بدا قرار الاتحاد الاوروبي بوضع حزب الله على القائمة السوداء فكرة رائعة خلال حفل الإستقبال الذي ضم وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي حيث قُدم الكحول باسراف في الليلة التي سبقت القرار .
كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: ميساء هزيمة
دمشق
بدا قرار الاتحاد الاوروبي بوضع حزب الله على القائمة السوداء فكرة رائعة خلال حفل الإستقبال الذي ضم وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي حيث قُدم الكحول باسراف في الليلة التي سبقت القرار الذي اتخذ الأسبوع الماضي. ولكن ما إن إنتهى التصويت حتى بدأ الإتحاد الأوروبي يعاني من صداع حاد في الرأس كالذي يعانيه الثَمِل بعد الاسراف في شرب الحكول وذلك بعد ان تكشفت الحقيقة الجلية لقراره المتهور.
يتضح يوماً بعد يوم، بعد المناقشات الدورية لطلب الولايات المتحدة وإسرائيل بوضع حزب الله على القائمة السوداء لأكثر من سنة، وبعد إدراج إسمه في لائحة الإتحاد الأوروبي للإرهاب التي تضم حالياً 26 منظمة و11 كيانا ، أنَّ الإجراءات التي إتخذها الإتحاد الأوروبي لا تصب في مصلحة أحد سوى في مصلحة إسرائيل.
صحيح أن مقر الإتحاد الأوروبي الرئيس لم يكن يوماً يُظهر أي حماسة لإتخاذ مثل هكذا خطوة خشية أن تؤول الأمور إلى ما لا يحمد عقباه بسبب هذا القرار، ولكن الضغوط الأمريكية والبريطانية، والمنشيتات التي صدرت من إسرائيل والتي تقول: "لقد أخبرناكم عن إرتفاع معاداة السامية في أوروبا"، في أعقاب قرار الإتحاد الأوروبي القاضي بوضع المستعمرات الصهيونية غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة على القائمة السوداء في أسابيع سابقة، كان لها دوراً في حدوث ذلك. فمن أجل فض النزاع الحاصل في عملية التصويت في الإتحاد الأوروبي، كان لموظفي وزارة الخارجية الأمريكية دوراً في التأثير على وزارات خارجية الإتحاد الأوروبي ال 28، من خلال التذرع بالهجوم على الحافلة الذي وقع في بلغاريا، حيث كان حزب الله أول المتورطين به، ولكن هذا لا زال غير مثبت. وكذلك إرتكزوا على تورط حزب الله في سوريا كسبب للمضي قدماً بقرار إدراجه في القائمة السوداء التي تتطلب تصويت وزراء خارجية دول الإتحاد الأوروبي ال 28 بالإجماع.
بيد أن المشاكل ظهرت بعد دقائق معدودة من تصويت الإتحاد الأوروبي، وسرعان ما إتضح بأن شراء حصة في مشروع الولايات المتحدة وبريطانيا المشترك الرامي الى وضع "الجناح العسكري" لحزب الله على القائمة السوداء لم يكن بالشيء الدسم في نهاية المطاف.
فنقاط البحث المزعومة التي تناولتها كل من لندن وواشطن لمناقشة وزارات خارجية الإتحاد الأوروبي تضمنت ما يلي:
• سيكون إدراج الجناح العسكري لحزب الله في القائمة السوداء من قبل الإتحاد الأوروبي بمثابة "تعويض" لإسرائيل عن تصويت الإتحاد الأوروبي في وقت مبكر من هذا الشهر على المقاطعة الفعلية للمشاريع الإستعمارية الصهيونية غير القانونية في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
• لن يؤثر هذا الإجراء على اليونيفيل أو على قرار مجلس الأمن 1701 في الأمم المتحدة لأن حزب الله على علاقة جيدة مع قوات اليونيفيل، وهي من المرجح ستستمر في التعامل مع الدول الأوروبية ال 15 التي تشكل قوات الأمم المتحدة، بما في ذلك الدول الخمس الأعضاء في الإتحاد الأوروبي: فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبولندا، وإيرلندا الذين لديهم قوات تقوم بعمل دوريات على الحدود بين لبنان وفلسطين.
• سوف يُرضي هذا القرار غرور إسرائيل التي قد تدعي أنها حققت إنتصاراً في حربها مع حزب الله.
• ستستفيد الأحزاب السياسية اللبنانية المدعومة من بعض الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي ودول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية، من تأليف حكومة جديدة موالية لقوى 14 آذار وتكون مسيطرة، وبالتالي تستطيع أن تضغط بشكل فعال على أعضاء حزب الله الموجودين في البرلمان وعلى صناديق الإقتراع من خلال تلك القائمة السوداء؛ علماً أنه لم يحدد بعد كيف ستجري الأمور بهذا الخصوص.
• من المرجح أن يزيد حجم المساعدات الغربية المقدمة للجيش اللبناني، بقيادة الولايات المتحدة، وهو ما يعني وضع سمعة ومكانة حزب الله الدولية على المحك.
• لن يلحق ضررا بالعلاقات بين لبنان والإتحاد الأوروبي، و أي ردود فعل سلبية ستتلاشى سريعا.
ومع أنه كان هناك أصداء كثيرة لهذا الأمر في بعض العواصم قبل ذلك التصويت غير المدروس، إلا أن فجر الصحوة قد بذغ فور فرز الأصوات. ولا تزال الإنتقادات، والمواقف المحرجة، والشكوك تتواصل من جراء إجراءات الإتحاد الأوروبي المتخذة، وكان هناك أصوات لها آراء مختلفة تصدح رغم الجهود التي تبذلها سفيرة الإتحاد الأوربي في لبنان، أنجيلين أيخهورست، للسيطرة على آثاره الضارة.
فقد سعت أيخهورست، حتى قبل أن يقرر الإتحاد الأوروبي إدراج الجناح العسكري لحزب الله في القائمة السوداء علناً، سعت للحصول على مواعيد للقاء كل من عضو حزب الله عمار الموسوي، مسؤول الإتصالات والعلاقات الدولية، ووزير الدولة محمد فنيش، وكان لها ذلك. أثناء لقائها معهما أكدت مراراً وتكراراً بأن تصويت الإتحاد الأوروبي لن يكون له تأثير على العلاقات مع أفراد "الجناح المدني" للحزب. وأضافت أنه لن يكون لتصويت الإتحاد الأوروبي إنعكاس على الحكومة اللبنانية بأي شكل من الأشكال، موضحةً أن الإتحاد الأوروبي لا يمانع وجود حزب الله كشريك في الحكومة التي سوف تتشكل.
إن "هذا القرار هو بمثابة رسالة سياسية إلى حزب الله رداً على الهجوم الذي حصل في بورغاس/بلغاريا، والذي يُعد هجوماً إرهابياً على الأراضي الأوروبية"، قالت السفيرة أيخهورست.
وأضافت، مع ذلك، أن هذا لن ينعكس على الحكومة اللبنانية على الإطلاق، موضحةً أن الإتحاد الأوروبي لا يعارض مشاركة حزب الله في أي حكومة مقبلة". وصرحت بُعيد لقائها مع وزير حزب الله في الحكومة المؤقتة الحالية: "سنستمر في تقديم المساعدة المالية التي تنال وزارة الوزير فنيش حصة كبيرة منها، ونحن نريد لهذا التعاون أن يستمر أيضاً".
من جهته، ذكَّر نائب حزب الله محمد فنيش، اللبق دائما مع سفيرة الإتحاد الأوروبي الحسنة النية، والذي ظهر انه يتفهم لبعض التعقيدات الدبلوماسية المستجدة جراء اتخاذ الإتحاد الأوروبي لقراره غير المدروس، ذكَّر السفيرة الاوروبية في حديثه معها بأن "إسرائيل قد إحتلت أرضنا لسنوات عديدة، ولم نسمع إعتراضاً واحداً (من الإتحاد الأوروبي)، ونحن كنا نحرص على الحفاظ على علاقات جيدة مع أوروبا، على الرغم من الإرث السيئ الذي أورثته أوروبا لأبناء شعبنا - من القضية الفلسطينية حتى الإستعمار – ومع هذا، أنتم إخترتم أن تعيدوا هذا التاريخ المؤلم الى أذهاننا مجدداً".
وردد الوزير فنيش ما جاء في بيان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بأن القرار الأوروبي سوف يوفر لإسرائيل الغطاء السياسي عن أي هجوم على لبنان في المستقبل، وفي هذه الحالة سيعتبر حزب الله أن الإتحاد الأوروبي شريك في هذه الجريمة". ورداً على هذا أوضحت أيخهورست أنَّ قرار الإتحاد الأوروبي ليس له أي صلة بالمقاومة ضد إسرائيل أو بسيادة لبنان".
لقد كانت مواقف كل من الموسوي وفنيش صلبة وثابتة أثناء لقائهما مع سفيرة الإتحاد الأوروبي أيخهورست، فهما أصرا على أن القرار أهان المقاومة ، واعتبرا أن دوافعه سياسية ، خصوصاً ان نتائج التحقيق في هجوم بورغاس اظهرت انها ترتكز على مجرد إدعاءات وتخمينات، هذا بإعتراف السفيرة نفسها التي أقرت بعدم وجود نتائج قاطعة تؤكد ضلوع حزب في حادث بورغاس الذي اودى بحياة أرواح أبرياء.
إلا أنهما وكما يبدو كانا أثناء إستضافتهما للسيدة آيخهورست مهذبان أكثر مما ينبغي لدرجة أنهما لم يسألا سفيرة الإتحاد الأوروبي على أي أساس ميَز الإتحاد بين "الجناح المدني" و "الجناح العسكري" للحزب. ولكن ليسا هما فقط من بديا في حيرة الى حد ما ، فوفقاً لمحامي عضو الجمعية الأمريكية للقانون الدولي في واشنطن، فإن قرار الإتحاد الاوروبي كان خطأ كبيراً من وجهة نظر القانون الدولي. فهو إعتبر أن مثل هكذا قرار يمكن أن يكون إما أسوأ كابوس يواجه محامٍ دولي أو أنه حلم تحقق، وهذا يتوقف على ما إذا كان المحامي الممثل للإتحاد الأوروبي يحاول كشف لغز "المدني والعسكري" أو يقدم المشورة لآلاف الشركات والوكالات التابعة لدول أعضاء في الإتحاد الأوروبي تريد أن تستمر في التعامل مع الحكومة اللبنانية، مثل اليونيفيل، أو مثل عدد لا يعد ولا يحصى من المنظمات غير الحكومية التي تتعامل دائماً مع حزب الله.
"إنها حقاً فوضى قانونية حقيقية!" هكذا وصف محامي الجمعية الأمريكية للقانون الدولي الإرباك القانوني الذي تسبب قرار الإتحاد الأوروبي. "إن أفضل شيء يقوم به الإتحاد الأوروبي للمحافظة على مصداقيته وعلى العلاقات الدولية في الوقت الراهن فيما يخص هذا الأمر هو أن يتناسى ما قد إقترفت يداه وأن يكف نهائياً عن تنفيذ قراره. عندئذ سيتم إزالة الصفة الجديدة المعطاة للحزب بعد مراجعة بنود القرار فور إنقضاء فترة الستة أشهر التي تنص عليها لوائح الإتحاد الأوروبي. وإلا، سوف يغرق قراره في مستنقع قاعات المحاكم وسوف تتعقد العلاقات السياسية والاقتصادية بين الشرق الأوسط وأوروبا، وسوف يواجه الإتحاد التحديات التي سوف تطرأ من كل حدب وصوب والتي سيكون لها نتائج غير مرجوة على أقل تقدير".
ليس فقط حزب الله، وقائد المقاومة اللبنانية الوطنية، والمحامون الدوليون الأمريكيون هم الذين أعربوا عن قلقهم بشأن الإجراءات التي إتخذها الإتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، إذ يبدو أن الجميع تقريباً تثيرهم المخاوف ذاتها، وردود الفعل هذه أثقلت بدورها كاهل "الإتحاد الأوروبي في الصباح الذي تلا ليلة الهذيان".
يخشى عدد من اللبنانيين أن تؤثر ضربة الإتحاد الأوروبي الهجومية على الجناح العسكري لحزب الله عليهم أيضاً بسبب نعوت "الإرهاب" السامة هذه الأيام، وهذا ما دفع سائق سيارة أجرة سنِي أن يتسائل ما إذا كان بمقدور أولاده الحصول بعد الآن على تأشيرات دخول إلى أوروبا بسبب هذا الحكم؟ فمسألة التأشيرات هي مسألة حساسة جداً للبنانيين خصوصاً إنهم يرون مواطنين عرب يُجبرون على ترك دول الخليج نظراً لإدعاءات تُلفق بحقهم تزعم بأنهم على علاقة أو على صلة بحزب الله. في هذه البلدان هناك مئات الآلاف من اللبنانيين الذين حصلوا على تأشيرات لفترات زمنية طويلة.
فالشعور بعدم الإطمئنان يهيمن على عدد من اللبنانيين المقيمين والعاملين في الخارج الذين يعانون من قلق مبرر ومتوقع بسبب هذا الأمر أكثر من أولئك المقيمين في لبنان والذين تجدهم وكأنهم بمنأى عن حالة الهلع تلك.
إنه لمن الصعب أن تجد في لبنان، حتى بين من ينتقد حزب الله، أي حزب سياسي يؤيد علناً قرار الإتحاد الاوروبي لأنهم يرون أن ذلك في الأساس لن يخدم لبنان.
ففي 27/07/13، أعرب رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، رئيس كتلة المستقبل البرلمانية، وهو ليس حليفاً لحزب الله، عن "قلقه وأسفه للأسباب التي دفعت الإتحاد الأوروبي لإتخاذ قرار وضع ما يسمى بالجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب". وأضاف السنيورة في بيان صدر عن المكتب الإعلامي لكتلته:
"نحن علقنا على هذه المسألة في بيان الكتلة وأعربنا عن أسفنا وأيضاً عن قلقنا إزاء الأسباب التي دفعت الإتحاد الأوروبي إلى اتخاذ مثل هذا القرار، خصوصاً أننا في لبنان تربطنا علاقات صداقة متينة مع 28 دولة أوروبية، وبالتالي لا أحد منا كان يفضل أن يرى هذا يحصل".
من جهته، صرَح صديق السنيورة وزميله رئيس حزب الكتائب أمين الجميل أن قرار الإتحاد الأوروبي لإضافة الجناح العسكري لحزب الله على القائمة السوداء هو "غامض"، لافتاً إلى أن ذلك سيكون له أثر سلبي على البلاد. وأضاف في مقابلة له مع إذاعة صوت لبنان (100.5) أن "هذا القرار قد أربك الوضع اللبناني وسوف يكون له إنعكاسات سلبية على جميع الأمور وخاصة على عملية تشكيل الحكومة". وأشار الجميِل إلى أن القرار يستهدف أعضاء حزب الله الذين هم بنظر حزبه "كالأشباح"، قائلاً: "إن أفراد حزب الله المسؤولين عن عمله العسكري هم أشخاص مجهولون".
حتى المسؤولين الإسرائيليين كان لديهم مشكلة مع قرار الإتحاد الأوروبي. فلقد إنتقد رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" وعضو الكنيست أفيغدور ليبرمان قرار الإتحاد الأوروبي لوضع الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب، قائلاً أنه يجب وضع المنظمة برمتها على القائمة السوداء وليس فقط جناحها العسكري".
وكالعادة، وجد ليبرمان أن بعضاً من معاداة السامية تتربص بالأوروبيين، مدعياً أنهم كانوا يكتفون بمجرد الوصول الى تسوية، إلا أن الإتحاد الأوروبي من خلال قراره الأخير المتعلق بالمستوطنات في الضفة الغربية أراد أن يعاقب ليس الإرهابيين وإنما أولئك (كإسرئيل!) الذين يرفضون الإرهاب ويحاربونه. هذا وصرح ستة مسؤولين إسرائيليين آخرين بينهم كثير الثرثرة شمعون بيرس عن مواقفهم التي تدين قرار الإتحاد الأوروبي.
إن محامي الجمعية الأمريكية للقانون الدولي، المراقب الذي أتينا على ذكره آنفاً، بعيد كل البعد عن كونه يقدم المشورة لوزارة خارجية الإتحاد الأوروبي أو كونه يحلل وينصح قانونياً بإسم الجمعية الأمريكية. ومع هذا، فهو قد وضع الأمور في نصابها الصحيح.
لذا، فإن أفضل ما قد يقوم به الإتحاد الأوروبي الآن وهو يبحث عن طريقة لتفادي الكارثة النفسية الحالية التي يعانيها هو أن لا يقترف ما قد يكون من شأنه أن يأجج الوضع من خلال تلفيق بعض اللوائح الإرهابية المشكوك بصحتها. بل على العكس، يجب على الإتحاد الأوروبي أن يؤكد في غضون ستة أشهر أن قراره المتعلق بالقائمة السوداء الذي إتخذه هذا الشهر جراء ضغوط الولايات المتحدة وإسرائيل كان مجرد هفوة.
فرنكلين لامب يجري بحثاً في لبنان وسورية ويمكنكم التواصل معه عبر بريده الإلكتروني:
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه