بعد وقوع التفجير الاجرامي في الضاحية الجنوبية توالت المواقف المنددة والمستنكرة من جميع الاطراف السياسية والدينية في لبنان، ومن جميع الاطياف دون استثناء، رغم انقسامهم السياسي الحاد.
بعد وقوع التفجير الاجرامي في الضاحية الجنوبية توالت المواقف المنددة والمستنكرة من جميع الاطراف السياسية والدينية في لبنان، ومن جميع الاطياف دون استثناء، في مشهد يبشّر ان اللبنانيين قادرون على التضامن والتكاتف فيما بينهم، رغم انقسامهم السياسي الحاد.
ولكن هل نكتفي بالتضامن في اوقات الحروب والمآسي؟ وهل يمكن تطبيق نظرية التكاتف بين اللبنانيين في زمن السلم والرخاء ايضا؟ وهل تكفي كل تلك البيانات والمواقف الشاجبة والمستنكرة لجريمة كادت تحصد أبرياء آمنين في منازلهم؟ وكيف يمكن صرف مواقف التضامن هذه في السياسة والامن بما يصب في مصلحة لبنان؟ أليس الأجدى الاستفادة مما جرى لاغلاق الباب امام الجناة لتنفيذ مخططاتهم الفتنوية في البلد؟ وأليس من مصلحة لبنان واللبنانيين تجيير ما جرى في سبيل حلحلة الملفات العالقة في لبنان على مختلف المستويات؟ وألا تشكل هذه الجريمة فرصة للعودة الى الحوار وطرح كل الافكار والهواجس لاي طرف لبناني مباشرة امام الآخرين؟
وهل ان الاحداث المتنقلة لها من ينتقيها ويوجهها بشكل معين للتأثير على الاحداث السياسية في لبنان باتجاهات معينة، سواء على صعيد الحكومة ام على قانون الانتخاب والمراكز الرسمية الشاغرة او التي ستشغر لاحقا؟ ام ان الاضرار بلبنان واللبنانيين هو الهدف فقط، خاصة ان المتتبع لمجريات الاحداث يلحظ تصاعدا في وتيرة محاولة ضرب الاستقرار والامن في البلد بدءا بالاعتداء على الجيش في عبرا وصولا الى الاعتداء الاجرامي في بئر العبد مما يدل ان هناك من يخطط جديا لضرب ركائز السلم والامان في لبنان، فهل القتلة سيتوقفون عند هذا الحد ام انهم سيواصلون جرائمهم المتنقلة على الارض اللبنانية.
قنديل: جهات سياسية لبنانية امّنت بيئة مناسبة لارتكاب جريمة كتفجير الضاحية
حول كل هذه التساؤلات قال المحلل السياسي اللبناني الاستاذ غالب قنديل إن "التفجير الذي وقع في بئر العبد هو امتداد لعملية استهداف تاريخية للضاحية بما تمثله كمنبت للمقاومة وهو اعاد للذاكرة استهداف بئر العبد في الضاحية الجنوبية في ثمانينات القرن الماضي من قبل المخابرات الاميركية الاسرائيلية"، واضاف ان "هذا الاستهداف العام والطبيعي لاي استهداف تتعرض له الضاحية وبيئة المقاومة وشعب المقاومة"، لافتا الى ان "أحد اهداف هذا الاعتداء هو التسبب بالاذى العام وتهديد امن منطقة الضاحية في شارع للتسوق على ابواب شهرمضان".
ولفت قنديل في حديث لموقع "قناة المنار" الالكتروني الى ان "العصابات الارهابية الناشطة في سورية المدعومة من حكومات الخليج والغرب وجّهت تهديدات باستهداف الضاحية ولذلك هذه العصابات من اول الجهات المتهمة بهذا الاعتداء"، واعتبر ان "الاخطر والادهى ان هناك جهات سياسية لبنانية انشأت مناخ سياسي واعلامي أمّن بيئة مناسبة لارتكاب مثل هذه الجريمة ومنها التصريحات والخطب الصادرة عن قيادات تيار المستقبل و14 آذار بمختلف تشكيلاتها كلها باستهدافها للمقاومة ولبيئتها تفتح الابواب امام هذا النوع من الجرائم والاستهداف".
قنديل: مواقف بعض "14 آذار" كانت اقرب الى إعلان المسؤولية منها للاستنكار
واعتبر قنديل ان "التعليقات التي أعقبت الانفجار من قبل بعض 14 آذار كانت اقرب الى إعلان المسؤولية منها للاستنكار وذلك بسبب سخف التعامل واللامبالاة امام هذه الجريمة"، واستغرب "كلام البعض ان حزب الله استدرج هذه الجريمة كما حصل عندما قالوا في احداث عبرا ان الاسير استدرج وان الجيش وضباطه يتحملون مسؤولية ما حصل هناك"، وتابع ان "مواقف 14 آذار ليس فيها اي نوع من التضامن بل هناك تصميم على استدراج الفتن والانقسامات الداخلية ويحرضون المجرمين على ارتكاب المزيد"، واستغرب "كيف ان النيابيات العامة في لبنان لا تتحرك امام هذا النوع من المواقف امام هكذا نوع من الجرائم سواء في عبرا او الضاحية".
وفيما رأى قنديل ان "تعليقات 14 آذار بعد التفجير هي للاستهلاك الاعلامي فقط لا غير"، اشار الى ان "جانبا من المواقف بعد تفجير الضاحية كان تضامنيا خصوصا مواقف التيار الوطني الحر والزيارات التضامنية التي قامت بها قياداته المختلفة الى مكان الجريمة بالاضافة الى الهيئات الشعبية التي تضامنت والكثير من القيادات السنية التي عبّرت عن رفضها للفتن والعبث بأمن لبنان".
قنديل: ارتفاع حدة الجرائم في لبنان نتج ان المخطط في سورية اصيب بضربات موجعة
وأوضح قنديل إن "ارتفاع حدة الجرائم في لبنان ناتج عن ان المخطط الاجمالي الذي تشكل سورية ساحته المركزية يصاب بضربات قاهرة وينهزم ولذلك فهم يحاولون بشكل او بآخر التأثير على معادلات القوة من خلال لعبة الاستنزاف العمياء عبر العبوات والاغتيالات وما شاكل"، واضاف ان "المأزق العام الذي وقعوا فيه أنهم فشلوا في ايقاع الفتنة في لبنان بسبب حكمة القيادات الوطنية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة والحزب السوري القومي مما دفعهم لرفع حدة اعتداءاتهم"، وتابع "هناك مناخ وطني عام حاضن للمقاومة ومانع للفتن دفعهم لرفع وتيرة اعتداءاتهم"، ورأى ان "جانبا اساسيا من ردود الفعل أحبط الهدف من وراء التفجير ومنها التلاحم الشعبي مع المقاومة".
وحول مواقف النائب وليد جنبلاط الذي حذّر من خطورة الرسالة التي حملتها جريمة التفجير في الضاحية، قال قنديل إن "النائب جنبلاط يتحسس كثيرا المخاطر الكامنة في الواقع اللبناني الراهن ، وهو من موقعه قادر على معرفة أية كارثة سيقاد اليها المتورطون في هذه اللعبة الجهنمية ، وسيلحقون اضرارا بكل اللبنانيين"، واعتبر ان "جنبلاط يحاول استخراج عناصر ومؤثرات من هذا المشهد السياسي لتفعيل عملية تشكيل الحكومة الحريص هو على تجاوز العقد التي تمنع قيامها"، مؤكدا ان "العقدة نفسها المسؤولة عن اثارة الفتن هي نفسها المسؤولة عن تعطيل تشكيل الحكومة ومنها على سبيل المثال موقف تيار المستقبل الرافض لدخول حزب الله في الحكومة".
وشدد قنديل ان "لبنان صامد بوجه الفتن بحكمة القيادات الوطنية وعلى رأسها قيادات المقاومة"، واستغرب "استمرار الخلل في رخاوة الاداء السلطوي"، ورأى انه "من أضعف الايمان بعد تفجير الضاحية ان يُدعى مجلس الدفاع الاعلى لاتخاذ قرار لتفكيك منصة الارهاب الموجودة في لبنان وذلك محاولة لترضية المحور الذي يعتدي على سورية من اميركا الى الخليج وتركيا، المحور الذي أتى بهؤلاء الارهابيين للقتال في سورية ، وعندما عجز عن ادخالهم الى هناك تحولوا للتخريب داخل لبنان".
يبقى ان المواقف الشاجبة والمتضامنة على اهميتها في الشكل العام اخلاقيا ووطنيا تحتاج الى التحرك على الارض لترجمتها الى افعال تفيد لبنان ولتقتع الشك باليقين بأن اللبنانيين يدا واحدة لحماية وطنهم، وكي لا يتم تأويل مواقف البعض ممن اثبتت التجربة عدم الاكتراث كثيرا لما يتلفظون به من وعود وخطابات لا تغني ولا تسمن والاهم انها غير قابلة للصرف.