائهم بالإنتخابات الإيرانية، لكن الأحداث لم تصل وقتها إلى الهدف الذي كانوا يخططون له وهو توجيه ضربة الي الجمهورية الإسلامية الإيرانية و إفشال اهداف الثورة الإسلامية.
هذه المرة بدؤا قبل عام بالترويج لأفكار مفادها أن هذه الإنتخابات لا تنطبق عليها معايير الديمقراطية وليست نزيهة وأنها مجرد انتخابات شكلية، لأن سماحة القائد هو من يختار الرئيس. وعندما انسحب الدكتور عارف من الإنتخابات لصالح الشيخ روحاني، قالوا إن الأخير هو المرشح الإصلاحي الوحيد وأنه لن يفوز بل إن واحداً من المرشحين الخمسة الآخرين هو من سيفوز. لكن نتيجة الإنتخابات ومستوى المشاركة فيها جاء خلافاً لكل توقعات من أرادوا إحداث فوضى في ايران وإفشال الإنتخابات، لذلك اضطر هؤلاء إلى احترام النتيجة وظهر ذلك بترحيب والتهنئة الرئيس الأميركي والآخرين بفوز روحاني، متمنين فتح صفة جديدة مع ايران في العديد من الملفات.
تعقيباً على ما ذكرته، وبحسب معلوماتك ما هي الوسائل التي اعتمدتها بعض الأطراف لافتعال الفوضى في الفترة التي سبقت الإنتخابات؟
من خلال أساليب مختلفة حاولوا التأثير على أمن الجمهورية الإسلامية، وعلى خلق علامات استفهام كثيرة وعلى الترويج للعديد من الإشاعات حتى يؤثروا سلباً على معنويات الشعب الإيراني. من ضمن هذه الخطط كان تحضير الأرضية للقيام ببعض الأعمال الأمنية كتدبير عمليات اغتيال في ايران من أجل إحداث فتنة مذهبية، ولكن الأجهزة الأمنية كانت واعية لما يجري واستطاعت الحؤول دون حدوث ذلك.
لقي انتخاب روحاني ترحيباً خليجياً ودولياً، فسّره البعض بأنه تمني من قبل بعض الأطراف الغربية والعربية بأن تكون هذه النتيجة بمثابة تغيير على صعيد السياسة الإيرانية، خصوصاً لجهة دعم حزب الله والموقف الإيراني تجاه الأزمة السورية والملف النووي الذي فُرضت بسببه عقوبات كبيرة على طهران، كيف ترد سعادة السفير على هذه التمنيات، وهل من تغيير سيطرأ على السياسة الإيرانية؟
لقد أجاب الرئيس روحاني على هذه الأسئلة بوضوح في مؤتمره الصحافي الأول، فقد أكد على رفض أي تدخل خارجي في الموضوع السوري وأن الشعب هو من يقرر مصير البلاد. بالنسبة للملف النووي، فقد راهن البعض على أن "اعتدال" الرئيس الروحاني قد ينعكس اختلافاً في طريقة التعاطي مع الملف النووي، في الحقيقة فإن هناك عناوين وسياسات استراتيجية ثابتة ولا يمكن أن تتغير تحت أي ظرف من الظروف، لكن التغيير قد يأتي على صعيد الأسلوب أو كيفية تطبيق هذه السياسات، ومن هنا فإن للرئيس دورٌ هام في كيفية التأثير على المجتمع الدولي والتعاطي معه كأعلي سلطة تنفيذية في البلد بعد سماحة القائد مما قد ينعكس ايجاباً أو سلباً على الوضع في الداخل الإيراني، ولا ننسى أن الرئيس روحاني سبق أن شغل منصب كبيرالمفاوضين في الملف النووي.
أما بالنسبة لدعم تيارات المقاومة بوجه الإحتلال كحزب الله فهذا يشكل نقطة التقاء بين جميع التيارات السياسية في ايران، وفي الموضوع السوري كذلك الأمر. نحن نعلم أن كثيرين في المجتمع الدولي يبحثون عن فرصة وانتخاب رئيس جديد في ايران هو بمثابة فرصة لقيام بعض الأطراف الدولية بمراجعة سياساتهم الظالمة تجاه ايران، ونحن أيدينا ممدودة باتجاه جميع الأطراف وباتجاه دول الخليج الفارسي ايضاً.