في غمضة عين تم إغلاق المحطات «الدينية» التي ملأت فضاء مصر صراخاً طائفياً على مدى الأعوام الأخيرة رأى بعضهم في ذلك «انتصاراً على الإعلام التكفيري ورموزه في مصر»،
وسيم عيد / جريدة الأخبار
هكذا وفي غمضة عين تم إغلاق المحطات «الدينية» التي ملأت فضاء مصر صراخاً طائفياً على مدى الأعوام الأخيرة. اسودّت شاشات «»الحافظ»، و«الرحمة»، و«مصر 25»، و«الناس» بمجرد انتهاء بيان القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية الذي أذاعه الفريق السيسي مساء أمس الأول.
وترافق الإقفال مع اعتقال عدد من العاملين في تلك المحطات، من بينهم خالد عبد الله، ونور عبد الحافظ المعروف بخميس. رأى بعضهم في ذلك «انتصاراً على الإعلام التكفيري ورموزه في مصر»، في حين رأى فيه آخرون «اعتداءً لا سابق له على حرية الإعلام»، رغم التحريض الذي انتهجته تلك القنوات طيلة أشهر. وعلّق الإعلامي باسم يوسف على هذا الموضوع عبر حسابه على تويتر مساء أمس بتغريدة تقول: «بمناسبة حرية التعبير، مرسي لو كان عدى كان ح يقفل القنوات الخاصة، الموضوع موضوع مين أكل الأول، كل طرف يعتبر الآخر مصدر فتنة».
كما رأى آخرون أنّ مسألة الحريات غير مطروحة في الحديث عن القنوات الإسلاميّة، لأنّ تلك القنوات لا تؤمن بحقوق الإنسان وحريّة التعبير إلا حين تصبّ في مصلحتها. تجربة الإعلام الديني في مصر بدأت في عهد مبارك، ولن تنتهي وإن انتهى أحد فصولها بقرار الإغلاق الأخير. لكنّ أداء تلك القنوات أثبت، وخصوصاً خلال السنتين الماضيتين، أنّها لا تملك خطاباً سياسياً أو اجتماعياً حقيقياً، يستطيع لمّ شمل جميع المصريين من حوله.
ظلّ خطابها طوال تلك الفترة خطاباً انقسامياً، يقوم على التحريض على الآخر المخالف، سواء دينياً (المسيحيين) أو مذهبياً (الشيعة والصوفيين) أو سياسياً (القوى المدنية). تحريض يقوم على اتهام ذلك الآخر بأخلاقه ودينه ووطنيته، وقد بلغ في الكثير من الأحيان حدّ القذف والشتم. وكان واضحاً استقواء تلك المحطات بوجود التيار السياسي الذي تمثله في سدة الحكم في مصر.
كلّ ذلك انتهى بقرار من القوّات المسلّحة. لكن هل يعني إقفال تلك المحطّات، أنّ الأفكار التي كانت تطرحها ستختفي تماماً من المجتمع المصري؟ بما أن للفكرة (ولو كانت خاطئة) قوتها التي تجعل من الصعب مقاومتها إلا بفكرة مثلها، فإنّ الإغلاق لن يكون إلا حلاّ موقتاً، إن لم تتبنّ الدولة خطاباً إعلامياً يتبنى مفاهيم المواطنة وقبول الآخر، ولا يقوم على النفاق وكليشيهات عناق الهلال والصليب. خطاب قد يعيد مصر إلى المصريين، ويحلّ أفكار محمد عبده والأفغاني وقاسم أمين وفرج فودة محل أفكار حسن البنا وسيد قطب ومحمد بن عبد الوهاب.