مقابلة لموقع المنار مع الدكتور عبد اللطيف عمران رئيس مجلس إدارة صحيفة البعث السورية حول التغييرات الجذرية التي أجرتها قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي
خليل موسى – موقع المنار - دمشق
في مقابلة مع الدكتور عبد اللطيف عمران رئيس مجلس إدارة صحيفة البعث السورية حول التغييرات الجذرية التي أجرتها قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي مؤخرا وشملت عددا كبيرا من اعضائها خاصة في القيادة القطرية، أطلعنا على أهم الاسباب والمتغيرات، وعلى الواقع الحالي للأعضاء الجدد والخطط التي يمكن لهم من خلالها بناء المرحلة الحالية والعمل.
مقابلة تميزت بالجرأة والموضوعية في الإجابات على أسئلتنا، كما شملت الأجوبة الحديث عن مواقف للرئيس الاسد وعن عمل كتائب البعث التي تقاتل اليوم في الميدان الى جانب الجيش العربي السوري. الدكتور عمران شدد على دور الشباب السوري وخاصة البعثيين ، وما طرأ من اختلاف في موقف كثير من الشباب البعثيين قبل وبعد التغييرات التي أجراها الحزب.
وفيما يلي نص المقابلة كاملة :
السؤال الأول :
دكتور عبد اللطيف، حزب البعث العربي الاشتراكي منذ فترة طويلة لم يقم بهذه التغييرات ولو جزئيا في القيادة القطرية، اليوم ما سبب هذا التغيير الجذري والمفاجئ، ولماذا في هذا التوقيت بالذات ؟
كثير من المؤسسات الحزبية والوسائل الإعلامية طرحت هذا التساؤل، وهو مشروع صحيح من حيث حجم التغيير التنظيمي الشامل، إلا أن جماهير الشعب والحزب ما زالت تنتظر من القيادة السياسية أنجاز التغيير الفكري والمنهجي المكمل للتغيير التنظيمي الناجز، والواقع هذه هي المرة الثالثة التي يحدث فيها تغيير بهذا الحجم، فالأولى كانت في 23 شباط 1966 ، والثانية في 16 تشرين الثاني 1970 ، واليوم في 8 تموز 2013 في اجتماع اللجنة المركزية الموسَّع للحزب، وما ورد في سؤالكم وصف للتغيير بانه جذري ومفاجئ صحيح، جذري من حيث عدم بقاء أي عضو قيادة قطرية سابق في القيادة الجديدة، وحتى رئيس الدولة ورئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء، فهم بحكم المنصب، أما مفاجئ فهذا واضح لاعتبارات أمنية أولا، ولمعطيات ميدانية، ومحلية واقليمية ودولية أيضا، تمكنت الدولة الوطنية بقوتها وحزمها وثباتها وبقيادة الرئيس الأمين العام القطري للحزب من إجراء التغيير المنشود والذي تتطلع إليه جماهير الشعب والحزب.
السؤال الثاني:
هناك اعضاء في التشكيلة السابقة للقيادة القطرية أصحاب مناصب ومسؤوليات حساسة في الدولة ، هل سيؤثر ذلك على مسؤولياتهم في السلطة وهل هناك علاقة اساسا بين هذه وتلك خاصة بعد ازالة المادة الثامنة من الدستور ؟
لا لن يؤثر ذلك، فالبعثي الحقيقي هو الوطني والعروبي في أي زمان ومكان، أما المادة الثامنة في الدستور السابق، فهنا لا شبهة طويلة لحقت بها في تاريخ البعث والسلطة، وأرجو ان تحتفظوا بهذا التوضيح الذي بيَّنت الوقائع ان كثيرا من المتابعين يجهلونه، وإليك بيان ذلك بالتفصيل:
أ- المادة الثامنة في الدستور السابق الذي أُقر عام 1973 وساعد عليه ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية الذي وقعته الاحزاب الوطنية عام 1972 ، كانت موجودة بصيغ تمهيدية في الدساتير المؤقتة للبلاد قبل الحركة التصحيحية عام 1970 ، ولا سيما في الدستور المؤقت عام 1964 .
ب- كانت وطأة سلطة الحزب في الدولة قبل إقرار هذه المادة بعشر سنوات أثقل واقوى، بل وصلت إلى حد الإقصاء والتعسف وأكثر من ذلك، وحين أُقرّ الدستور السابق وفيه هذه المادة فإن ذلك ترافق مع تشاركية واسعة مع اطياف القوى السياسية في المجتمع السوري بتعددها، البعثي والناصري واليساري والليبرالي، دون إقصاء المكوِّن الإسلامي الحضاري في هذا جميعه، ومع العكس في هذه المادة توسعت دائرة المشاركة بصنع القرار في سورية.
ت- المادة الثامنة تنص " أن حزب يقود في المجتمع والدولة ومن خلال مجموعة احزاب تتشكل منها الجبهة الوطنية التقدمية " ، وطيلة ثلاثين عاما والناس تقرأ المادة بشكل مخالف فيقولون البعث قائد للدولة والمجتمع، وهذا غير صحيح أبدا، والمعنى المعجمي للحرف (( في )) ذو مدلول سياسي كبير، وقانوني وفقهي يعرفه المشرِّعون السوريون الكبار في السبعينات.
ث- فقدان المادة الثامنة من الدستور السابق في الدستور الجديد، على عكس ما يتصور الناس، فهو خسارة لأي امتياز دستوري كما يظن البعض، فالواقع إن نجاح البعثيين بأغلبية في انتخابات مجلس الشعب والإدارة المحلية ومجالس المنظمات والنقابات المركزية والفرعية، نقل البعث من حزب قائد بالمعنى الفضفاض السائد خلال ثلاثين سنة، والذي ضعضعه بسهولة، مثلا: مفهوم او ممارسة اقتصاد السوق الاجتماعي، نقله إذاً إلى حزب حاكم حائز الاغلبية التي تعطيه سلطة أقوى بكثير في إدارة شؤون البلاد والعباد، مع ذلك هو لم يمارسها، وأعتقد انه لن يمارسها، على غرار ما تفعله الاحزاب التي تفوز بالانتخابات في بلاد الغرب.
السؤال الثالث :
ما هي طبيعة اعضاء القيادة الجدد وعلى أي أساس تم اختيارهم؟
جميع الرفاق في القيادة الجديدة مروا بمراحل تأهيل فكرية وتنظيمية وقيادية، من عضو قيادة فرقة، إلى قيادة شعبة إلى فرع أو لجنة مركزية في الحزب، وجميعهم مضى عليه اكثر من ربع قرن في هذا العمل على الرغم من حداثة سن بعضهم، وهم في مؤسساتهم وبين أصدقائهم وزملائهم يحظون بالاحترام والتقدير، وكذلك بالأمل بالتوفيق والنجاح؛ وكانت أسس اختيارهم تتعلق بالمعايير التي ذكرناها أعلاه، إضافة إلى المسالة الجغرافية من حيث توزع قيادة فروع الحزب في سورية على المحافظات الأربع عشر، وعلى ثلاثة فروع في الجامعة أيضا، إلى التوزع في الاختصاص، فمنهم المتخصص في الهندسة، ومنهم من هو في الأدب ولعلوم الاجتماعية، وكذلك في الطب والفيزياء والقانون... وفوق ذلك كله المعيار الوطني والأخلاقي المتوافران واللذان نأمل أن يقترِنا بالفعالية والتغيير المنشود والنجاح.
السؤال الرابع :
دكتور عبد اللطيف.. من كل تغيير لا بد ان هناك نتائج مرجوة ، ما هي النتائج المرجوة من هذا التغيير في صفوف القيادة القطرية ؟؟
هذا يقودنا إلى نقد عمل الحزب ولا سيما في المراحل السابقة، فكل نقد موضوعي تعرّض له الحزب في المرحلة السابقة، وبرغم كثرته وتعدد اتجاهاته، فالمرجو من القيادة الجديدة أنَّ تتجاوزه وتنجح في معالجته، واعضاؤها لا يجهلون هذا النقد بفروعه واتجاهاته، بل يعرفون بدقة، وكانوا من مثيريه، والذين رسموا في الأحاديث المؤسساتية والجانبية سبل الحل، وبالمناسبة ليس من الصعوبة ذكر النتائج المرجوة، وهي كثيرة منها: صدق الإحساس بهموم الناس من خلال تعميق التواصل معهم ، مغادرة الطروحات التقليدية مثل القول " العودة بالجزب إلى دوره السابق في السلطة والمجتمع.." فالحقيقة لا شيء يعود بالصورة التي كانت عليه، وإذا عاد بتلك الصورة فهذا ليس تغييرا، بل من صور الرجعية.
الانفتاح والتغيير والديناميكية أيضا مما نرجوه كما التواصل مع الشباب، والأحزاب والأفكار والطرائق في المنطقة والعالم. من النتائج المرجوة أيضا الانطلاق من أن الشرائح الشابة في الوطن العربي تتطلع إلى سورية بحق وترنو إليها سبيلا مهما للخروج من الأزمة، والحقيقة فإن المراجعة النقدية التي قدمها الرفيق الامين القطري للحزب في مقابلته مع صحيفة البعث، بوضوحها وقوتها، تقدم دليلا ونهجا تفصيليا، للعمل القادم للحزب على مستوى القيادات والكوادر والأفراد، وتحقيق ما تفضل به السيد الرئيس هو المرجو من جماهير الحزب، والشعب أيضاً.
السؤال الخامس :
في كل مؤسسة لا بد من وجود اخطاء قد تؤثر أحياناً على عملها ولو بشكل جزئي ، بالتقييم العام للفترة الماضية ما هي أهم الأخطاء التي وجدها حزبكم ، ربما تكون أثرت على إدارته للأزمة ؟؟
من أهم الأخطاء التي انتابت الحزب على مستوى القيادة والكوادر، هو الخوف والخجل من الاعتراف بقصور العامل الذاتي، ولذلك فقد ذهبت قيادة الحزب والدولة بعيدا في تجاوز هذا العامل، ومضت في اتجاهين أساسيين للتبري، وهما في الحقيقة اتجاهان واقعيان، لكن ليس كافيين بمفرديهما على الإطلاق، الاول: محاولة الافادة المطلقة من نظرية المؤامرة ، والثاني: التركيز المكثف على البعد الخارجي في الأزمة؛ هذان الاتجاهان ساعدا الرفاق في قيادة الحزب والدولة على الانسحاب من المسؤولية الذاتية عن الخطأ، وتركيزها من حيث لا يدرون برأس الهرم الذي وعلى العكس بادر منذ اليوم الأول للازمة وقدم إحاطة مشهورة، بيَّن فيها بجرأة وشجاعة ووضوح أثر العامل الذاتي والداخلي في الوقت الذي كان يدري فيه بدقة حجم المؤامرة وأبعادها.
والواقع هذا من الكبائر في الأخطاء والذي تنحو على ضفافه وتتوالد أخطاء أخرى، منها غياب المبادرة الذاتية، ضعف الصلة بين الجماهير على الرغم من أن الامين القطري للحزب، أمضى أشهرا طويلة وساعات طويلة كل يوم في الاستماع الى الناس وفي مشاركتهم طروحاتهم وهمومهم وتطلعاتهم، إلا أن بعض المؤسسات الحزبية كانت وللأسف في وادٍ آخر، والأخطر المنظمات والنقابات التي لم تقم بدور مهم في أغلبها.
السؤال السادس :
دكتور عمران .. ما هي اهم التوجيهات التي طرحها الرئيس الاسد خلال عقده الاجتماع الاول ووالاعضاء الجدد للقيادة، وهل من جديد في رؤية الرئيس الأسد في خطة الحزب ؟؟
التغيير والتوجهات والاجتماع، كل ذلك تم في ظل الأزمة القائمة، هذه الظلال يمكن أن تتحول إلى أمل وقوة ونجاح إذا انطلقت المؤسسات الحزبية في عملها القادم من الآفاق الرحبة التي تتضمنها كلمة السيد الرئيس في اجتماع اللجنة المركزية الموسَّع ، ولا سيما من خلال المراجعة النقدية الموضوعية والذاتية، إضافة إلى العرض السياسي والتنظيمي والاجتماعي المهم، وهذا ما يستدل منه على جديد في رؤية سيادة الرئيس، وأقول يُستدل استدلالا لأن ترجمة ذلك فعلا واقعيا هو المنتظر في الأيام القليلة القادمة من القيادة الجديدة، وفي الإطار العام فلا شيء يعلو أو يتقدم على ضرورة معالجة الأزمة، وإعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد، وتعزيز الوحدة الوطنية التي تميزت بها سورية سابقاً على كافة بلدان العالم.
وحتى نصل إلى ذلك فإننا حقيقة نحتاج إلى رؤية جديدة في العمل المحلي والوطني والقومي، وللرئيس الأسد توجهات واضحة محددة ومعروفة في كل المجالات، ويبدو أن القيمة العالية لهذه التوجيهات كانت من أسباب استهداف البلاد ورموزها الوطنية والتاريخية.
السؤال السابع :
دكتور.. لو خصصنا الشباب بسؤالنا هذا ، كما خص لهم البدايةَ الرئيس لأسد بتوجيهات معينة ، ما هي رؤيته تجاه الشباب وبماذا خصهم ؟؟
في الواقع هناك ردة فعل واعدة آخذة في التفاعل والتنامي بين الشباب من حيث وتيرة الإحساس بالكرامة الوطنية والعربية، فيبادر اليوم كثيرون منهم إلى البحث والانخراط في صفوف العمل الوطني التطوعي، ويسأل السلطات والمؤسسات عن الدور المميز الذي يبدي الشباب استعدادا للقيام به، وعلى سبيل المثال فقد كان هناك عدد كبير من الشباب الذي ترك التنظيم البعثي، أو تردد في الانضمام إليه، هؤلاء اليوم غادروا المنطقة الرمادية وانضموا بقوة وفعل والتزام إلى صفوف البعث في مختلف المحافظات لمقاومة ومقاتلة التكفيري ورعاتهم الرجعيين والصهاينة، فشبابنا اليوم حقيقةً عليه الرهان شباب في الميدان، وفي الإعلام، وفي العمل التطوعي، وفي وسائل التواصل الاجتماعي والالكتروني، ومن هنا على القيادة الجديدة ان تولي هؤلاء الاهتمام والمتابعة أكثر مما سبق، وللحقيقة فإن الحديث مع هؤلاء الشباب أوضَحَ أنهم لا يريدون ان نعطيهم للقيادة دوراً ولا ينتظرون هذا الدور، لانهم بادروا وانتزعوه انتزاعا وإيمانا منهم بأن الذي يُعطي يستطيع أن يأخذ، ولذلك بادر الشباب وسجلوا حضورا غير مُمْلى عليهم إلا من حرارة إحساسهم فالشباب.. الوطنية في عروقهم.
السؤال الثامن :
هل هناك أي دور من جانب البعث تجاه الجولان باعتبار ان كتائب البعث تأسست من أجل العمل على تحرير الاراضي المحتلة خاصة بعد ما صرحت به القيادة السورية عن فتح جبهة الجولان ؟؟؟
سؤال مهم ، وكان محور الإجابة المتميزة للسيد الرئيس على السؤال الاول من مقابلته مع صحيفة البعث، وللتاريخ فإن تحرير الأراضي العربية المحتلة كافة هي من استراتيجية البعث وأهدافه، والقيادة السياسية في سورية، والبعثيون من أهم أطيافها من حمَلَة المشروع القومي الأقوياء ضد المشروع الصهيوني بأبعاده الأطلسية والرجعية العربية، ونحن غايتنا أن نقاتل في وقت واحد هذا التحاف "الصهيوأطلسي" الرجعي، فمعركتنا مع التكفيريين والظلاميين تعزيز للمعركة مع الصهاينة، فالأذرع الرجعية هي نفسها الأذرع الصهيونية، والنضال لكسر هذه الأذرع هو نضال لتحرير الجولان وغيره من الأرض والإرادة والكرامة، والبعث قدم شهداء كثر ضد الصهاينة، واليوم يقدم البعث مئات الشهداء، منهم ثلاثة من القيادة القطرية للحزب، ومنهم من اللجنة المركزية والمئات من قيادات الفروع والشُّعب والفرق، إضافة إلى شهداء جيشنا العقائدي البطل، فتحرير الجولان رديف تحرير بلادنا وأمتنا من عصابات الإجرام والقتل، فالراعي والداعم واحد، وسحق هذه العصابات إضعاف حقيقي للمشروع الصهيوني الرجعي.