حصلت «الأخبار» على معطيات جديدة عن العبوة، أبرزها أن زنتها ليست 20 أو 30 كيلوغراماً من المتفجرات، كما شاع في الاعلام، بل 130 كيلوغراماً «على الأقل».
ناصر شرارة
تقاطعت معلومات أمنية حول متفجرة بئر العبد مع توصيف رئيس المجلس النيابي بأنها بداية مسار تصعيدي أمني الهدف منه، بحسب مصادر مطلعة، إرباك حزب الله بالضغط على بيئته العاملة في الخليج وتلك المقيمة في لبنان، عقاباً على مشاركته في الأحداث السورية.
مضى حوالى ثلاثة أسابيع على متفجرة بئر العبد، ولا يزال التكتّم يحيط بتفاصيلها. فالمعنيون بمتابعة هذه القضية يحرصون على إبقاء الخيوط المكتشفة عنها بعيدة عن التسريبات، رغم تأكيدهم أن الكثير من هذه الخيوط تقود إلى معرفة الجهات التي تقف وراءها. وحصلت «الأخبار» على معطيات جديدة عن العبوة، أبرزها أن زنتها ليست 20 أو 30 كيلوغراماً من المتفجرات، كما شاع في الاعلام، بل 130 كيلوغراماً «على الأقل».
كذلك فإن عصف العبوة لم يوجّه أفقياً بل عمودياً نحو الأسفل. وتضاف الى المعلومات الآنفة معطيات أخرى يجري التحفظ على كشفها، وهي تتقاطع لتدعم الاستنتاج بأن هدف المتفجرة، بحسب مصادر مسؤولة، هو «توجيه رسالة صوتية». فالجهة المخططة تقصّدت وضع العبوة في منطقة قصيّة داخل مرأب السيارات، ووجهت عصف انفجارها نحو الاسفل، ولكن في الوقت عينه بالغت في زنة حشوتها ليكون لها صدى انفجار قوي جداً. والاستنتاج الأساس الآخر هو أن الجهة المنفذة جهاز محترف وليس مجرد جماعة أو تنظيم مهما بلغ حجمه وارتقت قدراته.
وهناك ميل في المحافل المعنية إلى الموافقة على التقدير الذي كان أطلقه رئيس المجلس النيابي نبيه بري للعبوة. فهو لم يعتبرها رسالة سياسية، بل بداية مسار تصعيدي أمني. وتؤكد أنها بالفعل ليست رسالة سياسية بل صوتية، بمعنى أنها «تشبه عملية تلقيم السلاح، في إشارة الى البدء بإطلاق النار». وعكس بري هذا الجو قائلاً: «نعم أنا خائف على الوضع الامني، ولدي معلومات تبرر خوفي».
وفي موازاة هذه المعلومات، تؤكد مصادر مطلعة وجود قرار دولي وعربي أو بالأحرى لدى بعض المستويات الامنية العربية الفاعلة في بلدانها، خصوصاً في السعودية، بإلهاء حزب الله والتسبّب له بحال إرباك. وتشير هذه المعلومات إلى دور مهم لرئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر بن سلطان في تنفيذه.
وتنفي المصادر حصول أي اتصالات جرت بعد متفجرة بئر العبد، مع الرياض، للبحث في الصلة القائمة بين قرار إلهاء الحزب ودور تنفيذي لبندر فيه، مشيرة الى استحالة الحصول على أي ضمانة من هذا القبيل، نظراً إلى أن الدول التي يجب اللجوء إليها للحديث معها بهذا الشأن تشهد عدم مركزية للقرار فيها. وعليه، ليس مضموناً التزامها بأي ضمانة تقدمها الجهة العليا فيها، مثل السعودية التي تعيش مرحلة تناتش للسلطة بين أمراء الجيل الثاني.
ومن خارج هذه المعادلة، يحتفظ بندر، الموجود خارج دائرة الصراع على الملك، بوضعية رجل أميركا القوي المكلف داخلياً بحراسة عملية انتقال العرش من الجيل الأول إلى الثاني، وخارجياً بمهمة قيادة الأجندة الأمنية السعودية اللصيقة الصلة بالسي آي إيه وبمصادر قرار عليا في المؤسسات الاميركية. وفي تطور على صلة بدور بندر الأمني في لبنان وسوريا، أفادت المعلومات أنه زار قبل حوالى 15 يوماً الولايات المتحدة والتقى مسؤولين كباراً في وكالة الاستخبارات وفي البيت الأبيض، وتوّجت لقاءاته بلقاء غير معلن مع الرئيس الاميركي باراك أوباما. وبحسب ما تسرب عنه، فإن الأخير وافق على الطلب السعودي بأن تصبح الرياض الجهة العربية الوحيدة المكلفة بالتعاطي مع الساحتين اللبنانية والسورية، شرط أن يكون بندر هو المكلف حصراً بإدارة هذين الملفين.
منسوب التورط
وتلفت المصادر عينها إلى أن قرار إلهاء الحزب، الذي يحظى بغطاء دولي، يطبق بمنسوب مختلف من العدائية بين دولة وأخرى داخل محور حلفاء واشنطن. ويظهر ذلك عند مراجعة التفسيرات التي تقدمها دول الاتحاد الأوروبي لقرار إدراج ما سمّي الجناح العسكري في حزب الله على لائحة الارهاب. فبينما باريس تعتبره قراراً أوروبياً مخفضاً ضد الحزب، فإن بريطانيا وهولندا تقدمانه على أنه بداية لبناء سياسة تصعيدية ضده. وتنسحب تطبيقات هذا التمايز على السعودية التي لا يوجد داخلها توحّد حول منسوب التورط المطلوب ضد الحزب في لبنان تحت شعار معاقبته على اشتراكه في القتال في سوريا.
ففي الوقت الذي تذهب فيه أجواء سياسية سعودية إلى تحديد ترجمته بالمجال الاقتصادي حصراً، فإن الاستخبارات السعودية بزعامة بندر تريد بناء شراكة مع السي آي إيه لإيجاد ترجمة أمنية له ضد حزب الله في لبنان، أو أقله أخذ غطاء من الاخيرة ليسير بهذا الامر منفرداً، مع مراعاة أن تكون ضرباته الامنية محسوبة بحيث لا تهز مجمل منظومة الاستقرار في لبنان الذي تلتزم واشنطن بالحفاظ عليه لأسباب على صلة بمصالحها. ويرى التقدير الراغب في فتح حرب أمنية محسوبة ضد الحزب، أن الأخير سيكون معرضاً للاستنزاف جرائها، لكونه لا يستطيع خوض حرب على جبهتين في آن واحد، وأن استهداف قوافله من سوريا وإليها، وأيضاً وضع قاعدته الشعبية بين فكي كماشة العقاب الاقتصادي الجماعي في الدول التي تعمل فيها، وزرع العبوات في مناطقها داخل لبنان، سيخلق عبئاً كبيراً على الحزب، لن يكون بإمكانه التعايش معه لفترة طويلة.
ولكن سياق المعلومات عينه يشير إلى وجود تمايز مستجد بين دول الخليج حول مجمل بنود هذا التقدير، وآخر مظاهره عبّر عنه موقف ورد إلى بيروت قبل أيام من الدوحة، ومفاده تطمينات أرسلها الحكم الجديد هناك على لسان حكومتها، أكدت أنه لن يتم التعرض للجالية اللبنانية فيها، ونصحت بأن يبتعد الإعلام عن تسليط الاضواء على هذا الموضوع، لأن الدوحة لا تريد إظهار أن هناك مشكلة حول العمالة اللبنانية في قطر أو أي نوع من الازمة.
وفي مقابل ذلك، ترد معلومات مقلقة من السعودية تجاه الأمر نفسه، منها كلام على أن أحد فعاليات الجالية اللبنانية الاقتصادية المعروفين في السعودية من غير الشيعة طُرد للاشتباه في أنه يدعم أعمالاً خيرية في جنوب لبنان. وثمة من يرى أن الرياض أرادت منه التمهيد لتبرير قيامها بسلسلة إجراءت عقابية ضد مقيمين لبنانيين لديها من لون معين. وتنبّه مصادر مطلعة الى تعاون جهات لبنانية مع ضباط استخبارات خليجيين يحضرون الى لبنان لجمع معلومات عن أقرباء لأشخاص يقيمون في دولهم، بغية إعداد لوائح اتهام لهم تمهّد لطردهم. وبعض هؤلاء الضباط نزلوا في الآونة الاخيرة في فنادق لبنانية والتقوا متعاملين لبنانيين لهذا الغرض.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه