25-11-2024 12:59 PM بتوقيت القدس المحتلة

المسحراتي «ميشيل» ينادي لرمضان عكا

المسحراتي «ميشيل» ينادي لرمضان عكا

ويروي المسحراتي «أمي وهي على فراش الموت قالت لي: قّوم سحر الناس، أنا أكون سعيدة جداً وأنت توقظهم وتدخل الفرح والبهجة إلى قلوبهم»

محمد كمال / جريدة السفير


المسحراتي ميشيلأصرّ الشاب ميشيل على تنفيذ وصية أمه بإيقاظ المسلمين من أهالي مدينة عكا وأحيائها القديمة في فلسطين المحتلة لتناول طعام السحور، وهو الذي لا يتسحّر ولا يصوم، لأنه يعتنق الديانة المسيحية، إذ أوصته والدته قبل وفاتها بأيام ألا يتوقف عن إيقاظهم ويتخلى عن مهنة «المسحراتي».


الفلسطيني ميشيل أيوب (37 عاماً) يرى أنّ ما يقوم به يشكل جزءاً من محبته لأهل عكا، برغم اختلاف ديانتهم، وهو لا يجد أي مانع في ممارسته المهنة التي يصفها بـ«المهمة الكبيرة». ويقول ميشيل لـ«السفير» إن «ما أقوم به هو هداية من رب العالمين، وإيمان وطاعة لوجه الله تعالى، والمسلمون والمسيحيون يعيشون في عكا جنباً إلى جنب بمثابة عائلة واحدة، ولا فرق بين مسلم ومسيحي ونحن نعبد إلهاً واحداً».


روح المحبة والبهجة
بدأ ميشيل ابن قرية العكر، التي تمتاز بتنوّع سكانها المسلمين والمسيحيين، بالعمل في مهنة «المسحراتي» منذ ثمانية أعوام في مدينة عكا القديمة في الأراضي المحتلة في العام 1948، من دون أن يتلقى أي مقابل مادي من أي شخص أو جهة معينة. وهو يقوم بهذا الدور بشكل تطوّعي لأبناء قريته، وحين يدخل أي حي أو قرية، ويحاول أهلها أن يدفعوا له المال فيرفض ولا يدخلها ثانيةَ.
ويلفت ميشيل إلى أنه يقوم بإيقاظ أحياء مدينة عكا القديمة كافة، إذ يرتدي ملابسه التراثية الخاصة التي تعطي انطباعاً جمالياً جذاباً، ويخرج من منزله مع بداية الساعة الواحدة ويبقى حتى الرابعة والنصف فجراً، حيث يتنقل بين أزقة عكا القديمة وحاراتها بنداءات مختلفة الألوان والمقامات، ويرفقها بدقات الطبلة.


ويؤكد المسحراتي ميشيل أن شهر رمضان «شهر تواضع واحترام ومحبة وكرم، ويجب أن نعطيه حقه وأكثر ما يمكن من خلال العبادات والطاعات»، لافتاً إلى أن عمله في هذه المهنة يُضفي سعادة وبهجة لدى كل أبناء مدينة عكا المحتلة الذين اعتادوا عليه منذ أعوام، ولم يغب عنهم ولو ليوم واحد.


ويشرح «أدخل أحياء مدينة عكا وحاراتها كافة، وأبدأ بالمناداة وقرع الطبلة، حينها أشاهد الناس وهي تستيقظ وتشعل الإنارة في بيوتها، وتفتح الشبابيك والأبواب وهم ينظرون باتجاهي، حينها أشعر بسعادة لا توصف، هذه اللحظات لا توصف، ولا أعيشها إلا معهم». ويتابع «وأنا أمشي بمفردي وأنادي أشعر بفرحة كبيرة، وإحساسي حينها لا يوصف، وأنا أتنقل بين الأزقة والحارات أشعر أن الحيطان تجاوب مناداتي، وحتى الهلال في السماء أشعر أنه يتحدث معي ويجيبني».

تعايش وتشجيع كبير
مدينة عكا الفلسطينيةويبدي مسحراتي رمضان اهتماماً منقطع النظير، وهو يمارس هوايته في إيقاظ الفلسطينيين لتناول طعام السحور. وهو يتحدّث عن قبول الناس له بالرغم من أنهم يعلمون أنه مسيحي، إلا أنهم يعبرون عن سعادتهم وفرحتهم بما يقوم به في هذه المهنة، التي تحوّلت إلى نوع من التراث الفلسطيني، وهو يحاول من خلالها أن يحافظ عليه كجزء من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

ويلقى ميشيل تشجيعاً مستمراً من عائلته، التي تتكوّن من ثلاثة أبناء وبنات إضافة إلى الأب، الذي لا يزال يحرص على اهتمام ابنه بهذه المهنة، ويحثه على الاستمرار بها بالرغم من واقعهم المعيشي البسيط.


ومن بين النداءات والشعارات الشعبية الفلسطينية والسورية والعراقية، التي ينادي بها ميشيل «اصحى يا نايم وحّد الدايم، رمضان كريم بكرا نويت إن حييت شهر الصيام وبالفضل القيام، اصحى يا نايم اصحى يا غفلان، قوم واصحى وسبّح الرحمن». كما أنه يحفظ بعض الآيات القرآنية التي تحثّ على الصيام والإيمان.


تكفي محبة الناس
ويؤكد مسحراتي رمضان أنه لم يتأثر بشكل أو بآخر بالدين الإسلامي بالرغم من أنه يسحر أناساً مسلمين، مشيراً إلى أن حرية الأديان مكفولة للجميع، وهو يمارس ديانته بكل حرية ويُسر. ويعتبر أن رسالته للفلسطينيين والجميع أن يعيشوا بأمن وسلام وحرية.
ويروي المسحراتي «أمي وهي على فراش الموت قالت لي: قّوم سحر الناس، أنا أكون سعيدة جداً وأنت توقظهم وتدخل الفرح والبهجة إلى قلوبهم»، مضيفاً «ومنذ ذلك اليوم وقبله، ومنذ أن بدأت هذه المهنة لم أغب يوماً واحداً عن الناس وحارات عكا القديمة، وقطعت على نفسي عهداً أن أبقى أعمل في مهنتي التي أرى فيها كل شيء جميل في حياتي، ويكفيني أن أنال محبة الناس وإعجابهم».