حين انتفض البحارنة في شباط 2011، دفع الملك القوى الأمنية الى الواجهة للتصدي للثوار، غير أنّه فضل مع تمرد اليوم أن يطلق العنان لاستبداده، فاستبق التحرك بجملة قوانين واجراءات، وهو ما يعكس هلعاً في القصر
عباس بوصفوان
حين انتفض البحارنة في شباط 2011، دفع الملك القوى الأمنية الى الواجهة للتصدي للثوار، غير أنّه فضل مع تمرد اليوم أن يطلق العنان لاستبداده، فاستبق التحرك بجملة قوانين واجراءات، وهو ما يعكس هلعاً في قصر الرفاع من ان تنجح الانتفاضة هذه المرّة .
بواعث القلق بل الهلع حقيقية في القصر الملكي البحريني من تمرد البحرين المزمع انطلاقته اليوم. ولعل المخاوف عند القصر أكثر تجلياً من القيادات الأمنية، التي تعتقد أنها اتخذت ما يكفي من أجل لجم التظاهرات الشعبية، التي بدأ التحضير لها قبل نحو شهرين.
المسؤولون في القصر الملكي يرفضون تقديرات وزارة الداخلية والاستخبارات، الذين بنظرهم أخطأوا في التقدير قبل أكثر من عامين، حين لم يتوقعوا أن تعم التظاهرات المنامة منتصف شباط 2011 في سياق ثورات الربيع العربي، التي دشنتها تونس، وتلقفها شباب البحرين.
هذه المرة تصدى الملك حمد مباشرة بنفسه للتحضير لقمع التمردات الشعبية، ولم ينتظر وقوع الحدث، كما فعل في 2011، وفي الحالتين، فإنه مضى في الخيار الأمني.
سياسيون تمنّوا أن ينأى الملك بنفسه عن التورط في الرؤية الأمنية على هذا النحو الفاقع، حتى لو ترك ذلك لفريقه الأمني، ليكون هو لاحقاً قادراً على المبادرة السياسية. بيد أن خطابه قبل شهر من الآن، والذي تحدث فيه عن أن «أهل البحرين طفح بهم الكيل» من أفعال المعارضة، أنهى الأمل الذي يراود المعتدلين في المعارضة بأن السلطة قد تكون مقدمة على طرح مبادرة سياسية في أعقاب عودة ولي العهد سلمان بن حمد من زيارته إلى الولايات المتحدة في حزيران الماضي.
ويسمّي المعارضون الإجراءات الحكومية القمعية ضدّ تمرد البحرين حفلة «الزار2»، أو «قانون الطوارئ2»، ويعبرون عن قلقهم من سقوط ضحايا اليوم، الأمر الذي سيسمم الأجواء ويعقد الوضع، ويكرر كرة الثلج التي تدحرجت منذ 2011، وبلغت عنق الزجاجة.
حفلة الزار الحكومية وصلت ذروتها في انعقاد جلسة استثنائية للمجلس الوطني نهاية الشهر الماضي، شاب انعقادها ثغرة قانونية، فيما بدا خطابها ليس فقط غير تصالحي، وإنما استئصالي، وافتقد اللياقة السياسية حين وصف النائب الثاني لرئيس مجلس النواب عادل المعاودة المعارضة بالكلاب.
وفي موقف يعكس انهيار المؤسسة التشريعية وتبعيتها للقصر، خول الثمانون عضواً (نصفهم منتخب ونصفهم معيّن) الملك إصدار المراسيم والقوانين التي «تحارب الإرهاب». وأوصى باتخاذ إجراءات مشددة ضدّ «المحرضين على العنف»، بما في ذلك اسقاط جنسياتهم.
ويعكس خطاب البرلمان نهج السلطة المتشدد. ويعتبر المعاودة قريبا من وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد الذي يعده مراقبون رئيس الوزراء الفعلي في البحرين. بيد أن تصريحات نبيل الحمر المستشار الإعلامي للملك وتوصيفه المعارضة بالإرهاب، واستخدامه لغة «الشتم» السياسي ضد الأمين العام للوفاق الشيخ علي سلمان، ذي التوجه الإصلاحي المعتدل، أماط اللثام عن رفض السلطة أي توجه تسووي مع المعارضة التي عبرت عن دعم التمرد.
وتعيش البحرين منذ أيام حالة طوارئ يصعب القول إنها غير معلنة. وتقول ثريا، معلمة من البحرين: «أشعر بأن النظام أكثر جهة استعدت لتمرد البحرين، لقد سور مناطقنا بالأسلاك الشائكة، وحولنا القرى والبلدات إلى سجن كبير».
إن حجم القوات الأمنية المنتشرة في كل مكان أحال البحرين ثكنة عسكرية، ليس فقط قرب دوار اللؤلؤة وضاحية السيف الراقية والمنطقة الدبلوماسية، وإنما أيضاً مختلف المناطق السكينة، وقرى شارع البديع حيث الكثافة المعارضة في المحافظة الشمالية، التي تضم نحو ثلث سكان البحرين. وبالتأكيد جزيرة سترة التي تضم مصنع تكرير النفط، وتعد أهم معاقل المعارضة، واقتحمها الجيش السعودي، بحسب شهود عيان، منتصف آذار 2011، وسقط فيها العدد الأكبر من الضحايا. ويعتبر أهالي سترة أن الملك البحريني قد خذلهم بعدما رفعوا سيارته في 2001 حين بشر بالإصلاح، لكنه مضى عكس وعوده.
وأصدر ملك البحرين أخيراً قوانين تمنع التجمهر في العاصمة المنامة، وتعاقب أولياء الأمور على مشاركة أبنائهم في التظاهرات، ويتوقع أن يثير ذلك مزيداً من التحديات أمام الجمعيات المعارضة التي تحرص على العمل ضمن «سقف القانون الجائر» كما تسميه.
كما اعتقلت السلطة العديد من الناشطين، يضافون إلى نحو 2000 شخص يرزحون في السجون حالياً. وأصدرت وزارة الصحة تعميماً للأطباء برفض منح إجازات مرضية للموظفين، فيما صدرت تعليمات مشددة من طرف الوزارات والدوائر الرسمية والشركات التي تسيطر عليها الدولة بمنع التغيب عن العمل لأي سبب كان.
وتهدف الإجراءات الرسمية للحدّ من تأثيرات العصيان المدني المزمع تنفيذه على نحو جزئي اليوم، فيما القلق يساور كثيرين من إقدام السلطة على فصل عمال كما فعلت في 2011، حين فصلت نحو 4500 عامل من وظائفهم على خلفية مشاركتهم في التظاهرات المطالبة بالديموقراطية.
ويرى مراقبون أن استثمار الورقة الجماهيرية بما يمكنها من قلب الطاولة على النظام، سيكون تحدياً كبيراً أمام جبهات المعارضة، ذلك أن الجماعات الداعية لإسقاط النظام غير قادرة بعد على أن تكون أكثر من صانعة أهداف، فيما قياداتها معتقلة أو مهجّرة، ونضالها الجماهيري محدود. وتتبع «الوفاق» الوطني الإسلامية، كبرى جمعيات المعارضة، تكتيكات تتفادى الزجّ بجمهورها الواسع في واقع تصادمي، وتفضل الخروج في تظاهرات وتجمعات مرخصة، الأمر الذي قد يمنع نشوء اعتصام دائم في تمرد البحرين على طريقة اعتصامات شباط وآذار 2011 الحاشدة، في دوار اللؤلؤة (ميدان التحرير البحريني).
لقد منحت الفترة الطويلة من التحضير لتمرد البحرين السلطة والمعارضة فرصة كافية لدرس الخيارات، ووضع التكتيكات للتعاطي مع تطورات واقع لا يقين فيه.
وبدأت المعارضة التحضيرات للتمرد قبل 30 حزيران الماضي، لكنها لن تستطيع العمل علناً على النحو الذي قام به المتمردون في مصر، كما لم تستطع جمع توقيعات تطالب بالإطاحة برأس النظام أو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان الذي تصدر المشهد في الأيام الأخيرة، معتبراً تنفيذ توصيات المجلس الوطني أولويته لصدّ «الإرهاب» المعارض.
ودعت مختلف الجبهات المعارضة، بما في ذلك «الوفاق» وحركة «وعد» اليسارية، و«ائتلاف 14 فبراير» و«تحالف الجمهورية»، بلغات مختلفة، إلى الخروج في التظاهرات، بتكتيكات مختلفة، لتحقيق أهداف مختلفة.
وتأمل المعارضة «تجديد ثورة البحرين»، كما عبر القيادي في حركة أحرار البحرين د. سعيد الشهابي، المطالب باسقاط النظام والرافض للحوار مع «النظام الدكتاتوري» كما يقول، بيد أن الجمعيات السياسية تأمل إعادة الكاميرات العالمية إلى الحراك الشعبي الذي لم ينقطع منذ أكثر من 30 شهرا، وأن تكون التظاهرات «تمرد تحريك» للجمود السائد في البحرين، تقنع السلطة بأن الحوار الجدي هو السبيل للاستقرار.
وتتبع السلطة البحرينية في إجراءاتها العنيفة بعض التكتيكات والتكنولوجيا البريطانية للسيطرة على الحشود، وتعتمد على اتخاذ خطوات استباقية، واتباع أساليب تتفادى الحد من استهداف المتظاهرين بطريقة تظهر الدم أمام الكاميرا، وتفضل «القتل الناعم»، أو «اعطاب» المتظاهرين عبر إصابتهم في مواضع غير قاتلة ما أمكن.
وتروي مصادر لـ«الأخبار» أن بريطانيا نصحت ملك البحرين، الذي زارها قبل أيام، بالأخذ بالاعتبار الحذر المصري في التعامل مع متظاهري «رابعة العدوية» و«النهضة» في مصر، لكن الحرص على منع تحول التظاهرات في المنامة إلى اعتصام دائم يبقى أولوية، لأن منع تشكل الاعتصام أسهل من فضه.
وقد حملت جهات حقوقية بريطانيا والولايات المتحدة العنف البحريني المتوقع ضد «المتمردين»، فيما يبدو أن المتظاهرين يدركون التحالف بين البلدين الغربيين والنظام الخليفي الحاكم في البحرين. وبحسب نصائح بريطانية، يستبعد أن يزج بالجيش ضد «المتردين» اليوم، خصوصا بعد فشله في لعب دور سياسي والأكلاف و«العار» التي لحقه بعد قيامه بحملة العنف في 2011. وعدم الزج بالجيش لن يمنع الزج بالميليشيات والقوات العسكرية غير النظامية، والتي أعطيت الضوء الأخضر للبطش بالمعارضين تحت لافتة التطوع ضمن أجهزة الأمن.
ومن المؤكد أن البحرين سوف تصاب بالشلل التام اليوم، ومع ذلك فإن الأهم هو ما سيلي يوم 14 آب من حراك شعبي وإجراء حكومي مضاد. ويعتقد أن البحرين عادت إلى مزاج 2011، وذلك لا يعني أن ولي العهد سيخرج من جديد بمبادرة شبيهة بما قدمها إبان احتلال المتظاهرين لدوار اللؤلؤة وأجهضها التدخل السعودي.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه