29-11-2024 03:45 AM بتوقيت القدس المحتلة

ابن البيك بيك وابن المــير مير

ابن البيك بيك وابن المــير مير

قد لا يكون التوريث السياسي نقمة. جميل أن يفكّر عن الجموع رجل واحد، ابن عائلة طبعاً. يفكّر في عيشهم، في خياراتهم السياسية والاجتماعية، يسهّل عليهم ما تصعّبه الدولة


قد لا يكون التوريث السياسي نقمة. جميل أن يفكّر عن الجموع رجل واحد، ابن عائلة طبعاً. يفكّر في عيشهم، في خياراتهم السياسية والاجتماعية، يسهّل عليهم ما تصعّبه الدولة، ويربط أكلهم وشربهم ووظائفهم بزعامته. وحين يتعب، يفكّر (عنهم) في أفضل السبل لبقائهم في نعمة العيش الرّغيد، فـ«يجدها» كما «وجدها» أسلافه من قبله: «من الأفضل أن يقودهم ابني. هم يريحون رؤوسهم من التفكير، وأنا أنام قرير العين. وبعد عمرٍ طويل، يعيد فلذة كبدي الأمر عينه»
فراس الشوفي.

لن يستسيغ أي فرد تسرّبت إلى رأسه أفكار «ليبرالية» أو «يسارية»، أو حتى شعارات «مهزلة الربيع العربي»، أن زعامات كآل جنبلاط وآل أرسلان هي «ضرورة» لطائفة الموحدين الدروز في لبنان، وأن توريث النائب وليد جنبلاط زعامته لابنه تيمور أو النائب طلال أرسلان زعامته لابنه مجيد «ضرورة» أيضاً. لكن، لا يستغربنّ أحد أن جزءاً كبيراً، وكبيراً جداً، من الدروز يردّدون هذه القناعة، ويسهمون في تثبيت هاتين الزعامتين. وبمعزلٍ عن الخلافات السياسية التي تتلاشى في حمأة اشتداد العصب المذهبي، يحرص الجنبلاطيون على زعامة الأرسلانيين بالقدر نفسه الذي يحرص الأرسلانيون فيه على زعامتهم، والعكس صحيح.
ولولا هذه القناعة، لما سمعت أحداً في الشوف أو عاليه يتملّق تيمور وليد جنبلاط أو مجيد طلال أرسلان، ويلاحقهما بعباراتٍ كـ«الغالي ابن الغالي» و«الله يطوّل بعمرك ويخليلنا إياك».
ليس انتقاصاً من تيمور أو مجيد، اللذين لهما الحقّ كأي مواطن آخر في العمل السياسي، لكنّ الجموع التي «تتبرّك» من «البيك» و«المير» الصغيرين وتفتح أفواهها بلهفةٍ عند رؤيتهما، لا تشدّها طبعاً ثقافة تيمور جنبلاط الفرنسية وعشقه للسينما، ولا انكباب مجيد أرسلان على العلوم السياسيّة في جامعة كندية.
وبعيداً عن الدروز، يسير رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية على خطى أي إقطاعي لبناني تقليدي أو «حديث» لا فرق. سلّم فرنجية ابنه «طوني بيك» مسؤولية منطقة زغرتا الزاوية في تيار المردة، ورشّحه مكانه للانتخابات النيابية.


تيمور وليد جنبلاط على خطى الوالد: استراتيجية البقاء


الطريق إلى تيمور جنبلاط صعبة للغاية. مسؤولو الحزب التقدمي الاشتراكي ووزراؤه ونوّابه يتهرّبون من الإجابة حين يُسألون عنه. يعيش الشاب بعيداً عن الإعلام. ليس في الأمر توصية من الوالد، بل «هروب شخصي»، بحسب أحد أصدقائه المقربين، بسبب تهافت الإعلام اللبناني على تغطية الجزء الشخصي من حياته، فـ«أحد الصحافيين احتفل لأنه سرق صورة له يقرأ في أحد المقاهي». يؤكد الصديق أن كل ما ينشر في الإعلام، تقريباً، عنه «مغالطات وأوهام». «تيمور بيك» من مواليد عام 1982، والدته جيرفت جنبلاط من أصول أردنية، متخرج في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية في بيروت، وحائز ماجيستير في العلاقات الدولية ودراسات الأمن من جامعة Sciences Po الفرنسية. متزوّج ديانا زعيتر (متخرجة علوم كومبيوتر)، له ولد وبنت، وهو نائب رئيس «مؤسسة وليد جنبلاط للدراسات الجامعية».
عاد الزعيم الشاب حديثاً من باريس ليستقرّ في لبنان. يقول الصديق إن الظروف الأمنية التي حكمت البلاد بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري دفعت وليد جنبلاط إلى إبقاء ولده بعيداً في فرنسا، «بيت جنبلاط ما بيحبو المواكب والإجراءات الأمنية، ووضع تيمور كان صعباً». يقول الصديق، إن «تيمور شاب مثلنا، يحبّ ويكره ويعيش عمره مع أصدقائه من أيام الجامعة والمدرسة (خريج الـ I C). يقرأ أخبار فرنسا بالاهتمام ذاته الذي يقرأ فيه أخبار لبنان، مولع بالتاريخ الأوروبي وأخبار السينما، يتحدّث الفرنسية كما يتحدّث فيها العربية». هل يُعدّ جنبلاط تيمور لوراثة الزعامة؟ يجيب الصديق بأن «لا وجود لخريطة طريق وضعها وليد بك لزعامة تيمور. الأمور تسير بنحو طبيعي، كذلك فإن تيمور ليس مستقتلاً على الزعامة. ولا تنسَ، وليد بيك بعدو عايش، لكن التوريث طبيعي».
يؤكد المصدر أن تيمور حاضر مع والده تقريباً في كل أمر مهمّ. التقى «البيك الصغير» أغلب قيادات الصف الأول اللبنانية والعربية إلى جانب والده، زار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والرئيس السوري بشار الأسد، وزار الملك عبد الله بن عبد العزيز، واستقبل مع والده ممثّل الرئيس الروسي نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف في قصر المختارة خلال زيارته الأخيرة للبنان. إضافة إلى زيارات الصف الأول، يحضر تيمور في المصالحات عموماً، وهو لم يفوّت المصالحة الشهيرة بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي في الشويفات بعد أحداث 7 أيار، وكذلك مصالحة صوفر مع الحزب السوري القومي الاجتماعي. كذلك لم يفوّت وليد بك فرصة أن يحصل على توقيع عبد الحليم خدّام فوق صورته مع تيمور عندما كان خدام لا يزال نائباً للأسد قبل الخروج السوري من لبنان. وهو يزور البيوت في الشوف لتقديم واجبات العزاء. وليس بين يديه ملفّ محدد يتابعه من ضمن عمله السياسي، مهمة تيمور، بحسب الصديق، «متابعة شؤون الناس، وخصوصاً الطلابية».

يقول أكثر من مصدر إن تيمور جنبلاط لا يختلف كثيراً عن والده. بعضهم يلتقيه في مناسبات عامّة، لوقت ليس بقليل، ولا يسمعون منه إلا «أهلاً» في بداية اللقاء. بينما يقول آخرون، وبعضهم على خلاف سياسي مع جنبلاط، إن تيمور اجتماعي يتفاعل مع محدّثيه. ويلفت أحد المقرّبين من العائلة الى أن لدى آل جنبلاط ميزة عامّة في الشخصيّة والفكر، لكن تيمور مختلف، «وليد بك يكون متعالياً في اللقاءات الواسعة، بينما يكون لطيفاً ومهذباً في الجلسات الخاصّة، لكنهم يعملون في السياسة بالفطرة».

وللتأكيد، ينقل أحد الأصدقاء عن تيمور قوله ردّاً على سؤال عن استراتيجية والده «?what is your dad›s strategy» التي حتّمت «انعطافة» الأب ما قبل الأخيرة، والتي أعلن دعمه لسوريا وحزب الله فيها، أجاب تيمور: «we are a minority, we don›t do strategy, we do survival». (نحن أقلية. لا نرسم استراتيجيات، بل نخطط للبقاء).

طوني سليمان فرنجية: مع انتهاء الزعامات السياسية

في زغرتا «ما في أغلى من البيك، إلّا ابن البيك». سريعاً، دخل طوني فرنجية بيت كل زغرتاوي مؤيد لآل فرنجية. يعرف أهالي زغرتا «البيك الصغير» كما يعرفون والده، يتنقّل بينهم، يزور بيوتهم، ويتابع شؤونهم. لم يفاجئ النائب سليمان أحداً بإعلان ترشّح طوني مكانه للانتخابات النيابية الموعودة. الشاب يتابع السياسة منذ ما قبل تحصيله ماجيستير في العلوم الاقتصادية من جامعة لندن. طوني من مواليد عام 1987، والدته ماريان سركيس، درس إدارة الأعمال في جامعة البلمند، وانتقل بعدها إلى لندن. لا يبدو أنصار فرنجية متفاجئين بزعامة طوني: «فكرة التوريث السياسي هي الصورة البشعة لترشيح طوني، لكنّ الصورة المنيرة هي أن آل فرنجية هم مقلع للموقف الثابت والواضح».
يعيش طوني فرنجية حياة طبيعية كأي شاب في عمره، طبعاً فضلاً عن استطاعته الغطس في بحور ومحيطات أكثر من بقعة في العالم، وممارسته هواية صيد الطيور والغزلان في تركيا وهنغاريا وأوستراليا وغيرها.
في رأي طوني، «يجب أن تنتهي الزعامات السياسية. الزعامات موجودة لأن الدولة غائبة، فالذي يريد وظيفة يأتي إلينا أو إلى أي زعامة أخرى، عسى أن تستقيم الدولة ولا يحتاجنا أحد». يقول فرنجية لـ«الأخبار» إنه «إذا لم أكن عاملاً إضافياً، فلا أستطيع أن أرث شيئاً، إما تتوسّع الزعامة أو تتقلّص». يؤكد أنه يعمل في زغرتا كمرشح للانتخابات النيابية، لا كوريث لآل فرنجية «الوالد بعدو صغير، وهيدا الحكي بكّير عليه كتير».


مجيد طلال أرسلان: سياسي بدوام صيفي


مجيد أرسلان ليس بعيداً عن كلّ الإعلام. المحيطون بـ«المير الصغير» يظهرونه على الإعلام الذي يبجّل له ويهلّل، رغم أن عمره لم يساعده حتى الآن على تسجيل مآثر كثيرة. والدته زينة خير الدين شقيقة الوزير مروان خير الدين. يعرف مجيد كيف يوزّع وقته جيداً: في الشتاء، يواظب على دراسة العلوم السياسة في جامعة «MCGILL» الكندية في مونتريال، وفي عطلته الصيفيّة لا يقضي وقته في السباحة أو الصيد، ولا يرتاد المخيّمات الكشفية، مجيد يعمل في السياسة بدوام صيفي.

بين القهوة على الشرفة أمام البحر في خلدة، والكرسي الحجري تحت شجر الجوز على ضفاف نهر الحاصباني، والرحلات السياحية إلى تركيا وأوروبا، يحتاج الأمير طلال إلى من يساعده في إدارة زعامته السياسية. ومع أن قانون الانتخاب اللبناني لا يجيز حتى الآن أن يقترع من هم دون سن الـ 21، نجح الأمير مجيد، وهو لا يزال مراهقاً، في التحول إلى زعيم تفتح له المرجعيات الدينية بيوتها وتستمع إلى رأيه في السياسة، على غرار ما فعل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز ناصر الدين الغريب. وبات «المير مجيد» يمثّل والده إن قررت عشائر العرب التي تقطن منطقة خلدة أن تولم على شرفه، أو يستقبل مع والده المناصرين أيام الآحاد في قصر خلدة، ويسير مسؤولون في الحزب الديموقراطي اللبناني خلفه في زياراته للبيوت التي فقدت عزيزاً في منطقة عاليه. وفي أبرز إطلالاته الأخيرة، مثّل مجيد والده في «الذكرى السنوية الخامسة لشهيدي الحزب علاء شعبان وعفيف ناصر اللذين استشهدا في أحداث أيار 2008 الأليمة» في الشويفات، ووضع إكليلين من الورد على ضريحيهما.
أحد أصدقاء «المير» الصغير المقرّبين يقول إن «المير يعرف بالسياسة كأي رجل سياسي لبناني، وخطابه لا يتناول لبنان فحسب، بل يتطرّق إلى الوضع الدولي والإقليمي». ويقول أكثر من مسؤول في الحزب الديموقراطي إن المير الصغير شخصيّة محببة، ويملك «كاريزما قويّة»، ويؤكد أحدهم بكل ثقة: «هذا الشاب يملك مستقبلاً في السياسة». لكن مسؤولي الديموقراطي ينفون أن يكون الأمير طلال في وارد أي توريث سياسي، «الآن، المير لا يزال شاباً وهو لا يفكّر بهذه الطريقة». فيما بعض «المغرضين» من الدروز يشيدون بشخصية مجيد، ويذهبون بعيداً حدّ القول إن «أي أحد آخر يستطيع أن يقود الزعامة الأرسلانية أفضل مما يقودها طلال أرسلان».

لا يبدو أن دوامة التوريث السياسي ستنتهي. المراهنون على انتهاء الزعامات السياسية التقليدية لمصلحة بناء دولة المواطنة الحديثة كالباحثين عن الملح في الماء المقطّر. وإلى حين، سيبقى ابن البيك بيكاً، وابن المير ميراً... حتى لو لم يكن فرخ البطّ عوّاماً.

سليل الإقطاع

داخل كل بيت سياسي لبناني، أمير صغير أو بيك أو نائب يطمح إلى وراثة زعامة عائلته، ولو كره الكارهون. فشلت الأحزاب العابرة للطوائف في قضم العائلات السياسية التقليدية، وبدل أن تأخذ الأحزاب على عاتقها إعادة إنتاج الحياة السياسية اللبنانية، أعاد «سليلو الإقطاع» إنتاج زعامات عائلاتهم، وفرّخوا لأنفسهم وطوائفهم أحزاباً ومؤسسات، وأنجبوا ذكوراً أو إناثاً لضمان استمرار عصر الإقطاع «الديجيتال».

قد تبدو ظروف وراثة الرئيس سعد الحريري لزعامة والده مشابهة إلى حدّ بعيد لوراثة النائب وليد جنبلاط لوالده، مع فارق، طبعاً، أن الحريري لبس عباءة «مبهبطة» عليه، فقضى على أصول والده الماليّة، وخرّب ما استطاع والده بناءه على مدى سنوات طويلة. ظروف وراثة النائب سامي الجميّل تشبه حالة الوزير فيصل كرامي والوزير السابق إلياس المرّ الذي حمل حقيبة الداخلية في ظل زعامة والده؛ إذ لمع نجم سامي في حزب الكتائب، ومن ثمّ انتخب نائباً خلال فترة ترؤس الرئيس أمين الجميّل للحزب من دون أن يرث الزعامة. وكان الرئيس الجميّل قد ورث الزعامة ورئاسة الجمهورية معها بعد اغتيال شقيقه بشير في عام 1982، حاله كحال الرئيس عمر كرامي، الذي ورث الزعامة بعد اغتيال شقيقه الرئيس الراحل رشيد كرامي في عام 1987.

يمكن ذكر شكل آخر من الوراثة السياسية، هو الوراثة «أمّاً عن أب»، كما هي الحال عند النائب السابق فارس سعيد الذي ورث الزعامة عن أمه نهاد سعيد، التي ورثتها عن زوجها أنطون سعيد، نائب جبيل المحسوب على «الشهابية» في انتخابات عام 1960. وكذلك ميشال معوض، الذي ورث زعامة، على هشاشتها، من أمه، النائبة السابقة نايلة معوّض، التي ورثت الزعامة عن زوجها رئيس الجمهورية الراحل رينيه معوض بعد اغتياله. وفي ذات السياق، لا تختلف حالة النائب نديم الجميّل، الذي ورث مقعده في الأشرفية عن أمه النائبة السابقة صولانج الجميل.

يكاد يكون رئيس «تيار الانتماء اللبناني» أحمد الأسعد، الوحيد الذي تمرّد على والده رئيس مجلس النواب الراحل كامل الأسعد.

يقول أحد من عملوا معه سابقاً إن الخلاف بدأ بين أحمد ووالده كامل عندما لجأ الأول إلى الرئيس إلياس الهراوي ليتوسط له لدى القيادة السورية لتعيينه نائباً بعد اتفاق الطائف، فوقعت القطيعة بعد أن علم والده بالأمر. وبقي أحمد يتردّد على بيوت الجنوبيين الموالين لآل الأسعد فترة من الزمن، قبل أن يوعز والده إلى أنصاره بتعميم خبر الخلاف، فتوقّف «أسعديون» كثر عن استقباله.

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه