يعيش فريق الرابع عشر من آذار، والمستقبل تحديداً، أزمة سياسية ومالية حادّة، بعدما قررت المملكة العربية السعودية رفع يدها عن لبنان وتجميد «نشاطها» فيه.
ميسم رزق
يعيش فريق الرابع عشر من آذار، والمستقبل تحديداً، أزمة سياسية ومالية حادّة، بعدما قررت المملكة العربية السعودية رفع يدها عن لبنان وتجميد «نشاطها» فيه. منذ فترة، لمست مكونات هذا الفريق تبدلاً في نهج الرياض التي قررت المواجهة مع حزب الله في مكان آخر، على قاعدة أن «مصير لبنان يتحدّد في سوريا».
يروي أحد «الآذاريين» الذين يُشكّلون حلقة وصل في مثلّث قريطم ــــ بكفيا ــــ معراب، كيف يترحّم أصحاب الصالونات السّياسية على العام 2005. كان من اللحظات التاريخية النادرة التي حظي فيها لبنان برعاية سعودية استثنائية، مع كمّ وافر من الدعم المالي والسياسي. يحلُم كثيرون في «ثورة الأرز» لو يعود الزمن إلى ما قبل «غزوة بيروت» عام 2008. منذ ذلك الحين، أصاب الجمود السياسة السعودية في لبنان. من يتذكر بدايات «الربيع» اللبناني الذي ادّعى فريق السيادة أنه كان «السبّاق قي إطلاقه وتصديره إلى العالم العربي»؟ آنذاك، كان الدعم السعودي ينزل على ساحة الشهداء المليونية فيضاناً من المواقف الملكية الداعمة وأوراق العملات التي مكّنت تيار المستقبل من قيادة فريق الرابع عشر من آذار والسيطرة عليه، بصفته خزّان الأوكسيجين المادي الذي تنفّست منه تيارات وأحزاب أعلنت الولاء لآل الحريري بعد 14 شباط. تيارات وأحزاب لم تكُن لتعلَم أن المملكة ستصِل إلى لحظة تُغيّر فيها كل نهجها، فتقّرر وقف دفع المال في لبنان بالطريقة التي كانت تدفعها سابقاً. اليوم، لا يصل إلا الفتات، على ذمة مسؤولين مستقبليين، وزملاء لهم في 14 آذار. حتى المال الذي يُدفَع للمؤسسات الخيرية لا يجد طريقه إلى بيروت. يقول مسؤول في 14 آذار: «كيف يتهمنا خصومنا بتلقي المال السعودي، فيما المملكة توقفت عن دفع المال لمؤسسة خيرية سنية هي جمعية المقاصد الواقفة على حافة الإفلاس؟».
بحسب مسؤولين في تيار المستقبل والقوى الحليفة له، من الواضح أن راسمي السياسة في بلد الشمس الحارقة قرّروا أن يضعوا لبنان جانباً، إلى ما بعد جلاء الصورة السورية. في العام 2005، أوكل فريق الرابع عشر من آذار أمره إلى الأجنحة الملكية، كل بحسب مصلحته. آنذاك، رأى السعوديون أن لا ساحة قتال مؤمّنة ضد حزب الله الا لبنان. سوريا كانت لا تزال في «عزّها». يُشير أحد المستقبليين إلى «الدعم السّعودي الاستثنائي المالي والسياسي، وحجم الأموال التي ضُخّت في جيوب من قرّروا ركوب موجة النضال ضد سلاح حزب الله، بين عامي 2005 و2008». «ظهرت النعمة» على الحريري وحلفائه، بجمهورهم وشخصياتهم ووسائل إعلامهم، في كل الاستحقاقات، قبل أن «تكتشف السعودية أن عاطفتها تجاه 14 آذار لا تؤتي ثمارها، سوى أنها تزيد من حجم كروش الزعماء، وتجدّد موديلات سياراتهم، وتزيد من حجم حراستهم»، بحسب ما يقول. رأت المملكة حينها أن «هذا الدعم ليس هو الوسيلة التي تسمح لها بفرض نفسها على الساحة اللبنانية». عام 2009 قررت أن «تحمي جماعتها في لبنان من خلال الذهاب إلى س ــــ س، لعقد اتفاق مع دمشق، وإدارة اللعبة السياسية مع الحزب إقليمياً». الرغبة السعودية في إدارة الملف اللبناني بطريقة مباشرة، أتت «بسبب عدم تمكّن 14 آذار، رغم المساندة غير المحدودة، من مجابهة فريق سوريا في لبنان». لا ينظر المستقبليون إلى «مملكتهم» على أنها «ناكرة جميل». بل على العكس «قدّمت السعودية كافة أنواع العون قبل أن تُقرّر تغيير جغرافية المعركة مع فريق الثامن من آذار ومحوره»، فاختارت أن «تُطاحنه في سوريا، وكان لها ما تريد».
منذ فترة طويلة، يسخر بعض حلفاء الحريري منه بسبب أزمته المالية. كأنهم يرفضون تصديق حقيقة أن وارث المليارات يبحث عن بضعة ملايين لتسديد ديونه. في 14 آذار اقتناع راسخ بأن «لا شدّة باستطاعتها إضعاف سعد الحريري ما دامت المملكة العربية السعودية تقف في ظهره». الا أن علامة الاستفهام التي تحوم فوق رؤوسهم، تتساءل عن الأعذار التي تمنع دولة بحجم المملكة من إنقاذ الحريري من غرق إمبراطوريته، ولا سيما في ظل ما تسمعه القيادات على لسان شخصيات في تيار المستقبل من أن «الأزمة المادية لشركة سعودي أوجيه ستطول، وأن حلّها أقرب إلى المستحيل».
لكن التغيير الأساسي في شكل التدخل السعودي لا يرتبط بأعمال زعيم تيار المستقبل التجارية، إذ كما يؤكّد مقربون من الرجل «لا يمكن للعطار أن يصلح ما يفسده الزمن». لكن جوهر هذا التغيير طال السياسة ومالها. يعود أحد المقربين من الشيخ سعد إلى «لحظة إسقاط حكومة الرئيس الحريري وإجباره على مغادرة البلاد». يشير إلى «دهشة تعتري فريقه من تقاعس الرياض عن رّد الصاع صاعين إلى فريق أذلّ زعيم السنّة الأول على مرأى من أصحاب البيت الأبيض، لا بل أكثر من ذلك أغلقت في وجهه ووجه تياره مغارة الذهب الذي اعتاد الغرف منها متى اشتهى ذلك». فحتى «الانتخابات النيابية التي طارت، لم تدفع السعودية باتجاه إجرائها في موعدها، تفادياً لدفع المصاريف».
لم يكُن تيار المستقبل ليتوّقع أن يأخذ نهج المملكة في لبنان هذا المنحى: «فالتطنيش السعودي للتيار ضارب طنابو». تتحدث مصادره عن «تأثير هذا التغيير على مركزية القرار في الشارع السنّي»، حين «قررّت الرياض الانفتاح على جميع الزعامات السنية في لبنان، بعدما كانت تُعطي حق احتكار الطائفة للشيخ سعد وحده». تشير هذه المصادر إلى أن «التيار بدأ يلمس هذا التبدّل بعد أحداث 7 أيار، التي حوّلت الحريري من زعيم أوحد إلى سياسي يتقّدم سائر القيادات السنّية». منذ ذلك التاريخ حتّى اليوم «تحاول المملكة إقناع تيار المستقبل بأن الساحة السنية لم تعُد ملكاً له، وأنه لم يعُد باستطاعته الذهاب في اتجاه إلغاء الآخرين». وبحسب المصادر، هذا ما يُفسّر «إعادة البيوتات السنية إلى الواجهة واجتماع السفير السعودي مع أصحابها»، كذلك «إفساح المجال أمام الحركات الإسلامية المتطرّفة لبناء حيثية لها في هذا الشارع، الذي بات أخيراً يتبنّى لغتها على حساب لغة الاعتدال الذي جاهر بها تيار المستقبل». تزامن ذلك، مع توقيف المملكة كل «الشيكات التي كانت ترسل إلى التيار ومؤسساته على بياض، والتي تعاني اليوم من أزمة مالية حادّة تنعكس على الموظفين الذين باتوا ينتظرون أشهراً لتحصيل رواتبهم». تختصر المصادر الدور السعودي الحالي في لبنان بكلمتين «السعودية هاجْرِتنا». هذا أقله ما يظهره المستقبل في معرض مقاربته لحالة الفتور التي سادت ولا تزال بينه وبين المملكة عقب خروج الحريري من الحكومة، وانغماسها في الأحداث السورية، عبر دعمها للمعارضة بالمال والسلاح. ليس هذا فقط. فقد قفزت مصادر في 14 آذار للحديث عن أن المملكة تكاد تكون منسحبة من موقع «مرشد السنة في لبنان. ومن لا يصدّق هذا الكلام، فلينظر إلى أحوال دار الفتوى التي انشق رأسها عن القيادة السياسية للطائفة، للمرة الاولى منذ قيام دولة لبنان. وأين الرياض في هذا الملف؟ لا وجود لها».
يُطمئن المستقبليون أنفسهم رغم غض المملكة بصرها عن مشاكلهم: «لا شك أن حكام المملكة يريدون الانتقام من حزب الله لأنه نجح في إهدار كل ما استثمروه للقضاء عليه داخل لبنان. استثمار دفعوا ثمنه ما يفوق رقم الـ 500 مليون دولار التي صرفها الأميركيون لتشويه صورة المقاومة» كما تقول مصادرهم. على ذمّة هؤلاء، أبلغ المعنيون في البلاط السعودي من يهمّهم الأمر، أن أصحاب القرار في المملكة «يضعون رأسهم في رأس حزب الله»، لكنهم «وجدوا أن الملف اللبناني غير قابل للحلّ، وأن تسويته الفعلية لا تتمّ الا بعد أن تتوَضح معالم المستقبل في سوريا، والتي على أساسها سيُعاد خلط الأوراق». ببساطة تعتبر المملكة أن «مصير لبنان يتحدّد في سوريا».
معراب أقرب إلى قلب السعوديين
تبدو معراب أقرب إلى قلب السعوديين من قريطم. سمير جعجع محبوب في الرياض أكثر من سعد الحريري نفسه. يُمكن أن يكون الحديث غير واقعي، لكنه كلام مروّج له من قبل عارفي الرجلين. رغم ذلك، لا يخفي جعجع أمام زواره خشيته من تبدّل نهج المملكة العربية السعودية في لبنان. ضمنياً، يرقص جعجع فرحاً من تحول المملكة إلى رأس حربة في القتال ضد حزب الله في سوريا، لكنه غير مطمئن إلى قرارها وضع لبنان على الرف، وتوقيف الدعم السياسي والمالي لفريق الرابع عشر من آذار. ففي اجتماع مع عدد من شخصيات هذا الفريق، أكد جعجع أمام الحاضرين أنه «لمس هو الآخر تراجع للدور السعودي في لبنان، لا بل رغبة من قبل المسؤولين فيها في توفير جهد المملكة وجيبها». لم يرمِ الحكيم كل ما في خاطره، لكنه أكد أنه «شعر بالتجاهل السعودي، خلال الخلاف الذي ساد بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل في ما يتعلّق بقانون اللقاء الأرثوذكسي». آنذاك، أرسل جعجع إلى السعودية، طالباً العون من جهة، وطلباً للتأكد بأن تمسّكه بالقانون لن يؤثر على علاقته بهم، فما كان منهم إلا أن ردّوا عليه بالقول ان «القانون الانتخابي شأن داخلي، ولا علاقة للمملكة به»، وأن «كل ما يهمّها هو المواقف الإقليمية».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه