أخطأ العدو عندما ظن أنها مجرد مبنى يحتوي معدات وأجهزة تبث بعض البرامج ونشرات الاخبار، فـ"المنار" أكثر من قناة تلفزيونية، انها المقاومة بلباس غير عسكري وبسلاح نوعي يضرب في العمق خلف خطوط العدو.
أخطأ العدو عندما ظن انها مجرد مبنى يحتوي معدات واجهزة تبث بعض البرامج ونشرات الاخبار، اخطأ العدو عندما شخّص ان من فيها مجرد اعلاميون وموظفون يعملون بحثا عن قوت يومهم، أخطأ قادة العدو الامنيون والعسكريون عندما قرروا قصفها، فهم لم يأخذوا بالحسبان ان فيها مقاومين يعملون في الاعلام لا تردعهم اصوات الطائرات ، ولا تهاوي المباني من حولهم، لم يفقه العدو جيدا عندما قرر قصفها.. انها "المنار".
فـ"المنار" أكثر من قناة تلفزيونية، انها المقاومة بلباس غير عسكري وبسلاح نوعي يضرب في العمق خلف خطوط العدو، المنار مقاومة من نفس طينة المقاومة الجهادية، وليس في لبنان مقاومة تموت او تنكسر او ترتجف او تتراجع، فكانت المنار المقاومة ، وبقيت ثابتة ثبات رجال الله في الميدان، ففيها ابطال حاكوا بأقلامهم واصواتهم وكاميراتهم حكايات مارون الراس وملاحم عيناتا وسهل الخيام، وسجلوا انتصارات وصلابة لا تقل شأنا عن تلك التي سُجلت على امتداد الجنوب والبقاع والضاحية طوال 33 يوما من العدوان الاسرائيلي في صيف العام 2006.
ففي يوم 16 تموز/ يوليو أقدمت طائرات العدو على تنفيذ غارة بهدف اسكات آلة المقاومة الاعلامية ورأس الحربة في الحرب النفسية على "اسرائيل"، فكانت "المنار" عصية على الكسر صامدة أمام طائرات العدو الذي لم يستطع كم افواه المقاومين في المنار، واستمرت التغطية اليومية للحرب واستمرت المقاومة الاعلامية بعزيمة عالية وارادة صلبة حتى النصر الالهي الذي ارتسم بدماء الشهداء في مختلف المناطق والقرى في 14 آب / اغسطس.
فكيف كان المشهد لحظة القصف الاسرائيلي لمبنى "المنار" حيث كان الجميع هناك مشاريع شهداء؟ وكيف كانت معنويات المقاومين في المنار في تلك اللحظات وما بعدها؟ وكيف صمدت المنار ، واستوعبت العدوان ، واستثمرت ذلك في صناعة الانتصار الذي تحقق؟
حول ذلك قال مدير عام قناة "المنار" الحاج عبد الله قصير إن "العدو الاسرائيلي لم يعتدِ على المنار من خلال القصف فقط ، انما مهّد لذلك بملاحقة المنار عبر لوبيات صهيونية واسرائيلية في أميركا وأوروبا للتشويش على المنار ومنعها من البث عبر الأقمار الاصطناعية"، واضاف "لذلك كنا نشعر أننا أصبحنا هدفا مباشرا للعدو الاسرائيلي"، ولفت الى ان "الهدف من استهداف المنار هو ان تُرتكب جريمة الحرب على لبنان من دون ان تكون المنار موجودة في هذه الحرب ، وفي موقع الاضاءة على الجرائم الاسرائيلية وفضحها"، واوضح ان "الاعلام هو جزء لا يتجزأ من المعركة ، ولا يقل دور الاعلام اهمية عن الدور العسكري ، لذلك عندما تنجح انت بالحرب على المستوى الاعلامي ، فهذا يعني أنَّك كسبت نصف الحرب على الاقل ،ان لم نقل انك كسبتها كلها".
ولفت قصير في حديث لموقع "قناة المنار" الالكتروني الى ان "المحطة استطاعت ان تتجاوز مسألة القصف وتستمر بالبث من خلال ارادة التحدي والصمود الموجودة لدى العاملين فيها، واستطاعت أن تنهض من بين الركام وتستمر خلال 33 يوم وما بعد حرب تموز بنفس النبض، وهي قد حولت التهديد الى فرصة وذلك بالهمّة العالية الموجودة لدى كادرها البشري في كل الاقسام والمديريات"، وأشار الى انه "خلال 33 يوما العالم كله تحدث عن المعجزة التي أحدثتها قناة المنار بقدرتها على الاستمرار ، وهذا اعطى المنار شهرة عالمية واسعة ودفعا كبيرا حيث تحولت الى اسطورة وايقونة في الاعلام".
وأكد قصير ان "ما ساعدنا على مواجهة عدوان تموز امران اولهما التوفيق الالهي ، فنحن نؤمن ان هناك مددا غيبيا وتوفيقا الهيا ، لاننا نعتقد أننا نخدم قضية محقة وعادلة. والعنصر الثاني هو الحماسة والارادة الصلبة لدى العاملين في المنار"، ولفت الى انه "بعد قصف المبنى تمَّ توزيع كل العاملين خلال الحرب على اكثر من 15 مبنى متباعدين جغرافيا ، الا ان التواصل بينهم كان على أعلى مستوى وبشكل دائم ومستمر"، وأكد انه كان يثابر على زيارة الزملاء في المنار رغم كل المحاذير الامنية العالية ، لانه يعتقد ان "واجبه الشرعي والاخلاقي يفرض عليه ان يكون مع الاخوة في مكان عملهم بالاضافة الى ان هذا الامر كان يعطي الدفع المعنوي للشباب ، ويثبت الاخوان في موقعهم".
وشدد قصير على ان "المنار استفادت بشكل كبير من تجربة حرب تموز"، ولفت الى ان "المنار تتحضر بشكل يجعلها قادرة على الاستمرار ومواصلة البث بأي ظرف من الظروف ايا كانت الحرب"، واضاف ان "هذا ما يجعلنا على ثقة بأننا في اي حرب او عدوان سنبقى مستمرين في رسالتنا والقيام بواجبنا على أكمل وجه"، واعتبر انه "مهما بذلنا من جهود وأعطينا من نجاحات يعود الفضل الاول والاخير فيه للتضحيات التي قدمها الشهداء والجرحى والمجاهدين ، لان المنار هي صدى للدماء الزكية التي قدمت في هذه المسيرة".
وحول نفس الموضوع قال احد الزملاء ممن يعملون في قسم الاخبار م.ش. والذي كان متواجدا في مبنى المنار لحظة قصفه إن "معنويات الاخوة في المنار في حرب تموز قبل وبعد استهداف القناة، كانت عالية جدا"، ولفت الى ان "العامل الايماني لدى الاخوة في المنار هو ما دفعهم للثبات في مواقع عملهم رغم كل القصف والدمار الذي أحاط بهم ورغم قصف المبنى وهم بداخله"، ورأى ان "هناك لطفا إلهيا ساهم بعدم سقوط الجميع كشهداء في المنار في تلك اللحظة حين ضربت طائرات العدو المبنى في حارة حريك".
واشار الزميل م.ش الى حادثة مميزة عند اخلاء المبنى المهدم حيث ان "احد الاخوة وهو يخلي ما تبقى من المبنى عاد الى الداخل وجلب معه احد الاجهزة المهمة في عملنا والتي يمكن حملها باليد وقد استفدنا منه بعد الانتقال الى مكان البديل لعمل القناة"، واعتبر ان "هذا مما يدل ان هناك تركيزا عاليا وارادة صلبة للغاية من قبل هذا الاخ الذي يعبر عن حال كل الاخوة في المنار"، ونوه بأن "مدير الاخبار يومها محمد عفيف كان اخر من غادر المبنى المدمر بعد ان اطمأن الى ان الجميع خرج بخير وسلامة من المبنى ما أعطى الشباب جرعة كبيرة من المعنويات حيث ترى ان الانسان المسؤول لم يفر من الموت، بل هو ثابت اكثر منك تحت القصف والدمار".
ورأى الزميل م.ش أن "استهداف مبنى المنار أعطى الجميع جرعات من المعنويات ، واصبح كل الاخوة اكثر اصرارا وعزما على البقاء والصمود ومتابعة المسيرة حتى الانتصار في هذه الحرب"، وشدد على انه "طوال الحرب سواء قبل قصف المبنى او بعده لم يتراجع ولم يفر من الواجب اي اخ من الاخوة في المنار"، مؤكدا ان "هذا الصمود في الميدان وعلى كل جبهات المقاومة هو ما أنتج الانتصار الالهي الكبير في تموز 2006".
وتبقى المنار نورا ساطعا في سماء الانتصار الذي تحقق في تموز 2006، وشهادة على هذا السطوع ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احد الخطابات إنه "لولا المنار لضاع الانتصار"، وهذه اكثر من مجرد شهادة، انها وسام شرف يعلق على صدر "المنار" والعاملين فيها.