يهدّد تيار المستقبل خصومه بالسلفيين. يتبنّى خطاب التطرف، ثم يقول للآخرين: حاورونا قبل أن تضطروا إلى محاورة من لا يستمع إليكم. عبرا وما بعدها مثال على ذلك.
حسن عليق
يهدّد تيار المستقبل خصومه بالسلفيين. يتبنّى خطاب التطرف، ثم يقول للآخرين: حاورونا قبل أن تضطروا إلى محاورة من لا يستمع إليكم. عبرا وما بعدها مثال على ذلك. التحريض هنا يتيح للرئيس فؤاد السنيورة إطاحة تعهّد الرئيس سعد الحريري بالتمديد لقائد الجيش.
منذ جريمة عبرا التي ارتكبها الشيخ أحمد الأسير وأنصاره بحق الجيش اللبناني، يبدو تيار المستقبل كمن تسلق شجرة ولم يعد يجد «سلّماً» للعودة إلى الأرض. خلق التيار جواً معادياً للجيش. وبعدما لحق به جمهوره، صار التيار «مضطراً إلى رفع سقفه السياسي، من أجل محاولة لمّ غضب الشارع». لكن هذا الأداء لا يعني إلا المزيد من التوتير. يعترف بعض مسؤولي «المستقبل» بوجود أزمة بين جمهورهم وبين الجيش، لكنهم ينفون مسؤوليتهم عنها. «المشكلة بدأت من الكويخات، وتعمّقت في عرسال، لتصل إلى ذروتها في عبرا». يتمسّك هؤلاء بمطلبهم: «نريد أجوبة من الجيش. فليساعدنا قائده، وليقدم لنا جواباً شافياً. نحن نعرف أن حزب الله شارك في معركة عبرا. فليقل إن مجموعات مسلحة تسللت وشاركت في القتال. نحتاح إلى رواية ما لنلمّ القضية».
لم يتغيّر خطاب المستقبل. بعد جلسة لجنة الدفاع النيابية كما ما قبلها. أشرطة الفيديو التي عرضها الجيش، والتي تظهر اعتداء الأسير على الجيش «ظلماً وعدواناً» لم تغيّر كلمة واحدة من نص المستقبل الرسمي. مسؤولو التيار الأزرق المقرّبون من الرئيس سعد الحرري يتنصلون من تصعيد النائب خالد ضاهر المذهبي ضد المؤسسة العسكرية: «هذا خالد، لا يمكن ضبطه، وحساباته شمالية. وأصلاً لم يعد أمامه الكثير ليصبح في مكان آخر». وماذا عن النائبة بهية الحريري التي ساوت بين التخلص من ظاهرة الأسير واغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ «خلفها صيدا وكل ما فيها من غضب. وفي لحظة توتر، قالت أم نادر ما قالته. فهل يحق للفريق الآخر نسيان كل ما قامت به خلال السنوات الثماني الماضية؟ كانت تدافع عنهم طوال الوقت».
«فشّة الخلق» عند الست بهية لم تكن هي ذاتها عند الرئيس فؤاد السنيورة الذي يحسب كلماته بميزان الذهب، وخرج ليقول إن الشيخ أحمد الأسير ـــ الذي ارتكب مجزرة بحق الجيش، والذي لم يترك مناسبة للتحريض المذهبي إلا استغلها، والذي سبّب جراحاً في المجتمع الصيداوي تصعب مداواتها بسهولة ـــ كان يعبّر عن «مطالب نصف الشعب اللبناني». برأي مسؤولين مستقبليين إن الرئيس الأسبق للحكومة قال ما قاله لسببين رئيسيين: الأول أنه يرى الانتخابات أمامه؛ والثاني أنه، أي السنيورة، يرفض التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. وللسبب الأخير تحديداً، «فتح الرئيس الأسبق للحكومة الباب واسعاً أمام النواب ومسؤولي المستقبل للهجوم على الجيش».
تجزم مصادر مقربة من الرئيس الحريري بأن الأخير تدخل خلال الأيام الماضية من أجل لجم السنيورة، ودفعه إلى التخفيف من حدة مواقفه ضد الجيش وقائده. وتشير المصادر إلى أن «الجميع سيخففون لهجتهم، لكن على الجيش أن يساعدنا. فالرئيس الحريري رفع على كتفيه حملاً ثقيلاً عندما خرج يوم اشتباكات عبرا ليتبنّى التمديد لقهوجي. ونحن ما زلنا ملتزمين هذا الموقف. وفي النهاية، ستُحل معضلة جدول أعمال مجلس النواب باتصال هاتفي بين الرئيس الحريري والرئيس نبيه بري». وماذا عن المقايضة بين التمديد لقائد الجيش وإعادة اللواء أشرف ريفي إلى موقعه السابق؟ ترد مصادر الحريري بالقول: «التمديد لأشرف مطروح، وإذا مرّ فهذا أمر جيّد، وإذا لم يمر فلا مشكلة». وبرأي المقرّبين من الرئيس المهاجر، «ليس علينا دوماً تقديم المبادرات. على الآخرين أيضاً أن يلاقونا في منتصف الطريق. لا يمكن برّي التخلي عن وسطيته، فيما حزب الله «مش قاري حدا»، ثم يطالبنا الجميع بأن نبادر. إذا تركونا على هذه الحالة، فسيحاورون السلفيين». لكن مواجهة السلفيين والمتطرفين غير مقدور عليها بإدارة الحريري لملفاته من الرياض أو من باريس أو من على يخت في مكان ما في أعالي البحار. لا ينكر المقربون منه «هذا الواقع، لكن الظروف الأمنية والمالية والإقليمية تحول دون عودته. فهل نترك الاوضاع في البلاد على حالها إلى ذلك الحين، أم نتفق مع الآخرين على الحفاظ على ما تبقى من دولة؟».
في مقابل المتفائلين بإمرار التمديد لقهوجي، يقف وسطيون وسياسيون من 8 آذار ليجزموا بالقول: «الحريري انسحب من تعهده بالتمديد لقهوجي. ولو أنه لا يزال على موقفه، لما سمح لنوابه بأن يستمروا في الهجوم على الجيش، ولكان منع أحمد فتفت من المقايضة بين إبقاء قهوجي في منصبه وإعادة قائد محاور طرابلس (اللواء أشرف ريفي) إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بعدما شهر الأخير سيف المستقبل وبدأ الضرب به».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه