وكثيرون يذكرون مشاريع تهويد النقب وتهويد الجليل وتهويد القدس في إطار تهويد كل أرض فلسطين. ويتذكر الكثيرون أيضاً ترك دايفيد بن غوريون الحياة في تل أبيب للاستقرار في كيبوتس «سديه بوكير» في النقب
حلمي موسى / جريدة السفير
كانت «القنبلة الديموغرافية» على مدى العقدين الأخيرين، على الأقل، موضع الخطر الذي يستشعره الكثير من القادة الإسرائيليين، وخصوصاً ممن استخدموه لتبرير ميلهم لقبول التسوية مع الفلسطينيين.
وفي البداية كانت القنبلة لا تشير إلا نحو العرب الذين كان، ولا يزال ــ سواء من بقوا على أرضهم المغتصبة العام 1948 أو الذين خضعوا للاحتلال في العام 1967 - ينظر إليهم على أنهم أعداء. ولكن مع مرور الوقت صار في إسرائيل من يرى أن القنبلة مكونة من عنصرين «لا صهيونيين» هما العرب والحريديم.
وهكذا بقدرة قادر تم إخراج اليهود الحريديم من دائرة الصهيونية وإدخالهم والعرب في «قنبلة» واحدة. ولكن الصورة لا تتضح إلا عند التأكيد على أن البعد السكاني، ليس فقط في جانبه العددي وإنما أيضاً في مواقع انتشاره، كان على الدوام مصدر قلق إسرائيلي.
وكثيرون يذكرون مشاريع تهويد النقب وتهويد الجليل وتهويد القدس في إطار تهويد كل أرض فلسطين. ويتذكر الكثيرون أيضاً ترك دايفيد بن غوريون الحياة في تل أبيب للاستقرار في كيبوتس «سديه بوكير» في النقب حيث دفن وزوجته، وكيف برر أرييل شارون انسحابه من قطاع غزة والاستعداد لخطة فصل في الضفة الغربية أيضاً بفشل الصهيونية في إسكان مليون يهودي فيهما.
وأفادت دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلية مؤخراً أن المنتسبين إلى تيار التعليم الابتدائي الرسمي في إسرائيل سوف يكونون أقل من 50 في المئة بعد سنوات. وأظهر تقرير نشر أمس أن عدد الطلاب اليهود في المدارس الابتدائية الرسمية سوف يكون في العام 2019 أقل من 41 في المئة بسبب التوقعات بزيادة أعداد الطلاب العرب والحريديم في مدارسهم الخاصة.
ويبين التقرير أن عدد التلاميذ اليهود عموماً سيشكل 74 في المئة مقابل 26 في المئة للتلاميذ العرب، وهي النسبة نفسها تقريباً القائمة الآن. ولا يتوقع التقرير زيادة في نسبة الطلاب العرب، بل يتوقع تناقصهم الضئيل ترجمة لتناقص نسبة السكان العرب عموماً لأسباب مختلفة.
ولكن القلق الصهيوني يزداد بسبب تعاظم نسبة التلاميذ اليهود في المدارس الحريدية. وتجدر الإشارة إلى أن التعليم الابتدائي يضم أيضاً قطاع التعليم الديني الرسمي والذي يتناقص عديد المنتسبين إليه بسبب الاندفاع نحو التعليم الحريدي. ويشكل المنتسبون للتعليم الحريدي حالياً 17 في المئة من تلاميذ المرحلة الابتدائية عموماً، وستغدو النسبة 19 في المئة في العام 2019، بعدما كانت في العام 2001 تبلغ فقط 12 في المئة.
ويقول البروفيسور دان بن دافيد من جامعة تل أبيب، والذي يراقب الميول السكانية منذ عقد ونصف العقد، أن «هذه ميول تجعل من إسرائيل مكاناً غير قابل للبقاء. فللأطفال نقدم تعليماً ممتازاً، ولكن الأطفال العرب يتلقون تعليماً بمستوى أدنى. والحريديم لا يتلقون تعليماً عاماً البتة».
وشدد على أن القدرة على الاحتفاظ باقتصاد حديث في ظل وضع كهذا تغدو متعذرة و«تجعل العيش هنا مستحيلاً». لذلك هناك فرصة لتنفيذ ثورة في مجال التعليم والوصول إلى هذين القطاعين.
ويرى خبراء آخرون أنه في ظل تعليم من مستوى عالم ثالث للعرب والحريديم، يغدو مستحيلاً استمرار اعتبار إسرائيل دولة عالم أول.
وإذا كانت التقديرات للمستقبل مقلقة، فإن القلق مما هو قائم حاليا ليس أقل. فقد أثبتت دراسة أعدت في الكنيست وجود هجرة من الأطراف إلى الوسط وخصوصاً إلى مستوطنات الضفة الغربية. وبرغم أن حكومات اليمين شجعت طوال الوقت على الاستيطان في الضفة الغربية، إلا أن ترك المناطق الحدودية أمر يمس مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، فضلاً عن تعبيره عن خوف مما يجري. وليس صدفة أن الهجرة من الأطراف نحو الوسط تقع أساساً في اللواءين الشمالي والجنوبي.
وتظهر الدراسة إلى أنه في العقد ما بين 2001 و2010 سجلت هجرة سلبية لأكثر من 30 ألف نسمة في منطقة الشمال وأكثر من 25 ألف نسمة في منطقة الجنوب. وفي المقابل، سجلت السنوات ذاتها في الضفة الغربية هجرة ايجابية لقرابة 39 ألف نسمة، يشكلون زيادة كبيرة جداً بمعدل نحو 11 في المئة. وبحسب الدراسة، فإن الهجرات السلبية والإيجابية تتعلق أساساً بالبلدات اليهودية في تلك المناطق، وذلك لأنه لم يُسجل في اوساط السكان العرب هجرة سلبية في هذه المناطق.
ومما لا ريب فيه أن أبرز دوافع الهجرة السلبية من المناطق الحدودية نحو الوسط والمستوطنات في الضفة الغربية تكمن في الجانب الاقتصادي. ولكن الأمر لا يخلو أيضاً من دوافع أمنية تنبع من الخشية على المصير في مناطق عرضة لمخاطر أمنية متصاعدة سواء على الحدود مع لبنان أو بمحاذاة قطاع غزة.
وليس صدفة تعليق رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس أثناء زيارته إلى مواقع إسرائيلية في النقب، رداً على تفجير عبوة في آلية عسكرية إسرائيلية على الحدود مع لبنان. إذ قال «هناك شيء ما مشترك أيضاً بين الجنوب والشمال وفي كل القطاعات، جنود الجيش الإسرائيلي الذين يدافعون عنا وعن حدودنا».