يتذكر محمد، وهو مدرّس في بنت جبيل، كيف حارب العشرات من طلابه في تموز 2006 واستشهد منهم ثلاثة عشر شهيداً، لم يتجاوز عمر أكبرهم العشرين سنة. يقول «لم أكن على علم يوماً بأن هؤلاء الطلاب من المقاومين ؟!!
الجنوبيّون: لا نعرف «العسكري» إلا بعد استشهاده
لا يميّز الكثير من الجنوبيين أنفسهم عما سماه الاتحاد الأوروبي «الجناح العسكري لحزب الله». صمودهم في القرى على مدى سنوات الاحتلال الإسرائيلي، ومساندتهم للمقاومين، والأدوار التي لعبوها خلال حرب تموز، كلّها أمور تجعلهم معنيين بقرار وضع حزب الله على لائحة الإرهاب.
داني الأمين / الأخبار
بنت جبيل | خرج قرار الاتحاد الأوروبي بوضع الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب، من بروكسل، ليصيب سكان القرى الجنوبية الحدودية مع فلسطين المحتلة. لم يفهموا على الأوروبيين، المتعلّمين، ما هو الفارق بين حزب الله وبين جناحه العسكري. كيف فصلوا بين الأمرين، ووفق أي معايير. ما فهموه أن كل من قام بعمل عسكري، أو ساند عملاً عسكرياً لحزب الله، مقصود بالقرار. أي أنهم كلّهم مستهدفون.
بناء عليه، يتساءلون عن العلاقة التي سيقيمونها مع عناصر قوات اليونيفيل من الآن وصاعداً. معظمهم يعدّون أنفسهم جزءاً لا يتجزّأ من «الجناح المقاوم» لحزب الله، وخصوصاً بعد تجربة حرب تموز عام 2006، «عندما قرّر الحاج عماد مغنية توسيع دائرة المقاومة لتشمل أكبر عدد من الأهالي» يقول أحدهم. فيما يتساءل آخرون: «ما هو رأي جنود اليونيفيل، من الأوروبيين، بأبناء الجنوب، هل باتوا يعتبرونهم اليوم إرهابيين، بعد سنوات من التعاون والتنسيق المدني والاجتماعي وحتى الخدماتي في ما بينهم؟». ويذهب المواطن حسن ياسين (مجدل سلم) الى أبعد من ذلك حين يسأل «ماذا يعني اعتبارنا إرهابيين؟ ألا يعني ذلك العمل على قتالنا وقتلنا؟ وما هو دور الجنود الأوروبيين في ذلك؟ ألا يعلم الوزراء الأوروبيون أن أبناء الجنوب بمعظمهم يشاركون في الحروب ضد إسرائيل، وأن نساء عيتا الشعب مثلاً شاركن بحمل السلاح ونقله إلى مقاتلي حزب الله؟».
إذاً واقع الجناح العسكري لحزب الله يختلف كثيراً عن الخيال الذي يتوهمه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أو القوى السياسية المعادية له، هو واقع يصعب تحديده عند أبناء الجنوب، أو أكثر تحديداً عند الأهالي المقيمين جنوبي نهر الليطاني، والذين يعتبرون أنفسهم اليوم أكثر المعنيين بالجناح المقاوم، كما يحبون تسميته. في تلك المنطقة الحدودية «لا فرق بين مدني وعسكري، ولا بين منتسب الى حزب الله يحمل السلاح بالخفاء في ساحات النضال، أو مزارع يزرع شتول التبغ المرّة ليعيش لإعالة أطفاله تحت أعين العدوّ المتمركز في أعلى التلال القريبة»، هكذا يرى أحد المزارعين الجنوبيين واقع المقاومة. وبناء عليه «ما يسمّى الجناح العسكري لحزب الله، هو كلّ هؤلاء الذين يتحضرون كلّ يوم لصدّ أي اعتداء إسرائيلي جديد، فليس خفياً على أحد أن الجميع يستطيعون استخدام السلاح، وهم مستعدون للقتال، وحرب تموز الماضية تشهد، عندما انتصر الطلاب الصغار على أقوى جيش معاد في المنطقة».
يتذكر محمد، وهو مدرّس في إحدى مدارس بنت جبيل، كيف حارب العشرات من طلابه في تموز 2006 واستشهد منهم ثلاثة عشر شهيداً، لم يتجاوز عمر أكبرهم العشرين سنة. يقول «لم أكن على علم يوماً بأن هؤلاء الطلاب من المقاتلين الأقوياء، لم يظهر على أحدهم ما يشير إلى ذلك. كانوا مدنيين بالكامل، لم يرتد أحدهم الزيّ العسكري أمام الأهالي، يواظبون دائماً على دروسهم». كلام محمد يشبه كلام آخرين من أبناء بنت جبيل ومرجعيون، الذين لا يعرفون شيئاً اسمه «الجناح العسكري لحزب الله»: «نحن نسمع بجهاز اسمه المقاومة، ولكننا لا نستطيع معرفة عناصره الحقيقيين، رغم أن أياً منا قد يكون من عناصره، لا شيء هنا يحمل صفة العسكري، إلا بعد استشهاده، لذلك لا نفرّق بين مدني وعسكري إلا بعد الوفاة، وعلى هذا الأساس، توجد أجنحة عسكرية للمقاومة في المقابر».
يتذكر كفاح عندما سأله ضابط بلجيكي من قوات اليونيفيل، بعد أشهر على انتهاء حرب تموز، عن هوية مقاتلي حزب الله، يقول «شرحت للضابط ما أعرفه عن معركة كرم الزيتون القريبة من مدرسة بنت جبيل الفنية، والتي قاتل فيها طلاب المدرسة مع عدد من أساتذتهم عشرات الجنود الإسرائيليين، وأن أحداً من الأهالي لم يكن على علم مسبق بأن هؤلاء الطلاب من المقاومين، وهم أنفسهم الذين يزرعون حقول التبغ في عيتا الشعب وعيترون، وفوجئ الضابط الأوروبي عندما علم بأن من بين هؤلاء الشهيد المدرّس راني بزي و14 من طلابه».
العديد من نساء عيتا الشعب رفضن مغادرة البلدة أثناء العدوان في تموز، وفضّلن البقاء لمناصرة شباب المقاومة وتأمين الطعام لهم. أحد المقاومين يقول: «بعض النساء كنّ يأتين إلى بيوت المقاومين لإيصال الخبز لهم، رغم خطورة التنقل»، ويتابع «بعضهن حمل السلاح أو ساعد في نقله إلينا، فكنّ جزءاً من العسكر». عاتكة سرور واحدة من أولئك النساء التي صمدت مع عائلتها طيلة 22 يوماً، تقول: «كنت أخبز كل يوم 12 عدّة (240 رغيفاً) ويأتي الشباب لتوزيعها على مجموعاتهم، إضافة الى طبخ ما يتيسر لنا من الطعام... إذا كان دورنا هذا عملاً إرهابياً، فما هو عمل رجال ونساء الثورة الفرنسية إذاً».
يذكر أنه بعد حرب تموز 2006 تطوّع المئات من الأهالي، شباباً وشيباً، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية، للمشاركة في دورات عسكرية تدريبية، استعداداً لأي معركة محتملة مع إسرائيل.