23-11-2024 02:59 PM بتوقيت القدس المحتلة

الأكاديمي (المسلم) رضا أصلان فريسة "فوكس نيوز"

الأكاديمي (المسلم) رضا أصلان فريسة

اعتُبر حوار غرين مع أصلان واحدة من أبرز القصص الإعلامية الأميركية فاز حتى اللحظة بنقدٍ شديد اللهجة في عالمي الصحافة والأكاديميا في أميركا، حوار فوكس نيوز مع رضا أصلان معتوه تماماً

سحر مندور / جريدة السفير


رضا أصلان خلال حوار مع المذيعة لورين غرين على "فوكس نيوز"لورين غرين هي مقدّمة برنامج "حوار حيويّ / روحيّ" على موقع "فوكس نيوز" ومراسلة المحطة للشؤون الدينية. أما ضيفها ليوم الجمعة الماضي فكان الأكاديمي الإيراني الأميركي رضا أصلان في حوارٍ باتت تضج به وسائل الإعلام ومواقع التواصل. إذ لم يتخطَّ هذا الحوار (*) الذي استمر لعشر دقائق، عتبة سؤال: لماذا يكتب المسلم عن المسيحية؟ 15 مداخلة لغرين سخّرتها كلها لإثبات مؤامرة تفيد بأن أصلان يسعى لتشويه المسيحية والترويج لنفسه عبر كتابه الصادر حديثاً "زيلوت: حياة يسوع الناصري وزمانه".

ونتيجة لحجم النقد الذي جلبته غرين لنفسها ولمحطتها نتيجة هذه المقاربة، اعتبر معلّقون كثيرون إنها أمّنت للكتاب رواجاً لا يحلم به، مع العلم أنه احتل المركز الثاني في لائحة الكتب الأكثر مبيعاً لصحيفة "نيويورك تايمز" عند نشره في الأسواق مباشرةً. وقد سبق لصاحبه أن أصدر كتاباً ترجم إلى 13 لغة وصنّف من الأكثر مبيعاً عالمياً، موضوعه الإسلام وعنوانه: "لا إله إلا الله: جذور الإسلام وتطوّره ومستقبله".


"غير عادلة"
أفكارٌ قليلة تسلّحت بها غرين، وأعاقت بواسطتها نمو الحوار في أيّ اتجاه آخر، حتى لفتها أصلان إلى أنه يكرّر على مسمعها، للمرة الرابعة، تخصصه الأكاديمي في الأديان، مستحضراً العشرين سنة الأخيرة التي قضاها يدرس شخصية المسيح. وهو يحمل إجازة جامعية في الدراسات الدينية من جامعة "سانتا كلارا"، وماجستير في اللاهوت من كلية اللاهوت في جامعة هارفرد، وشهادة دكتوراه في الفلسفة متخصصاً في سوسيولوجيا الأديان من جامعة كاليفورنيا، وماجستير في الفنون الجميلة من محترف الكتّاب في جامعة آيوا.


لكنها لم تبدُ وكأنها تسمع ملاحظات أصلان الموجهة إليها أو حول الكتاب، وإنما انتظرت صمته أو قاطعته حتى، لتعيد صياغة معنى واحد في عدّة جملٍ استقتها من حملةٍ شنها متطرفو المحافظين خلال الأسبوع الماضي على الكتاب ترافقت مع بدء الترويج له في أميركا، قوامها أن الكتاب مسيء للمسيح لأن كاتبه مسلم.


وبينما هو يقول بأن كتابه يأتي نتيجة أبحاثه كمؤرخ وأكاديمي وليس من إيمانه الشخصي، وبينما يبلغها مراراً بأنها "غير عادلة"، كانت أسئلتها تتوالى على النحو التالي: "أنت مسلم، لماذا تكتب كتاباً عن مؤسس المسيحية؟"، "لماذا شخص مثلك يهتم بمؤسس المسيحية؟"، "لا تختلف نتائج بحثك عمّا يقوله الإسلام حول المسيح"، "أنت تكرر ادّعاءات مزمنة عن أن المسيح تركه ناسه"، "أنت لا تكتب فحسب من موقع محايد كمراقب"، "أنت تسعى للشهرة فقط، فأنا استضفت أكاديميين كثراً كتبوا عن القيامة، كيف من الممكن أن يكون لديك جديد تضيفه عليهم"، ...


ريغان؟!
عندما تسأله: "ما هو جوهر خلاصاتك حول المسيح؟"، يتمكن المتفرج من انتزاع القليل من المعلومات حول عمل هذا الرجل الذي بقي غريباً عنا حتى نهاية المقابلة، إلا لجهة كونه أكاديمياً ومسلماً.. إذ قتلت غرين الحوار مجدداً لمصلحة قفزة سريالية: "كتابك هو فعل تحيّزٍ واضح... كأن يكتب "ديموقراطيّ" كتاباً يفيد بأن ريغان لم يكن "جمهورياً" جيداً". لقد بدا جلياً أن غرين تصنّف على أساس الخير والشر، ألمعْ والضد، ولم تقرأ الكتاب، ولم تقرأ عن الكاتب، ولم تتجهّز لحوارها إلا بلائحة من التعليقات التي لا تقيّم الكتاب معرفياً، وإنما تهدف لمنع المسلم من الكتابة عن المسيحية. مطلبٌ يشبه القانون الأرثوذكسي في لبنان، إذ لا يكتب عن المسيحية إلا الباحث المسيحي، كما لا ينتخب النائب الماروني إلا الناخب الماروني.


لورين غرين بيّنت في هذا اللقاء تمييزها العنصريويبقى ألطف ما في الحوار سعي غرين لمواجهة حجّة أصلان الأكاديمية بالتأكيد مراراً على أن "الباحثين الأكاديميين يختلفون معك أيضاً، وليس فقط الناس العاديين". فاتفق معها بديهياً على ذلك، ما لم يحرجها طبعاً، وإنما دفع بها إلى طرق باب آخر، لتقول: لقد خرجت في مقابلات كثيرة على الناس، ولم تخبرهم بأنك مسلم.. لماذا تخفي ديانتك عنا؟ فضاق به وهو يخبرها بأن ثاني صفحات كتابه توضّح ديانته غير الخفيّة أصلاً، كونه "ربما لا تعرفين، لكنني أعتبر من المفكرين الإسلاميين البارزين في أميركا".


إلى تخصّصه الأكاديمي، سعى الكاتب بلا نوى إلى تبرئة نفسه من تهمها. أبلغها بأنه مهووس بشخصية يسوع، وبأنه من المستحيل أن يسعى لإهانة المسيحية، فأمه وزوجته مسيحيتان، ... لكن شيئاً لم يشفع له معها، هي التي بدأت الحوار بالتعريف عنه بصفته مسلمٌ اعتنق المسيحية ثم ارتد منها إلى الإسلام. يُذكر هنا أن أصلان من مواليد طهران في العام 1972، رافق عائلته إلى أميركا في العام 1979 هرباً من الثورة الإسلامية، ليكبر في سان فرانسيسكو. وهو أستاذ مساعد في جامعة كاليفورنيا بمادة الكتابة الإبداعية، كما اعتبر الأستاذ الأول في تاريخ جامعة آيوا الذي يتفرّغ لتدريس الإسلام.


"معتوه تماماً"
اعتُبر حوار غرين مع أصلان واحدة من أبرز القصص الإعلامية الأميركية لهذا الأسبوع، إذ فاز حتى اللحظة بنقدٍ شديد اللهجة في عالمي الصحافة والأكاديميا في أميركا، يمكن الاستدلال على فحواه مما كتبته إيميلي بسباوم في "ذى نيويوركر": "حوار فوكس نيوز مع رضا أصلان معتوه تماماً، ولقد تعامل هو معه بهدوء شديد". كذلك، حكى الأكاديميون عن "درجة الغباء والجهل المذهلة" التي واجهها أصلان بصبرٍ يجعله "انساناً خارقاً".


وراحت المواقع الإلكترونية تبتكر في مجال إهانة "فوكس نيوز"، إن بالشتيمة المباشرة كـ"أكبر فضيحة لفوكس نيوز / "فوكس" تنحدر إلى درك جديد / التخلّف يبلغ مداه"...، أو بالمعلومات المُدينة، كأن تكون المذيعة ذاتها قد استضافت في حلقة سابقة معمدانياً كتب كتاباً عن الإسلام، ولم تستغرب ذلك.


لقد خاض أصلان أمس الأول نقاشاً مع القرّاء عبر موقع "رديت" التواصلي، أجاب فيه عن سؤال حول ما توقعه من اللقاء مع "فوكس نيوز" قائلاً: "كانت لدي إشارات إلى مآل الحوار توقّعتها نتيجة المقال الهجومي الذي نشرته "فوكس" ضد الكتاب في الأيام التي سبقت المقابلة. فافترضت أن بداية الحوار ستكون كذلك، لننتقل بعدها إلى نقاش فحوى الكتاب. لكني لم أفهم فعلياً ما يجري حتى منتصف المقابلة".


كأي بروباغندا..
المصير الذي لاقاه رضا أصلان في حواره مع غرين لم يخرج عن أدبيات حوار مهووس بفرضيةٍ واحدة لا يريد التطور خارجها، وإنما برهنتها برغم دحضها مراراً وتكراراً. وهي أدبيات نألفها نحن اللبنانيين على شاشاتنا التي يقوم بث كل منها على الترويج لفرضية من فرضيات الأساطير السياسية اللبنانية المؤسِّسة. أدبيات لا تخرج عن وظيفة الإعلام الجديدة القديمة كأداة بروباغندا لفكرة مشتهاة من قبل مالكي هذه المحطة أو الصحيفة ومعظم العاملين فيها. إذ هكذا تكون البروباغندا في عصرنا الحديث، ولن يهمّها النقد، ولربما تعتذر المحطة، لكن بعدما اطمأنت إلى أن رغبتها بإيصال رسالة عدائية إلى فئة من الناس قد تمت تلبيتها.


أصلان بالغ في الصبر، وهي بالغت في الهوس. وبينما كان الموضوع تاريخياً، جعلته "فوكس" صراعاً سياسياً راهناً، ومؤامرة. فلبّ المسألة يكمن في القدرة على تجريد كل مختصّ من أسباب تخصصه، وحصره تماماً في عنصرٍ يؤهله أو لا يؤهله على العمل أساساً في هذا الموضوع أو ذاك.. كأن يُمنع الشخص الأسود من الكلام إلا عن العرق، ويُدان الميسور في مقاربة أجراها عن مسألة الفقر، أو تحتكر "القضية" أسباب استضافة فلسطيني على الشاشة.


التخصص ليس مهماً، ومعرفة الضيف ليست ضرورة حوارية.. فالأهم، بحسب ما أبلغتنا بوضوح "فوكس نيوز"، هو إثبات الفرضية المؤسِّسة والتهم المرافقة لها. ولقد بدت غرين شديدة "الطبيعية" عند نهاية "حوارها" مع ضيفها الذي قضى الدقائق العشر المخصصة له مرفوع الحاجبين متفاجئاً لائماً. بدت مكتفية هانئة، كأيّ مذيعة أنهت للتوّ حواراً وخرجت منه بما أرادته منه.


(*) رابط الحوار:
https://www.youtube.com/watch?v=YY92TV4_Wc0