لأي أهداف يستخدم فرع المعلومات شبكة الاتصالات الخلوية الصينية ولماذا كل هذه الشراسة في منع الوزير المختص وفريقه التقني بقوّة السلاح وما علاقة هذه الشبكة بما يجري في سورية؟
"لن أسحب أي عنصر قبل إتمام المهمة"، بهذه الكلمات رد مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي على رئيس الجمهورية ميشال سليمان عندما اتصل به الأخير طالباً منه إخلاء مبنى التخابر الدولي التابع لوزارة الاتصالات من عناصر فرع المعلومات بحسب مصادر مطلعة. مثال بسيط عن شعار "العبور إلى الدولة" الذي رفعته المشيخة الحريرية إبان الانتخابات النيابية التي خاضتها في لبنان وكلفتها مليار دولار، ولكن على ما يبدو فإنّ مصمّمي الحملة الإعلانية للحريري قد ارتكبوا خطأً مطبعياً صغيراً، فالمقصود كان العبور إلى الدويلة إلا أن الدولة سقطت سهواً، أو قصداً!
اليوم ظهر جلياً أن الشعارات الحريرية في مكان والحقيقة بمكان آخر، ورأى اللبنانيون جميعاً كيف تمارس الحريات في وطننا، وكيف يكون لبنان بلداً ديمقراطياً فريداً من نوعه. وكل الشكر للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي لها الفضل الأكبر في مساعدتنا لفهم المعنى الحقيقي للدستور! لا بل المعنى الحقيقي لتمسك الأميركيين بحقيبة الداخلية! فالدستور لم يتبقى منه سوى ذكراه بعد أن قام عناصر فرع المعلومات بإشهار أسلحتهم وتلقيمها في وجه وزير الاتصالات شربل نحاس في مبنى تابع لوزارته، لا بل كادوا أن يطلقوا النار على الرجل في مشهد دهسهم على القانون وهيبةِ الدولة وفرض مشيئة دويلتهم. ولم يكتف ريفي بهذا بل آثر التمرّد على قرار وزير الداخلية ورفض إخلاء المكان ما دفع بالوزير زياد بارود إلى إخلاء مكتبه نهائياً، لتسيطر الميليشيات على أمننا الداخلي!
أما بعد، فالأسئلة التي تطرح هي: لأي أهداف يستخدم فرع المعلومات شبكة الاتصالات الخلوية الصينية الكائنة في الطابق الثاني من المبنى؟ لماذا كل هذه الشراسة في منع الوزير المختص وفريقه التقني بقوّة السلاح وتحت التهديد بإطلاق النار من الدخول إلى الطابق المذكور وفك المعدات؟ وما علاقة هذه الشبكة بما يجري في سورية؟ وهل يوجد معدات أخرى خاف أشرف ريفي من أن تكشف؟
ضربة قاسية لـ"جمعة حماة الديار"
مصادر مطلعة أكدت لموقع قناة المنار أنّه في مساء اليوم نفسه الذي حصلت فيه المشكلة مع وزير الاتصالات (26/5/2011)، قام فرع المعلومات بتفكيك ونقل العديد من المعدات المركّبة في الطابق الثاني والذي بات يعرف بـ"الطابق الأسود"، حيث شوهد عناصر من الفرع وهم يضعون ستة حقائب كبيرة سوداء اللون في ثلاث سيارات انطلقت بها إلى جهة مجهولة، ولم يعد استلام الجيش اللبناني للمبنى ذو أهمية بعد أن هرّبوا ما أرادوا ألا يكشف. وكشفت لنا مصادرنا أيضاً أن فرع المعلومات قام بتركيب ثلاث هوائيات على سلسلة لبنان الغربية وربطها بالشبكة لتتمكن من تغطية ما يصل إلى 70 كلم داخل الأراضي السورية. هذا وأرجعت المصادر أسباب فشل ما سمي بـ"جمعة حماة الديار" إلى ما قام به الوزير نحاس، معتبرة أنه وجّه ضربة قاسية جداً للغرفة التي تدير عمليات أحداث الشغب في سورية.
شبكة الخلوي الثالثة ستار لأجهزة أخرى !
من جهته جزم خبير الاتصالات الدولي رياض بحسون أن هذه الشبكة استخدمت لغايات أمنية، إنما هذه الاستخدامات الأمنية ليست محصورة بما بات معروفاً بالشبكة الخلوية الثالثة أو التي يطلق عليها رسمياً اسم LBN1، فهذه الشبكة رسمية وليست سرية حتى وإن اختلفنا على الطريقة التي تتم بها إدارتها، حيث لا علاقة للهيئة الناظمة للاتصالات بها لا بل من يشغلها هي شركة أوجيرو دون أي مراقبة أو محاسبة. إنما يؤكد بحسون وجود معدات مركبة في الطابق الثاني من مبنى التخابر الدولي لا علاقة لها بهذه الشبكة ودون علم أحد، فالشبكة بحد ذاتها لا يمكن التجسس منها على الناس وتستخدم اليوم كستار لأجهزة أخرى.
وفي هذا الإطار يقول بحسون: "لقد سمح عناصر فرع المعلومات للوزير ولفريقه بالدخول إنما اشترط عدم فك أي جهاز، والسبب في ذلك هو أنه لو دخل فريق "الإنشاء والتجهيز" التابع لوزارة الاتصالات مع الوزير وعاين المعدات المركّبة لما كان اكتشف أي شيء مريب نظراً لافتقاره إلى الخبرة المطلوبة، إنما لو فكّها وأخذها لفحصها كان سيكتشف ذلك، وكان يجب أن يستعين الوزير نحاس بالهيئة الناظمة للاتصالات لأنها تضم خبراء في هذا المجال يستطيعون بمجرّد النظر إلى التجهيزات أن يكتشفوا المعدات الغريبة".
نحّاس أربك ريفي فأسقطه في المحظور
إذاً الأمر يتعدى شبكة الاتصالات الثالثة، فما الذي كان يستميت فرع المعلومات لحمايته؟
يؤكد لنا بحسون، مستنداً على معلوماته الشخصية، أنّ "فرع المعلومات لم يكن في المبنى لحماية المعدات المتعلقة بشبكة الاتصالات، لأنه لو هذا هو السبب لاقتصرت الحماية على بعض عناصر الدرك، إنما كان الفرع يحمي أجهزة قد وضعها مع الشبكة ظناً منه بأن أحداً لن يخطر بباله التفتيش في هذا المكان، وسُرّبت معلومات عن وجود هكذا أجهزة، وهذا الذي دفع الوزير إلى التحرك بسرعة واللواء ريفي اضطر أن يعصي الأوامر كي لا يكشف أمره لأنه لم يجد مفراً آخراً خاصة وأن نحاس كان قد أصبح في مدخل المبنى".
ما فعله نحاس إذن أربك ريفي وأوقعه في المحظور، والبيان الذي أصدره يقع ضمن حدود النكتة السمجة من جهة والفضيحة القانونية من جهة أخرى، فلكي يلقي ريفي بالمسؤولية عن ظهره أصدر بيانا برّر فيه سبب رفضه تلبية أوامر وزير الداخلية وطلب رئيس الجمهورية، بذريعة تلقيه مكتوباً من مدير عام أوجيرو عبد المنعم يوسف يطلب فيه من ريفي تأمين عناصر حماية لهذا المبنى! ويعلّق بحسون على حجة ريفي مستغرباً "نحن لم نكن نعلم بأن التراتبية الرسمية في لبنان تقضي بأن يكون مدير عام شركة أوجيرو في مرتبة أعلى من رئيس الجمهورية! هذا في المضمون أما في الشكل فلا يحق لأشرف ريفي قانونياً حتى أن يصدر بياناً".
فرع المعلومات أراد حماية أجهزته التجسسية
ويضيف بحسون: "هذه المعدات تعمل على جمع الداتا وتخزينها وترتيبها، وهي ليست موجودة فقط في هذا المبنى بل أنا على دراية بوجود معدات مشابهة لها في أماكن أخرى من لبنان، ومن حق فرع المعلومات أن يعمل على جمع الداتا في إطار مهمته لمكافحة التجسس والإرهاب وبشكل خاص الإسرائيلي منه، إنما ما حصل هو أن البعض استخدم هذه التجهيزات للتجسس على بعض الفئات في لبنان بشكل مخالف كلياً للقانون، و المسؤولون هم من ضمن الذين يقوم الفرع بالتجسس عليهم، وهناك نوع من السخافة الرهيبة في بعض الأحيان في التعاطي بهذا الملف، ومن ضمن هذه الممارسات التجسس على الأمور الشخصية جداً لبعض الأفراد".
إذاً بحسب خبير الإتصالات رياض بحسون يمكننا أن نتيقن بأن ما وراء شبكة الخلوي الثالثة هو الأهم، وبإمكاننا الجزم بأن المعدات الأخرى خطيرة جداً وفعالة بشكل أكبر من حيث قدراتها التنصتية والتجسسية، من مراقبة الأصوات والرسائل والبريد الالكتروني والأهم هو قدرتها على تحديد الأماكن.
إستنتاج لو جمعناه مع ما كشفته لنا أيضاً مصادرنا المطلعة بأن فرع المعلومات قام بوصل معدات موجودة بالطابق الثاني بشبكتي "الفا" و "ام تي سي" بلا علم الشركتين، ليخترق قاعدة بيانات المشتركين ويتجسس عليهم، لأمكننا التعرّف ببساطة تامة على دويلة المشيخة الحريرية التي تتجسس على الناس بعد أن أمعنت في تفقيرهم وتجويعهم وقتلهم في تموز 2006 (بحسب وثائق ويكيليكس).
الشيخ سعد الحريري أعلن من موطنه الإنقلاب العسكري على دولة لبنان، ودفع بميليشياته لاستباحة ما تبقى من مؤسسات رسمية في البلاد، تمهيداً لزيارته القريبة لبيروت حسبما أفادتنا إحدى الصحف العربية. لا بل تعدى الحريري ذلك بتصويب سلاح أزلامه بوجه وزير في الحكومة! ويا ليت هذا السلاح وجّه إلى رأس الإسرائيلي عندما كانت القوى الأمنية تشرب الشاي مع ضباط وعناصر دويلة الحريري.