المتحف هو سلاح أقاوم به الاحتلال الإسرائيلي الذي يسلب الآثار بطريقة خاصة، أشعر أنني أُقدم شيئاً جميلاً لوطني الذي يعاني الويلات من قبل الاحتلال
محمد كمال / جريدة السفير
لم يكن يتوقع وليد حين كان طالباً في إحدى مدارس مدينة خانيونس في جنوب قطاع غزة، أن مشاركته في الرحلة المدرسية التراثية إلى مصر قبل حوالي 30 عاماً، ستدفعه إلى تأسيس متحف فلسطيني عريق، يحافظ من خلاله على التراث الفلسطيني، الذي تعرض لمحاولات التدمير والاندثار على أيدي قوات الاحتلال، في محاولة متكررة لتزييف التاريخ.
وفي منزله الصغير في حي العقاد في خان يونس، حوّل وليد العقاد (50 عاماً) احد أركان منزله الريفي إلى متحف كبير أطلق عليه «متحف العقاد للتراث والآثار»، ليصبح من أبرز المؤسسات التراثية في فلسطين، وليلقى اهتماماً منقطع النظير من قبل المؤسسات الأهلية والخاصة والوفود الجامعية والمدرسية، وحتى وسائل الإعلام المحلية والدولية.
ويقتني العقاد قطعاً أثرية كثيرة منها الفخارية والمعدنية والذهبية والبرونزية، وتعود بشكل خاص إلى العهدين العباسي والعثماني. ويضمّ المتحف نماذج لأنواع من الأسلحة الآلية القديمة، التي استخدمها الفلسطينيون في مراحل النضال المتعاقبة، فضلاً عن كمية من الذخائر التي يعود تاريخ تصنيعها كما هو ظاهر في نقوشها إلى العام 1901، بالإضافة إلى مختلف النقود المعدنية التي مرت على فلسطين.
ويعتبر العقاد، في حديثه إلى «السفير»، أن ما يقوم به من خلال البحث عن قطع الآثار في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، أو حتى تلك التي يشتريها من ماله الشخصي، محاولة لإنقاذ التاريخ الفلسطيني والمحافظة على كل قطعة من الآثار، التي توثق وتثبت تاريخ الفلسطيني وحقه في أرضه. وبالرغم من أوضاعه الصعبة، ظل العقاد يبحث عن قطع الآثار في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي أماكن التماس على الحدود مع أراضي الـ48.
ويقول العقاد إن «المتحف هو سلاح أقاوم به الاحتلال الإسرائيلي الذي يسلب الآثار بطريقة خاصة، أشعر أنني أُقدم شيئاً جميلاً لوطني الذي يعاني الويلات من قبل الاحتلال، وما أنجزته هو واجب وطني، وعلى الجميع أن يولي اهتماماً كبيراً للتراث لما له من أهمية للمحافظة على فلسطين، وخصوصاً الجهات الرسمية». ويوضح العقاد أن المتحف أقيم بجهود ذاتية، وأصبح يستقبل وفوداً أكاديمية متخصصة في علم الآثار من دول أجنبية مختلفة أبرزها جامعة «هارفارد» الأميركية.
ويتابع: «بدايتي كانت صعبة نوعاً ما ومنذ طفولتي شعرت باهتمام كبير في المقتنيات القديمة التي كنت أجدها، ودائماً أحتفظ فيها داخل غرفتي، ما أثار استغراب الأهل، حتى أنهم أصبحوا على يقين أنني سأكون في مكان مميز يوماً ما». ويوجد في فلسطين، ما يقارب 12216 موقعاً أثرياً، بحسب مؤسسة الدراسات الفلسطينية، دُمّر ونُهب منها الآلاف بسبب الاحتلال.
وينقسم متحف العقاد الى قسمين، الأول يختص بالآثار والآخر بالتراث الفلسطيني. ويضم القسم الأول آثاراً توثق مراحل تاريخية عريقة، ومن بينها أعمدة من الرخام تعود إلى العصر البيزنطي، كعصر الملكة «هيلانة»، إضافة إلى الأواني الفخارية، ومجموعة من النقود المعدنية الرومانية والبيزنطية والأموية والعباسية.
أما القسم الثاني الذي يختص بالتراث الفلسطيني، فتجد فيه الكثير من المقتنيات القديمة، كالأدوات الزراعية التقليدية، ومنها المنجل والهوجل والمحراث، فضلاً عن الآلات الموسيقية القديمة كالشبابة واليرغول والربابة، إلى جانب الأثواب التراثية الفلسطينية، والأواني التي كانت تستخدم في الأعمال المنزلية كالكانون والغربال والطابون. وإضافة إلى كل ذلك، يتزين المتحف بصور فوتوغرافية قديمة لشهداء الانتفاضة الفلسطينية، والأسرى في سجون الاحتلال، فضلاً عن بعض أعمالهم اليدوية التي كانوا يصنعونها داخل الأسر.
ولا يغيب عن المتحف الأدوات التي يقاوم بها الفلسطيني، كالخنجر والمقلاع والحجر والسكين. ويشرح العقاد أن «المتحف الآن ليس ملكاً لعائلة العقاد بل لكل فلسطيني»، مضيفاً «برغم كل الصعوبات إلا أنني سأواصل البحث والتنقيب عن كل قطعة أثرية في فلسطين المحتلة، لأجل أن نحفظ تاريخنا وحضارتنا، وحتى لا ندع تراثنا يسلبه الاحتلال الإسرائيلي منا».
ولكن يشتكي العقاد مما يصفه بـ«غياب الرؤية» لدى الجهات الرسمية لاستثمار الآثار الفلسطينية، إذ أنه سبق وتقدّم بطلب لتوفير قطعة أرض ليقيم عليها متحفاً، لكنه لم يجد التمويل المناسب بالرغم من تلقيه الوعود من السلطة الفلسطينية أكثر من مرة.