عندما توجّه الرباعي المستقبلي: الرئيس فؤاد السنيورة والنائبان نهاد المشنوق وأحمد فتفت والنائب السابق غطاس خوري إلى جدة، لجوجلة المستجدات مع الرئيس سعد الحريري وبلورة موقف «المستقبل» منها
ناصر شرارة
عندما توجّه الرباعي المستقبلي: الرئيس فؤاد السنيورة والنائبان نهاد المشنوق وأحمد فتفت والنائب السابق غطاس خوري إلى جدة، لجوجلة المستجدات مع الرئيس سعد الحريري وبلورة موقف «المستقبل» منها، علّق مرجع سياسي كبير في 8 آذار قائلاً: «المهم أن ينجحوا في حل خلافاتهم، قبل أن يحلوا مشاكل البلد»، معتبراً أن «المشكلة التي يعانون منها هي في وحدة القرار في السعودية، بأكثر مما هي في لبنان». واسترسل المرجع في حديثه قائلاً «منذ فترة، تأتينا مواقف باسم تيار المستقبل، لا موقف واحد»، لافتاً إلى أن «هناك مستقبليّين، لا تيار مستقبل واحد، كما في السعودية هناك سياسات سعودية، لا سياسة واحدة».
توازياً مع زيارة الوفد، وجّه رئيس المجلس النيابي نبيه بري رسالة غير مباشرة إلى المجتمعين في جدة، دعا فيها الحريري للعودة الى منزله في بيروت، قائلاً أن «في استطاعته الترشّح إلى رئاسة الحكومة، وسندرس» الأمر». تعكس هذه الدعوة، بحسب مصادر فريق الثامن من آذار « وجود اقتناع بأن الحريري أصبح قاصراً عن إدارة جماعته في لبنان عن بعد بواسطة الريموت كونترول، حيث أصبح المتفلّتون من بين ثنايا عباءته الزرقاء كثراً». وقد شكل هذا الموضوع، بحسب معلومات متقاطعة، الوجبة الرئيسة على طاولة محادثات جدة. وخلالها انتقد الحريري بحدة ظاهرة فتح دكاكين سياسية داخل المستقبل، حيث بات «كل شخص فاتحاً على حسابه».
رسائل الحريري
عاد وفد تيار المستقبل من لقاء الحريري في جدة، وفي جعبته الكثير من الرسائل السياسية، لعل أبرزها، تلك التي وصلت إلى رئيس الحكومة المكلف تمام سلام. تقول الرسالة ان «المستقبل لم يبدّل رأيه في ما يتعلّق بموضوع تشكيل الحكومة»، وإنه لا يزال «مصراً على تشكيل حكومة انتقالية حيادية ليست من الأطراف السياسية، تستمر حتى انتخابات رئاسة الجمهورية التي يزف موعدها بعد أشهر عدة»، وأن «المستقبل يدعم جهوده لتحقيق هذا الأمر». والجدير بالذكر أن الحريري لم يكتف بما نُقل عنه للرئيس سلام عبر نوابه، فاتصل به مجدّداً له الدعم. وفي وقت حُكي فيه عن وجود فيتو حريريّ نقل إلى سلام على تشكيل حكومة أمر واقع، لأنها «ستغرق الشارع في حالة فوضى في وقت غير محسوب، ما يجعلها دعسة ناقصة»، علمت «الأخبار» أن «هذا الأمر تمّ التداول فيه بين الحريري والوزير وائل أبو فاعور الذي زاره أخيراً في المملكة، بتكليف من النائب وليد جنبلاط، أبلغه فيها تمني الأخير التريث في تشكيل حكومة الأمر الواقع، وبعد اقتناع الحريري، طالب الأخير الرئيس سلام بالتروي».
وفي إطار نقاش المواقف المطلوب بلورتها من الملفات الساخنة في جدة، عرض الحريري ثوابت نقلت إلى سلام، أبرزها أنه لن يشارك في حكومة «فيها ثلث معطّل أو معادلة الشعب والجيش والمقاومة»، ولا سيما أن «حزب الله ترك الجيش والشعب وذهب وحده للقتال في سوريا إلى جانب نظام بشار الأسد». ولا يعني ذلك أن المستقبل يُقاطع الحكومة السلامية، بل لأنه «لا يجد جدوى من أن يجلس وزراء المستقبل مقابل وزراء حزب الله في حكومة سياسية، ذلك أن التجارب السابقة الخاصة بهذه الصيغة أدت الى شل العمل الحكومي وأثبتت أنها من دون فائدة»، كما «لن يكون ممكناً التوقع من حكومة سياسية إلا ارتفاع حدة التشاجر في كل جلسة تعقدها، بين محمد فنيش أو محمد رعد من جهة، وفؤاد السنيورة أو أحمد فتفت من جهة أخرى». وتم إبلاغ سلام انطلاقاً من وحي نقاشات اجتماع جدة، أن «المستقبل لم يعد يثق بشراكة حكومية مع حزب الله. وواقعة ما حدث في آخر حكومة شراكة سياسية لا تزال ماثلة كعلامة مؤذية في ذاكرة الحريري الذي أقصاه الحزب عن رئاسة الحكومة في اللحظة التي كان فيها مجتمعاً بالرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، متجاوزاً الحزب بذلك التزامه أمام كل المجتمع الدولي في الدوحة بأنه لن يقدم على استخدام الثلث المعطل». يرى الحريري أن الأمر نفسه سيتكرّر في الحكومة العتيدة «إذا وافقنا على المشاركة مع الحزب، وإلا بماذا نفسر إصراره على نيل الثلث الضامن فيها؟».
الرئيس الحريري حسم قضية ترؤسه للحكومة الآن، فهو «غير راغب حالياً في العودة إلى لبنان ولا في ترؤس الحكومة، سواء هو شخصياً أو من قبل أي شخصية مستقبلية. ومن وجهة نظره، فإن الوقت ضيق، فبعد أشهر قليلة تنعقد انتخابات الرئاسة الأولى، وسيكون هناك رئيس جمهورية جديد، وعندها سيسقط حتماً مرسوم التكليف للرئيس سلام أو لأي شكل حكومي قائم، وذلك لمصلحة إنتاج حكومة جديدة».
على صعيد آخر، أطلق الحريري في لقاء جدة لاءات عدة: لا للمشاركة في طاولة الحوار قبل تشكيل الحكومة، لا لحضور جلسات مجلس النواب في ظل حكومة تصريف الأعمال في أي موعد يحدده الرئيس بري. مع العلم أن مصادر المستقبل تؤكّد «عدم مقاطعة مجلس النواب، حيث سيحضر نواب الكتلة الجلسات، حسب جدول أعمالها». أما في موضوع الحوار فتقول أن «لا مقاطعة مستقبلية لطاولة الحوار التي تُعدّ المكان الأساسي لحلّ الخلاف السياسي»، وهي «الوسيلة الأفضل للنقاش خارج الحكومة».
في موضوع التمديد لقائد الجيش الجيش العماد جان لقهوجي، فالمستقبل معه، لأنه كما تقول مصادره «حريص على عدم إحداث أي فراغ في المؤسسة العسكرية»، ولأن «لا آلية طبيعية اليوم لتعيين قائد جديد للجيش، فالمستقبل موافق على الصيغة التي اقترحها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان».
لا يريد المستقبل رؤية المجلس يمارس دوره التشريعي أو أي نوع من المساءلة النيابية في ظل الحكومة المستقيلة، لأن ذلك يشجع على جعل البلد يدخل مرحلة «حكم المجلسية» (نسبة إلى مجلس النواب). والسؤال الذي يطرح نفسه أمام كل هذه المواقف الآنفة التي تبناها اجتماع جدة بوصفها ثوابت تيار المستقبل، هو ماذا يريد الأخير فعلاً؟
هذا السؤال بحسب مصادر موثوقة تمت مقاربته في الإجتماع، وخلص إلى السيناريو الآتي: سيحل موعد انتخابات رئاسة الجمهورية وسط احتمال شبه مؤكد بعدم التمكن من إجرائها، وحينها سيدخل لبنان في فراغ رئاسي يواكب الفراغ الحكومي المحتمل بشدة استمراره، بالإضافة الى مجلس نواب لا يعمل. ومع نشوء هذا الوضع، سيوجه إصبع الاتهام بالمسؤولية عن كل هذا الفراغ الى حزب الله! بقيت الإشارة الى أن موقف المستقبل من حزب الله، كما عكسته أجواء نقاشات اجتماع جدة، لا يعبر عن الخصام السياسي له، بل عن «الحقد» عليه؛ فالحريري لن ينسى إهانة إقصائه لحظة كانت عيناه مسمرتين بعينَي الرئيس الأميركي في المكتب البيضاوي، والأمير بندر لن ينسى ما فعله حزب الله في القصير! وهناك رأي إضافي في تقويم اجتماع جدة، وهو أن كل قراراته تعبّر في العمق عن إفلاس هذا الفريق في مجال أخذ مواقف عملية من الملفات الساخنة المطروحة داخلياً، ولذلك فإن القرار الممكن بالنسبة إليه هو «المراوحة».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه