بمعزل عن طبيعة ردود الفعل المتفاوتة التي أثارها الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، فإنه يُسجَّل لها انها ملأت بعضا من الفراغ المتمادي وفتحت كوة في جدار سميك قد لا يمر منها حل
عماد مرمل
هل تسمح الرياض بتلقف مبادرة نصرالله؟
بمعزل عن طبيعة ردود الفعل المتفاوتة التي أثارها الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، فإنه يُسجَّل لها انها ملأت بعضا من الفراغ المتمادي وفتحت كوة في جدار سميك قد لا يمر منها حل، لكنها بالتأكيد تكفي لعبور بصيص أمل.
وإذا كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قد تعاطى بسلبية مع مبادرة نصرالله، فإن العارفين بخلفيات هذه المبادرة وأبعادها يؤكدون أنها ليست موجّهة بالأصل الى جعجع، بل يمكن القول أن المعني الأول بها هو رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، وأن الهدف الأساسي منها خفض منسوب التوتر السني ـ الشيعي الذي وصل الى معدلات غير مسبوقة في المرحلة الأخيرة.
ولكن، هل السعودية بصدد إعطاء ضوء أخضر للحريري كي يتجاوب مع دعوة نصرالله ويلاقيها في منتصف الطريق، وهي التي تتخذ تموضعا هجوميا في المنطقة بعدما انتزعت المبادرة من قطر؟ وبالتالي هل يمكن أن تشجع الرياض على استئناف الحوار وتسهل تشكيل الحكومة، مع ما يعنيه ذلك من تبريد للساحة اللبنانية وربط نزاع مع حزب الله، في حين أنها تواجه الحزب وحليفيه الإيراني والسوري على الساحة السورية؟
يشير المطلعون على حيثيات مبادرة نصرالله الى أن الأمين العام لـ«حزب الله» اتخذ، عبر دعوته الى استئناف الحوار، موقفا مبدئيا فرضه شعور قيادة الحزب بأن الوضع في لبنان بلغ منعطفا خطيرا، على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأن هذا الواقع بات يستوجب صدمة إيجابية تلجم مسار الانهيار وتتيح للناس التقاط أنفاسهم.
ومن هنا ـ يضيف المطلعون ـ قرر الحزب أن يمد يده، تاركا للآخرين أن يتحملوا مسؤولياتهم، قبولا أو رفضاً، من دون أن يراهن كثيرا على ردود فعل إيجابية من خصومه، «علما أن من يرفض الحوار في هذه الظروف يكون قد أساء بالدرجة الاولى الى اللبنانيين المتعطشين للاستقرار والنهوض الاقتصادي، وليس الى «حزب الله» الذي ربما يكون الأقدر على التعامل مع تداعيات أي سيناريو دراماتيكي في الداخل، بالنظر الى ضخامة امكانياته وصلابة بنيته».
ويؤكد المواكبون لظروف ولادة مبادرة نصرالله أن من يظن أنها جاءت نتيجة ضعف مفترض، يكون قد ارتكب خطأ كبيرا في الحسابات، لافتين الانتباه الى أن قيادة الحزب انطلقت في ما طرحه «السيد» من شعور بالحرص وليس بالخوف، ذلك أن موازين القوى الداخلية والإقليمية هي لمصلحة الحزب وحلفائه ولا تستدعي أي خوف او قلق، بل العكس هو الصحيح، ويكفي للاستدلال على ذلك إلقاء نظرة على الخريطة، حيث سيتبين أن النظام السوري يحقق انجازات ميدانية نوعية في مواجهة المجموعات المسلحة وأن مقولة إسقاط النظام وتنحي الرئيس بشار الاسد تلاشت، وأن حكم الاخوان المسلمين في مصر الذي قطع العلاقة مع سوريا واتخذ مؤخرا مواقف سلبية من الحزب وإيران سقط، وأن قطر المندفعة تراجع دورها بعد التحول في تركيبة السلطة، وأن تركيا أردوغان تشهد اضطرابا وإرباكا، وصولا الى لبنان حيث يحمل ضرب حالة أحمد الاسير من الرمزية ما ينطوي على مغزى معبر.
ويرى المتحمسون لمبادرة نصرالله أنها الوحيدة القادرة حاليا على وقف تحلل الجسم اللبناني، معتبرين أنه لا يوجد بديل عن الحوار سوى الانحدار. وإذا كان هناك من يشكو من أزمة ثقة مع «حزب الله» تحول دون استئناف الحوار، فإن الحزب يعتبر أنه صاحب الحق في الشكوى لأن «تيار المستقبل» ـ برأيه ـ هو الذي اعتاد على التفلت من الالتزامات بدءا من اتفاق الرياض الشهير قبل سنوات، مرورا بالتفرد في وضع اتفاقية المحكمة الدولية والانقلاب على معادلة المقاومة والجيش والشعب، وصولا الى التمديد لمجلس النواب وقائد الجيش الذي وافق عليه «المستقبل» ثم تراجع.
ويعتقد «حزب الله» أن الفريق الآخر جرّب في سياق المواجهة الداخلية كل الخيارات، كالتحريض المذهبي والرهان على الحرب السورية واستخدام ظاهرة الاسير، ولم يصل الى نتيجة، فلماذا الإصرار على استعمال أسلحة أثبتت عدم جدواها، وإذا كان من المتعذر في الوقت الحاضر معالجة كل القضايا الخلافية فلماذا لا نلجأ أقله الى تنظيم الخلاف كما حصل مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط الذي اتفقنا وإياه على ضرورة تحييد لبنان عن تداعيات الصراع السوري، مع حق كل طرف بأن يحتفظ بموقفه من هذا الصراع، مفسحين في المجال في الوقت ذاته امام التعاون بيننا تحت سقف القواسم المشتركة، ومنها الحفاظ على الاستقرار الداخلي وحماية الجيش وتشكيل حكومة جامعة والتمديد لمجلس النواب.
وإذ يؤكد الحزب استعداداه لفعل كل ما يمكن ان يؤدي الى تجنب الفتنة المذهبية، يشدد على أن حدود مرونته تتوقف عند ثوابته، لافتا الانتباه في هذا المجال الى أنه من غير المقبول على سبيل المثال أن يتفرّد الآخرون بالسلطة، مستفيدين من حرصنا على تفادي الفتنة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه