29-11-2024 02:46 AM بتوقيت القدس المحتلة

تفجيرٌ في منطقتي

تفجيرٌ في منطقتي

لعلّ جيراني باتوا يؤمنون ككثيرين غيرهم، وخصوصاً خلال العام الماضي، بأن الحرب في سورية ستزحف بشكل أو بآخر نحو منطقتنا، الضاحية، وهي معقل حزب الله جنوبي بيروت.


كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله

الضاحية الجنوبية/ بيروت

لعلّ جيراني باتوا يؤمنون ككثيرين غيرهم، وخصوصاً خلال العام الماضي، بأن الحرب في سورية ستزحف بشكل أو بآخر نحو منطقتنا، الضاحية، وهي معقل حزب الله جنوبي بيروت.

وإذ غادرت مكان سكني صباح ذلك اليوم ، ومشيت باتجاه درّاجتي النارية في شارع السيد عبّاس الموسوي في طريقي إلى مخيّم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين من أجل موعد عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً، وتحديداً عند الساعة العاشرة والربع، سمعنا صوت انفجار مدوٍّ. وقد اهتزّ المبنى بطوابقه الإثنى عشر الذي بناه مشروع وعد لإعادة الإعمار بعد أن استحال كومة من الركام في تمّوز/ يوليو عام 2006. وقد انقضت سبعة أعوام على تدمير هذا الحي بقوة السلاح الأميركي الذي يخدم النظام الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين.

حينذاك قفزت من على درّاجتى وكنت بين الأوائل الذين عاينوا مسرح الحدث حيث اندلعت نار بدت وكأنها تكاد تبتلع أكثر من عشر سيّارات في موقف للسيارات محاط بثمانية أو تسعة مبانٍ أعادت إعمارها مؤسسة وعد. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه المباني ما هي إلا جزء بسيط من مجموع المباني السكنية المئة وثلاثة وخمسين التي تدمّرت في منطقتنا خلال عدوان الثلاثة وثلاثين يوماً في تمّوز/ يوليو عام 2006.

وأخيراً، شقّت سيارات الإطفاء طريقها بين الحشود التي تجمهرت بسرعة وعبر المباني المتقاربة التي تحطّم زجاج نوافذها، وبدأت بإخلاء السكان وسط مخاوف من حصول تفجير آخر. وقد انضمّ إليّ عدد من الرجال ، وسحبنا خراطيم المياه الضخمة نحو الحريق في حين وصل المسعفون بحثاً عن المصابين. ورأيت عشرات الجيران تتمّ معالجتهم، بينهم العديد من الاطفال ، في مستشفى بهمن المجاور، في حين نُقِل بعضهم إلى مستشفى الرسول الأعظم ومركز بيروت للعناية بالقلب على طريق المطار.

نظرت فرأيت حفرة بقطر مترين وعمق مترين في مكان الإنفجار. وفي حين كنت أشاهد فرق الهلال الأحمر وإسعاف حزب الله يعاينون الجرحى ويعتنون بالكثيرين الذين أصيبوا بالهلع، تزايدت الحشود بسرعة كبيرة مع خوف وصدمة وغضب عارم. أما كبار السن فتراجعوا نحو الجدران في حين كان كل من الجيران يساعد الآخر، وخصوصاً الشباب الذين تعاونوا على نفض آثار الإنفجار الذي كسر زجاج النوافذ ،وأدّى إلى أضرار بالغة في المباني المجاورة وإلى شقوق في الجدران. كانت الحال تُلخّص بالرعب والصراخ، أضف إلى الغضب الذي عمّ بين أولئك الذين خافوا على أقربائهم من كبار السن والأطفال ذلك أن مداخل البنايات أصبحت مراكز طوارئ لمعاينة الجرحى وكان كلّ من الجيران يخفف من وطأة الحدث على الآخرين. أما بالنسبة لشخص أجنبي، فتبدو روح التضامن جليّة بين أبناء الضاحية.

ومنطقة الضاحية، التابعة لحزب الله، كانت تعتبر الأكثر أمناً في بيروت على مرّ السنوات الماضية وذلك بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذها الحزب والتي تم تشديدها خلال العام الماضي. ولكن بالمقابل، وكما أشار الرئيس السوري بشار الأسد منذ عدّة أشهر، فبالرغم من الإجراءات الأمنية المشددة المفروضة حول دمشق، إلا أنه من الصعب جدا منع تفجير السيارات المفخخة.

وفعليّاً قد بدأت التكهنات حول هوية مرتكب هذا العمل الإرهابي قبل يوم واحد على بدء شهر رمضان المبارك. وكائناً من كان المرتكب، كان من الواضح أنها سيارة مفخخة من نوع "رينو-رابيد" من طراز العام 1998، أو سيارة من نوع "نيسان" مسروقة، وحتى الآن لم تحسم السطات مسألة هذه الفرضيّة.

لم يتبنّ أحد مسؤولية العمل، ولا يبدو أن أحداً سيقوم بذلك. وفي هذا السياق قال النائب عن حزب الله علي عمّار لقناة المنار إن الإنفجار قد تمّ بمساعدة المؤيّدين لما يُسمّى المشروع الأميركي الإسرائيلي. وخلال معاينة مكان الحدث قال عمّار: "هناك بصمات إسرائيلية واضحة".

وتفجير بئر العبد حصل في نقطة قريبة من مكان التفجير الذي أمر به مساعد الرئيس الأميركي ريغان "ويليام كايسي" ، وقامت به وكالة الإستخبارات المركزية "سي.آي.إيه" عام 1985 مستهدفةً العالم  السيد محمّد حسين فضل الله، الذي قُتِل فيه 80 مواطناً وجُرِح أكثر من مئتين آخرين، يترجمه بعض سكّان المبنى الذي أعيش فيه  على أنه ببساطة رسالة لحزب الله للخروج من سورية. ولو كان التفجير احدى عمليّات القاعدة التي تهدف إلى إيقاع أكبر عدد من القتلى المدنيين، فإن نقل موقع التفجير بضعة أمتار في أي إتجاه كاد يكون أفضل من حيث إيقاع عدد أكبر من الضحايا، وذلك بحسب خبير في المتفجّرات في حزب الله.

وقد أحصيت لاحقاً 15 مركبة مدمّرة وأكثر من 20 مركبة أخرى معطّلة. وقد اندلعت النيران في بعض السيارات وتصاعد الدخان الأسود في الفضاء. وقد التقيت أيضاً بعض الرجال الذين افترضت أن يكون أحدهم هو المسؤول عن الموقف وقد أصيب بجروح كبيرة، أما الآخر فبدت حالته حرجة أيضاً.

ومن ناحية أخرى، أوردت وكالة "رويترز" للأنباء أن خمسةً قُتلوا في حين نفى حزب الله هذا الخبر. وقد التقيت بالمسؤول الإعلامي في حزب الله حول هذا الحدث، وكانت مهمته الحصول على الحقائق قبل أن يعلن عنها الحزب.

وبالنسبة لكثيرين في منطقتي، فإن القلق الأكبر هو من أن تعيد الأحداث في سورية فتح الباب على جراح الحرب الأهلية اللبنانية التي طالت أعواماً عدّة، ولكن هذه المرّة مع الفئة السنّية التي تؤيّد المعارضة السوريّة بقوّة والتي يتمّ تحريضها على حزب الله، المنظمة المقاومة ذات القيادة الشيعية القوية التي تؤيّد الرئيس السوري بشار الأسد.

فرنكلين لامب يجري بحثاً في لبنان وسورية ويمكنكم التواصل معه عبر بريده الإلكتروني
fplamb@gmail.com