29-11-2024 12:50 AM بتوقيت القدس المحتلة

الخليجيون بعد الأوروبيين: نحو معاقبة حزب الله

الخليجيون بعد الأوروبيين: نحو معاقبة حزب الله

بعد مخاض أوروبي مرّ به قرار إدراج «الجناح العسكري» لحزب الله على قائمة المنظمات الارهابية، وسط ضغوط أميركية وسعودية، يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي تتجه الى الحذو حذو الأوروبيين




ناصر شرارة

بعد مخاض أوروبي مرّ به قرار إدراج «الجناح العسكري» لحزب الله على قائمة المنظمات الارهابية، وسط ضغوط أميركية وسعودية، يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي تتجه الى الحذو حذو الأوروبيين. يوماً بعد آخر، يتكشّف أن القرار لم يتخذ على خلفية تفجير بورغاس البلغارية، وإنما على وقع نتائج معركة القصير السورية.

أكّدت مصادر أوروبية مطلعة أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً كبيرة على الاتحاد الأوروبي ودوله، من أجل إدراج حزب الله على لائحة المنظّمات الارهابية. وأضافت أن دولاً عربية شاركت في هذه الضغوط، خصوصاً السعودية، عبر تلويحها لدول أوروبية، وتحديداً فرنسا، باستخدام عصا العلاقات الاقتصادية في حال تلكأت في هذا الأمر. وتلقّت بيروت، في الساعات الأخيرة، تقريراً عن الأجواء التي سادت ردهات الاتحاد الاوروبي بعد إدراج «الجناح العسكري» لحزب الله على لائحة الارهاب، مفادها أن هناك قناعة بين الدول الأعضاء بأن ما حصل يعبّر عن تسوية بين رغبة واشنطن في وضع الحزب بكليته على لائحة الارهاب، وبين محاولات الأوروبيين التفلت قدر الإمكان من الضغوط الاميركية.

وبحسب مصادر دبلوماسية رصدت التعليقات الداخلية الاوروبية على القرار، فان ابرزها رأى انه اظهر ان «العم سام» هزّ بعصاه الغليظة في وجه اوروبا للخضوع لاملاءاته بأكثر مما بدا انه يفعل ذلك عملياً في وجه حزب الله. والواقع ان أبرز النواقص القانونية في قرار الاتحاد الاوروبي هو انه مبني قانونياً على اساس ارتكاب الحزب لعمل إرهابي مزعوم داخل دولة أوروبية، الامر الذي يحتم عليها بموجب قانون مكافحة الارهاب الاوروبي، التدخل بإجراءات. لكن الوقائع تثبت ان السبب الرئيس لاتخاذ الاتحاد الاوروبي قراره هو الضغط الاميركي عليه لمعاقبة الحزب على اشتراكه في الصراع في سوريا، وهو ما لا علاقة له بالدفاع عن امن الدول الاوروبية.

وتحدثت المصادر عن المراحل التي قطعها مسار القرار قبل اقراره رسمياً، وكلها تظهر ان معظم دول الاتحاد حاولت تجاوزه، لكن الضغوط الاميركية والاسرائيلية كانت حاسمة في اقراره. وأوضحت ان الدول الاوروبية قاربت، منذ البداية، قضية تفجير بورغاس البلغارية العام الماضي بحذر. وحتى وقت قريب، تجنب سفراء أعضاء لجنة السياسة والأمن المكلفة درس القرار تقنياً وسياسياً، اجراء اي نقاش حول القضية. وخلال اجتماع اللجنة، في 5 شباط الماضي، أثار مندوب بلغاريا الموضوع بعد ضغوط أميركية كبيرة. وبدا واضحاً من طريقة طرحه ان كل همّه رفع العتب الأميركي عنه، إذ وزع على زملائه «رسالة الكترونية تطلب بلغاريا بموجبها الاتفاق على إجراءات محددة للحؤول دون هجمات مشابهة في المستقبل».

وفي الجلسة التالية للجنة، واصل أعضاؤها وفي مقدمهم المندوب البلغاري تجاهل قضية صلة حزب الله بتفجير بورغاس، واكتفت اللجنة بإدراج القضية تحت بند ما يستجد من اعمال في اجتماع وزراء خارجية الاوروبيين الذي عقد في 18 شباط الماضي. وكان لافتاً ان الوزراء الأوروبيين، أيضاً، تجنبوا خلال اجتماعهم هذا اعتماد خلاصات او مقررات في شأن هذه القضية، وكان النقاش حول تفجير بورغاس مختصراً، إذ اقتصر على عرض قدمه الوزير البلغاري حول نتائج التحقيقات وتأكيده ان حكومته تعول على تعاون السلطات اللبنانية في مجريات التحقيق واستجابتها لمستلزماته. وفي الاجتماع نفسه، أعربت أربع دول أوروبية عن تضامنها مع بلغاريا، واقترحت الممثلة العليا لاتحاد كاترين اشتون العودة الى مناقشة هذا البند على ضوء التطورات التي يشهدها التحقيق.

ويعزو احد السفراء الأوروبيين امتناع لجنة السياسة والأمن والوزراء الأوروبيين عن مناقشة اية إجراءات ضد حزب الله طوال الفترة الماضية، الى عاملين اساسيين: أولهما استمرار التحقيق وطلب بلغاريا من الدول الاوروبية درس «إجراءات محدودة» لمنع حصول عمليات مشابهة في المستقبل، اي الحصول على ضمانات او تعزيز التشارك الاوروبي الامني، وليس ادراج الحزب على لائحة الارهاب. والعامل الثاني هو التوجس من التداعيات المترتبة عن اي قرار على الساحة اللبنانية الداخلية.

خلال هذه الفترة زخّمت السفارات الاميركية في الدول الاوروبية الـ 28 تحركها لتشجيعها على المضي في ادراج حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية. والأمر نفسه قامت به أيضاً السفارات الاسرائيلية في هذه الدول. ورغم هذه الضغوط، ظلّت دول الاتحاد الاوروبي ومؤسساته تحاول الالتفاف على الضغط الأميركي. فبدل عقد نقاشات رسمية لبحث قضية بورغاس قام الاتحاد باجراء نقاش غير رسمي بين سفرائه، وخلص قبل فترة وجيزة الى ثلاثة خيارات لانتقاء احدها في ما لو صار من الصعب تجاهل الضغوط الاميركية، وهي: إدراج حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية؛ أو إدراج «الجناح العسكري» للحزب على هذه اللائحة؛ أو الاكتفاء بتسمية الاشخاص المتهمين بالوقوف وراء تفجير بورغاس وإدراجهم على لائحة الارهاب الاوروبية.

وقد بدا لفترة غير قصيرة ان الميل العام داخل الاتحاد الاوروبي يتجه للأخذ بالخيار الثالث. لكن واشنطن رمت بثقلها لاقصاء هذا الخيار عن طاولة البحث.

نقطتان للنقاش

وطوال فترة البحث في الرد الاوروبي على زعم مسؤولية حزب الله عن متفجرة بورغاس، كانت واشنطن جزءاً من النقاش حول القرار الذي يجب اتخاذه ومفاعيله. وأبرز عناوين البحث تمحور حول ما اذا كان إدراج الحزب على لائحة الارهاب في هذا التوقيت، سيترك آثارا سلبية على لبنان والشرق الاوسط. وقد نوقش هذا الامر بعمق بين ممثلي الولايات المتحدة وفرنسا في «مؤتمر الامن وليبيا» الذي عقد في باريس في النصف الاول من السنة الجارية. وقد كان الفرنسيون مع التروي في هذا الأمر، لكن ممثل واشنطن رد داخل الجلسة المغلقة بفجاجة قائلا: «لقد أوضحنا منذ البداية ان هذا الملف يشكل أولوية لإدارتنا، ولن نتوانى عن ممارسة الضغوط لكي يخرج الاتحاد الاوروبي ودوله بالقرار الإيجابي بخصوص إدراج حزب الله على لائحة الارهاب». وأضاف أن قراراً كهذا «لن يزيد الامور تعقيدا في لبنان والشرق الاوسط وفي ظل الازمة السورية، بل سيساعد على وضع الاصبع على مكامن المسألة».

خريطة طريق أميركية

وتفيد المصادر الدبلوماسية المتابعة لهذا الملف ان واشنطن، قبيل احداث القصير وخلالها، أوضحت للأوروبيين أهمية قرار وسم حزب الله بالارهاب في أجندتها على النحو الآتي:

اولاً، تعتبر واشنطن ان انشاء تحالف واسع عبر العالم لمناهضة حزب الله هو من أولوياتها في هذه المرحلة.
ثانياً، إن واشنطن منفتحة على فكرة حلفائها بالتدرّج في خطواتهم التصعيدية ضد الحزب شرط ان تشتمل على فرض العقوبات عليه وتشديد التدابير الامنية ضده بالتعاون مع الولايات المتحدة. وهذا لا يتحقق باعتماد خيار إدراج المتورطين في عملية بورغاس حصرا على لائحة الحظر الاوروبي.

ثالثاً، أوضحت واشنطن لحلفائها الاوروبيين ان المطلوب منهم توجيه رسالة واضحة الى الحزب بأن تصرفاته غير مقبولة إطلاقاً، وأنه لم يعد بإمكانه الاستمرار فيها من دون محاسبة.

وفي مقابل خريطة الطريق هذه، رفعت لجنة الامن والسياسة في الاتحاد الاوروبي لواشنطن، أخيراً، مراجعة امنية تبين فيها جدوى اقتصار قرار الاتحاد الاوروبي على ادراج «الجناح العسكري» للحزب على لائحة الارهاب، لكن واشنطن ردت المراجعة مذيّلة برأيها القائل إن «كل فروع حزب الله المتعددة ومشتقاته لديها تمويل موحد وموظفون موحدون وقيادة موحدة، وكلها تدعم النشاطات العنيفة للحزب، ما يعني انه لا يمكن الفصل بين جناحيه العسكري والسياسي».

وبحسب هذه المصادر، فإن واشنطن عادت لتغض الطرف عن إدراج «الجناح العسكري» حصراً على لائحة الارهاب الأوروبية لسببين: الاول انها ترغب في إبقاء قناة مقايضة ابتزازية مع ايران؛ والثاني لأن دول مجلس التعاون الخليجي مستعجلة لاتخاذ الاتحاد الاوروبي خطوة في هذا الشأن، لتفتح الطريق أمام المجلس ليكون التجمع الدولي الأول الذي يحذو حذو اوروبا على هذا الصعيد.

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه