أن قيادة المؤسسة السياسية الفلسطينية، أي لجنة التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، هي نفسها من قاد الشعب الفلسطيني في كل كوارثه وهزائمه، وهي من يمكنها الادعاء بأنها قدمت في سنوات قليلة تنازلات للعدو
زياد منى / كاتب فلسطيني/ جريدة الأخبار
لا أحد ينكر أن القضية الوطنية/ القومية الفلسطينية قد دُفعت إلى الصفوف الخلفية في الأجندة العربية، الرسمية أو غير الرسمية. أسباب ذلك لا تدخل في عالم الغيب، بل هي نتيجة بديهية لإدارة قيادة المؤسسة السياسية الفلسطينية ظهرها للقضية وللشعب الفلسطيني وشعوب أمتنا العربية، وربط نفسها بقوى الغرب الاستعماري، وتغزلها الدائم بعشق العدو الصهيوني المزعوم للسلام العادل [كذا]! كما أنها نتاج طبيعي لإخفاقاتها وتنازلاتها التي قادت الشعب الفلسطيني إليها؛ لكن هذا ليس موضوعنا الآن.
لا شك في أن القضية الوطنية الفلسطينية لا تزال تمثل الهم الأكبر لشعوب أمتنا، وأنها القضية الوطنية/ القومية الوحيدة التي تَجمعها وعليها تُجمع. ليس ثمة من قضية أخرى توحد العرب، بل يمكن القول إنها القضية الوطنية، بصفتها قضية استعمارية، الوحيدة، التي توحد كل القوى الثورية في العالم. ومن هنا يمكن فهم وضع بعض المؤسسات الخاصة العربية، إعلامية كانت أو غير ذلك، القضية الفلسطينية في مقدمة اهتماماتها وأعمالها ونشاطاتها ودعاياتها. ومن هذا المنظور تردد تلك المؤسسات أن فلسطين قضيتها المركزية وتمثل محور نشاطها.
يمكن أن نصدق بعض هذه المؤسسات الإعلامية وغير الإعلامية، لكن في الوقت نفسه ثمة حاجة، بل ضرورة إلى مراقبة تلك الدعاية للقضية الفلسطينية. بكلمات أخرى، يلاحظ المتابع أن بعض المؤسسات، وسنكتفي في هذا المقال بالتعميم قبل الانتقال في مقالات أخرى إلى ذكر الأسماء والألقاب، والنعوت إن دعت الحاجة، تربط حديثها في القضية الوطنية/ القومية الفلسطينية على نحو غير مبدئي بالدعاية للجنة التنسيق الأمني المتحصنة في رام الله التي يحتلها العدو الصهيوني، والتي تعرف على نحو أفضل باسم الدلع، أي: السلطة الوطنية الفلسطينية.
من المعروف أن قيادة المؤسسة السياسية الفلسطينية، أي لجنة التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، هي نفسها من قاد الشعب الفلسطيني في كل كوارثه وهزائمه، وهي من يمكنها الادعاء بأنها قدمت في سنوات قليلة تنازلات للعدو الصهيوني المغتصب لم يجرؤ كل قادة العرب مجتمعين على تقديمها، علماً بأنها خصتهم في أدبياتها الأولى بنعوت أكثرها تهذيباً كان الخونة وعملاء الإمبريالية وما إلى ذلك من أدبيات تهريجها السياسي والإعلامي، الذي خُدعت به أجيال عديدة من المناضلين الفلسطينيين والعرب.
إضافة إلى ذلك، فإن تلك المؤسسات، موضوع الحديث، وفي الوقت الذي تنقل فيه إلى المشاهدين أو المستمعين أو القراء، بعض جوانب معاناة شعبنا في الأراضي المحتلة على يد العدو الصهيوني، تتجاهل في الوقت نفسه عذاباتنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، إلا ضمن إطار وسمها العدو بنعوت مهذبة!..
لا بأس، لكن المشكلة في أن تلك المؤسسات أو الهيئات، التي تملأ الفضاء الإعلامي بأن قضية فلسطين تمثل محور عملها، تمارس في الوقت ذاته رقابة على معارضي لجنة التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، حيث لا تفسح أي مجال لمنتقديها ومعارضيها، فضلاً عن منتقدي الأداء. فرئيس لجنة التنسيق الأمني تصفه تلك الهيئات بأنه الرئيس، وتضفي على عامليه في مختلف بطاح الأراضي المحتلة عام 1967، صفة الوزراء وما إلى ذلك، وعلى تجمعهم على أنه حكومة، مع أنها لا تحكم أي شبر من فلسطين، ومهمتها الوحيدة تسهيل استكمال العدو الصهيوني ابتلاع فلسطين، لينتقل فيما بعد إلى بقية المنطقة الواقعة بين الخطين الأزرقين في عَلم كيانه، أي النيل والفرات.
الحقيقة المرة وهنا بيت القصيد، التي تعرفها تلك الهيئات موضوع نقدنا هنا، أن ما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية لا سلطة لها، وأنها ومستخدميها يتقاضون معاشاتهم الشهرية من صندوق النقد الدولي، وأنه لا أحد، بالمطلق، يمكنه دخول المناطق الفلسطينية الواقعة اسمياً ضمن نطاق سلطه رام الله أو حتى غزة، من دون إذن مسبق من سلطات العدو الصهيوني. هذا يسري على الفلسطيني، كما على الزائر العربي، مهما كان منصبه أو موقعه، وعلى كل مقيم ضمن تلك الأراضي المحتلة بما في ذلك الرئيس... أعني: رئيس لجنة التنسيق الأمني نفسه.
فعلى سبيل المثال، ظهرت تلك الحقيقة عندما دعا رئيس لجنة التنسيق الأمني محمود عباس سكان مخيم اليرموك في دمشق إلى مغادرة سوريا إثر دخول مجموعات مسلحة إليه، والانطلاق نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة. عندها رفع رئيس وزراء العدو نتنياهو البطاقة الحمراء في وجهه، وذكّره بأنه لا يملك تلك السلطة. لو كان رئيس لجنة التنسيق الأمني مهتماً بمصير الشعب الفلسطيني لما سار أصلاً في طريق الهزيمة - لا إكراه ولا بطيخ -، بمحض إرادته.
ما نريد قوله إن السكوت عن الفظائع والتنازلات المهينة التي ارتكبتها قيادة الهزيمة القابعة في رام الله، ولا تزال ترتكبها، لا يتناسب إطلاقاً مع ادعاء البعض انحيازه إلى فلسطين. فلسطين قضية شعب، أُخرج من بلاده بالقوة، بتآمر أنظمة سايكس بيكو التي بعضها لا يزال قائماً إلى اليوم في بعض دول المشرق العربي، مدعوماً ببقية أجنحة النظام الشرقأوسطي في المغرب العربي.
القضية الفلسطينية لم تكن يوماً قضية حدود أو استبدال الدويلة المسخ بالخيمة، بل قضية تحرر وطني/ قومي. ومن يحاول الجمع بين عدالة هذه القضية والصمت عمن يتآمر عليها وعلى شعبنا، من الفلسطينيين والعرب، فمن غير الممكن عده سوى مشارك في ذلك. إنّ من يدعي أن قضية فلسطين تمثل مركز اهتمامه ومحور عمله، ويذكرنا بهذا ليلاً ونهاراً، إلى درجة أننا أصبنا بالصمم، ولم نعد نسمع ما يقول، فعليه الانحياز الكامل إلى القضية وإلى شروط النصر البديهية كما تراها شعوب أمتنا، لا استخدام عذابات جماهيرنا تحت الاحتلال، وموقع القضية في قلوب أبناء أمتنا العربية، للدعاية غير النبيلة لمؤسساته وهيئاته، مهما كانت طبيعتها.
من يُرِد إرضاء الطرفين فإنما يحاول الجمع بين نقيضين، لكن عليه الاختيار، عاجلاً أو آجلاً، بين الوقوف إلى جانب فلسطين القضية، والدعاية غير البريئة لقيادة فلسطينية سياسية أمنية مرتبطة ارتباطاً عضوياً بكيان العدو الصهيوني.
سنكتفي بما سبق، لكننا، ستكون لنا عودة، إن اضطررنا، لنذكرهم بأن فلسطين ليست سلعة في سوق المزايدات السياسية الرخيصة.