29-11-2024 02:44 AM بتوقيت القدس المحتلة

فخامة رئيس نادي عمشيت الرياضــي

فخامة رئيس نادي عمشيت الرياضــي

تقول له أنت رئيس، يسألك عن ختم مختار وعن رئاسة البلدية. تردّد: أنت رئيس البلاد والعباد. يسألك عن نواب جبيل. يفاجئك بوضع العلم اللبناني من يده للتلويح بعلم أحد النوادي.


غسان سعود

تقول له أنت رئيس، يسألك عن ختم مختار وعن رئاسة البلدية. تردّد: أنت رئيس البلاد والعباد. يسألك عن نواب جبيل. يفاجئك بوضع العلم اللبناني من يده للتلويح بعلم أحد النوادي. تبتسم له بحنان وحب، فيعلو صوته: أريده أن يربح، إما أن يربح أو لا أحد. يُقتل الجيش هنا، تصبح كلفة المعيشة مستحيلة، يتغير أمراء هناك، لا همّ. المهم أن يربح ناديَّ. ملك ملوك المعارك الخاسرة.



في غرفة الاستقبال في أحد المقارّ الرسمية، طلاء أحد الجدران «أجدد» من طلاء الجدران الثلاثة الأخرى، توحي بذلك رائحته واصفرار الجدران الثلاثة الأخرى، مقارنة بنصاعة بياضه. وحدها صورة الرئيس ميشال سليمان في إطارها الخشبي المائل هنا. تشدّك عيناه في اتجاه وربطة عنقه في الاتجاه الآخر. لم يعذب من طلى الجدار وأعاد ثقبه بمسمار لتعليق الصورة عليها نفسه عناء مسح الغبار عنها. لعل رئاسة الجمهورية تصدر مرسوماً يلزم عمال التنظيف في المؤسسات الرسمية بمسح الغبار، يومياً، عن صورة الرئيس. في صورته الرسمية، الرئيس يبتسم. كل الرؤساء يبتسمون. يبتسم لموظفة الاستقبال التي تأكل أظافرها بعدما قلّمتها. يبتسم لبيع سندويش الهامبرغر الواحد، في مهرجانات جونية التي رعاها، بسبعة عشر ألف ليرة. يبتسم لعدم قضاء الجيش، برعايته، على بؤر السلاح المتفلت شمالاً وبقاعاً وعاصمةً. يمكن تبين ملامح الرئيس تمام سلام في الجزء الأوسط من الوجه، وملامح الرئيس نجيب ميقاتي في الجزء السفلي، أو ربما هي مجرد إسقاطات لوقوفه سياسياً بين تصريف الأعمال والتكليف من دون تأليف. مسرور فخامته أم مهموم؟ متفائل أم متشائم؟ تسمع أن الرئيس مهتم بكرة السلة فتنفرج حقيقة أساريرك وتستفسر.

كان الرئيس ميشال سليمان، في «حياته السابقة»، شاباً وكان في عمشيت نادٍ. التقليد العائلي، هنا، يقبض على النوادي وعلى غيرها من المؤسسات. يعدّد الإقطاعيون غالباً مؤسسات عامة، كالبلدية والنادي وحتى الكشافة، بوصفها ملكاً خاصاً. وفي عمشيت إلى جانب النادي، هناك عائلات لم يكن الضابط ميشال سليمان في حياته السابقة منها. تؤرقه من دون شك تلك الذكريات. هذا مؤذ على المستوى الشخصي، يترك ندوباً. لكن لا. لا علاقة لأحلام الشباب بالعلاقة بين الرئيس والنادي. وليس في الأمر محاولة من الرئيس لإيجاد عصب عمشيتيّ جبيليّ له بعدما كشفت الانتخابات تلو الأخرى له أن القلوب التي لم يسحرها ويخطفها في شبابه لن يسحرها ويخطفها في شيخوخته. لا علاقة للأمر بتلك الرغبات التي تعيد المغترب اللبناني من البرازيل، مثلاً، إلى قرية لا يعرف موقعها ليشيد قصراً أكبر من كل منازلها مجتمعة كرمى لرغبة والده على سرير الموت في أن يثبت أن ابنه أقوى من ابن جاره.
قصة الرئيس وكرة السلة تشبه قصة النائب أحمد فتفت الذي ألبسه قضاؤه عباءة النيابة، فإذا به يتلطى في غرفة نوم رئيس بلدية بلدته ليسرق عباءته، فما كان من رئيس البلدية إلا أن ضبطه وطرده عارياً من الشعبية. يحب الرئيس النائب هادي حبيش وقصتاهما متشابهتان: كلَّ رئيس بلدية القبيات من القول للنائب هادي حبيش إن مقاس بذلته كنائب يختلف عن مقاس بذلته هو كرئيس بلدية. لكن حبيش لم يمل من طلب ارتداء البذلة الأصغر من بذلته حتى ارتداها، فتفسخت درزاتها وطارت الأزرار وظهر كرشه. تقول للرئيس ميشال سليمان أنت رئيس البلاد والعباد، كل البلاد وكل العباد، فيسألك: ماذا عن نادي عمشيت؟

كل ما في الأمر أن ممولاً خليجياً عرض على فخامة الرئيس في إحدى زياراته تمويل نادي عمشيت بنحو مليوني دولار، فطلب الرئيس أن ينتخب النادي هيئة إدارية تؤتمن على مبلغ مماثل وتحسن إدارته. ورداً لجميله، قررت الهيئة الجديدة تعيين ابن الرئيس رئيساً فخرياً للنادي. كان يود الرئيس أن يكون النادي الذي يدعمه في إحدى قرى الشوف مثلاً أو في عرسال أو وادي خالد الذي يفتقر إلى ناد رياضي مميز، لكن الممول أصر على عمشيت. عمشيت بلدة الرئيس التي يتراجع فيها نفوذه يوماً تلو آخر. وبالتالي، فإن ذهاب التمويل إلى نادي عمشيت كان صدفة. رئاسة نجله شربل الفخرية لنادي عمشيت كانت، أيضاً، صدفة. كما خسارة النادي أمام نادي الشانفيل بجمهوره العونيّ صدفة. مجرد مصادفات كل ما تلا ذلك من تدخل لوزير الداخلية مروان شربل وقائد الدرك العميد جوزف دويهي في قضية لا تعنيهما أساساً. فبدل فرضهما الأمن ومعاقبة المخلين به لإجراء مباراة الإياب بين الناديين في وقتها، انصاعا ـــ صدفة ـــ لرغبة ابن الرئيس في تأجيل المباراة. حتى إن وقوف قوى شربل ودويهي الأمنية متفرجة على حصار المنتفعين للاعبي الشانفيل في باصاتهم كان صدفة أيضاً. تحدث في الحياة صدف، وتتراكم حتى يستحيل على البعض التصديق أنها مجرد صدف: يصدف أن يعين نادي عمشيت محامياً عنه مستشار الرئيس المحامي ناجي البستاني الذي لم يعد لديه ما يفعله في ملف العلاقة بين بعبدا والنظام السوري. ويصدف أن تتنحى القاضية التي رمي الملف على مكتبها. ويصدف أن يصدر القاضي الذي حل محلها، بسرعة ساحرة، قراراً يقضي على لعبة كرة السلة في لبنان حتى لا «يزعل» ابن الرئيس.
حين أطلق الرئيس سليمان سباق الماراتون في بيروت قبل ثلاث سنوات، ظن بعض العدائين أن بوسعهم الانطلاق في الركض. لكن الحرس الجمهوريّ قمع حماستهم ريثما يفسح الرئيس ـــ متصدر السباق ـــ الطريق أمامهم فيكون تقدمهم عليه ناجماً عن خروجه من السباق وليس تفوقهم عليه. الأمر نفسه يتبعه الرئيس في ما يخص التمديد: هو يعلم أن القوى السياسية جميعها ستتسابق للتمديد له، لكنه يقطع الطريق عليهم بإعلانه رفضه التمديد. هكذا اقترح محامي النادي ومستشار الرئيس سحب الدعوى القضائية مقابل عودة الاتحاد اللبناني لكرة السلة عن قراره تغليب الشانفيل على نادي عمشيت وتحديد موعد جديد للمباراة يتغيب عنها النادي الجبيليّ ليهدي الشانفيل فوزاً لا يستحقه بالضرورة. هكذا لا يزعل ابن الرئيس. أساساً لا يجوز «إزعال» ابن الرئيس، دعكم من علاقة والده الوطيدة بالأمير القطري السابق، اسألوا حرس الجامعة اللبنانية الأميركية في قريطم والطلاب وسلسلة مطاعم السمك في المعاملتين.

ليست معركة أخرى في حرب الجنرالين. لا أبداً، رئيس تكتل التغيير والإصلاح يهوى كرة القدم والمصارعة ربما، لكن ليس كرة السلة. يحب غسان سركيس أيضاً وتعجبه بعض أفكار جهاد سلامة، لكن ليس على جدول أعماله أهداف رياضية. في حساباته نادي الشانفيل وجمهوره بأهمية نادي الحكمة وجمهوره ونادي عمشيت. لا يمكن سياسياً أن ينصر نادياً رياضياً في دائرة تياره السياسي على ناد آخر في الدائرة نفسها؛ كيف يبرر الرئيس موقفه لمؤيديه بين جمهور نادي الشانفيل وموظفيه؟ وكيف سيبرر عون في حال وقوفه علانية ضد نادي عمشيت موقفه ضد المؤيدين له وسط جمهور هذا الفريق ولاعبيه وموظفيه؟ دعم الرئيس رفيق الحريري النادي الرياضي وتبناه بالكامل، لكن لم يقل رغم كل صراحته على هذا الصعيد إن هذا النادي لي. كانت القوات اللبنانية في السجن، وكان نادي الحكمة بجمهوره القواتي يلعب ويربح وتهدر مدرجاته بزمور الحكيم. أبقى الحاكم السوريّ رغم كل طغيانه متنفساً صغيراً، خطاً وهمياً أحمر.

ليست المشكلة بين ناديي عمشيت والشانفيل: حضر الشانفيليون إلى المباراة الأولى، لعبوا وفازوا. وحضروا إلى المباراة الثانية أيضاً بخلاف خصومهم، فاعتبرهم الاتحاد فائزين. مشكلة نادي عمشيت، أولاً، مع إدارته التي اتخذت قراراً غريباً بمقاطعة المباراة، على أمل تسمم لاعبي الشانفيل ربما أو موتهم بحادث سير أو هجرتهم جماعياً إلى البرازيل، وثانياً، مع اتحاد اللعبة الذي لم يقف على خاطرهم فيخترع قانوناً يتيح لهم الفوز بالتي هي أحسن، وثالثاً مع القضاء الذي قرر السبت الماضي إنقاذ اللعبة من الأهواء الشخصية ومبدأ: «ابني أو لا أحد». والحقيقة أن سليمان، بعد ظهوره بمظهر المستعد لتدمير هذه اللعبة، أهدى العونيين الذين آثروا عبر النائب ابراهيم كنعان الدفاع قضائياً عن الاتحاد، وليس عن نادي الشانفيل أو أي ناد آخر، نصراً لم يكن في حساباتهم، وخصوصاً بعد صدور الحكم القضائي السبت لمصلحة الاتحاد.
تمر الأفكار السابقة سريعاً في رأسك، تعود إلى الصورة. تمقت تأخر المسؤول الذي تزوره باستقبالك ليتركك مع الصورة. تتخيل الرئيس كميل شمعون أو الرئيس فؤاد شهاب في الإطار نفسه. تبحث عن العناد في هاتين العينين، في الأنف، بين الحاجبين. تعلم أن سعي سليمان لتعطيل دوري كرة السلة وشطب عضوية لبنان في الاتحاد الدولي لكرة السلة ليس استثناء، إنما القاعدة في العمل السليماني. تعلم أن 48 وظيفة فئة أولى من أصل 155 شاغرة اليوم. و345 وظيفة فئة ثانية من أصل 568 شاغرة. و2273 وظيفة فئة ثالثة من أصل 4160 شاغرة. و73.2% من وظائف الفئة الرابعة، و82% من وظائف الفئة الخامسة.

تنعزل أكثر عمّا يدور حولك، أنت وهو الآن وحدكما. تسقط انطباعاتك السابقة عنه، تفتح عينيك أكثر. يمكن أن ترى شفتيه تتحركان. اسمعه يقول: «اسمعني جيداً، في الرياضة وقيادة الجيش والحكومة ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء والوظائف الرسمية، وحيثما استطعت، أنا أو لا أحد».

 

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه