غير مسموح لأغلبية رجال الدين والحكماء بأن يخفوا أصواتهم.. المطلوب أن يرفعوا الصوت عاليا في وجه هؤلاء الذين يسمون أنفسهم دعاة للدين ونقول لهم كفى..".
متى يعلن ما يسمونه اليوم "الدعوة إلى الجهاد" في الأمة الإسلامية ؟!.. هذا السؤال بدأ يطرح بقوة على الساحة بين الشعوب العربية، والإسلامية تحديدا، في ظل الفتاوى التي تصدر تباعاً حول الأزمة السورية، التي تدعو إلى ما تسميه "الجهاد". وهناك سؤال أخر يطرح رديفاً للسؤال الأول :" أين هو هذا "النفير العام" للجهاد تجاه فلسطين المحتلة منذ أكثر من ستين عاماً؟!..هنا قد يشتبه على بعض المسلمين حقيقة الأمر تجاه هذه الفتاوى وغيرها في ما يتعلق بمجريات الأحداث الخطيرة التي تمر بها منطقتنا.
انطلاقا من هذه الحيرة لدى البعض، ارتأى موقع المنار الالكتروني إثارة السؤال مع بعض العلماء ورجال الدين على هامش مؤتمر نظمه علماء بلاد الشام، في لبنان الشهر الماضي، تحت عنوان "سماحة الاسلام وفتنة التكفير"، وكان لنا هذه اللقاءات مع بعض العلماء.
الشيخ نعيم قاسم : نحن أمام فتاوى لا شرعية لها
- فقهياً متى يجب الدعوة إلى "النفير العام" أو الجهاد في الأمة الإسلامية؟!..
- فضيلة الشيخ نعيم قاسم، وهو نائب الأمين العام لحزب الله، أجابنا عن هذا التساؤل مبيّناً أنه: "في مسألة الجهاد نحن أمام حالين. الأول: هو في الأحوال العادية التي ترتبط بالمواجهات التي يقوم بها أعداء الإسلام إن كانوا أفرادا أو جماعات فعلى المسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم. والحال الثاني يتطلب نوعاً من التركيز على مستوى الأمة، حين يكون هناك جحافل جرارة تستطيع أن ترابط مجتمعة أو أن توزع إمكانياتها وطاقاتها للدفاع عن قضية كبرى تتطلب مثل هذا الإعداد. ونحن في الواقع أمام المسألتين في ما يتعلق بفلسطين. فمن ناحية هناك قدرة للدفاع عن المشروع الطبيعي والعادي يقوم به الفلسطينيون واللبنانيون وغيرهم ممن يشعر بأن عليه أن يقاتل ويدافع.
ويتابع الشيخ قاسم :"أما في الحالة الثانية أيضا هناك قيادة للأمة الإسلامية تتمثل اليوم بالإمام الخامنئي (حفظه الله) وقبله الإمام الخميني (قده) دعا فيها إلى قتال هؤلاء المحتلين لأرض فلسطين السليبة. وهذا أمر بعيد المدى يتطلب جهودا وإمكانيات كبيرة، أما في ما يتعلق بسوريا في الواقع هو ليس من مواقع الجهاد التي يتحدث عنها البعض. هناك خلاف داخلي على السلطة السياسية وهناك أيضا أخطاء تمّ ارتكابها تحتاج إلى معالجة. هذه الأمور تدخل في إطار ترتيبات الدولة مع قوانينها وأنظمتها وكيفية إجراء التعديلات المناسبة لها. وهذا يتم بالطرق السياسية والسلمية والثقافية ولا يمكن أن يتم بالطرق العسكرية.
أما ما نشهده من مجيئ أفراد أو جماعات من مختلف أنحاء العالم تحت عنوان "نصرة الشعب السوري"، و"الجهاد لإسقاط النظام"، يؤكد الشيخ نعيم قاسم أن "هذا أولا ليس من أبواب الجهاد لآننا لسنا أمام عدو يحتل أرضا للمسلمين أو يعتدي على المسلمين وإنما نحن أمام خلاف سياسي بين الشعب والسلطة. وأعتقد أننا أيضا أمام فتاوى لا شرعية لها ومن يطلقها لا يدرك أبعاد المصلحة الإسلامية الصحيحة، بل يتحمّل إثم الدماء التي تراق باسم فتواه خاصة أننا أمام مشكلة واضحة هي مشكلة الاعتداء الدولي المنظم على سوريا المقاومة والممانعة ولسنا أمام محتل يتطلب مواجهة.
الشيخ جواد الخالصي :أصحاب فتاوى "الجهاد" مرتهنون لأعداء الأمة
فضيلة الشيخ جواد الخالصي، وهو عراقي الجنسية، وكان مشاركاً في المؤتمر، أجاب موقع المنار :" أنه عندما يداهم خطر خارجي، كافر محتل، بلاد المسلمين فعلى أهل ذلك البلد، كما حصل في العراق، وأهل البلاد المجاورة أن يساهموا بحملة جهاد موحدة لمقاتلة الخطر الداهم والعدو الغاشم. وهنا هو الاحتلال الأميركي كما كان الاحتلال البريطاني قبل 70 أو 90 سنة. أما ما يسمى "الدعوة إلى الجهاد داخل الأمة" فهذا مساعدة للكفار على الأمة ومقدراتها .. وهي ليست باطلة فحسب بل هي مستنكرة ومقلوبة على أهلها لأنه "إذا طائفتنان من المؤمنين اقتتلا فأصلحوا بينهما"، بصريح عبارة القرآن الكريم. فلا جهاد هنا الأمر واضح جدا ولا لبس فيه، لكن إذا جاء عدو كافر إلى بلاد المسلمين هنا تتحقق الدعوة للجهاد.
- ولكن الجميع يسأل على أي أساس يطلقون هذه الدعوة للجهاد في سوريا؟.
- على أساس ارتباطاتهم بأولئك الزعماء المرتهنون لأعداء الأمة والمحتلين لأنهم تابعون لهم .. ونستغرب أنه في حين بعضهم أطلقها بخصوص فلسطين ولكنه عاد وتراجع عنها.. والحكم الشرعي ثابت الان، يجب على المسلمين أن يجاهدوا في سبيل مواجهة الخطر الأميركي في المنطقة وخصوصا في سوريا .. فإذا لم يكن هناك خطر أميركي فيجب على المسلين أن يسعوا لإيجاد الصلح بين الفئتين المقتلتتين..
أية الله التسخيري : ولي الأمر من يطلق حق "النفير العام"
بدوره سماحة آية الله الشيخ محمّد علي التسخيري، وهو إيراني الجنسية، يقول لموقع المنار :" في الحقيقة إن من يحق له الدعوة إلى الجهاد هو ولي الأمر، إذا كان هناك ولي أمر موجود بين المسلمين. فإذا لم يكن هناك من ولي أمر فإن العالم الأكبر أو مجمع العلماء هم الذين ينبون عنه بهذه المهمة الخطيرة..".
وأوضح الشيخ تسخيري :"والجهاد على نوعين : هناك جهاد دفاعي وجهاد هجومي .. الجهاد الدفاعي تقوم به الأمة لتدافع عن حياض الإسلام. والجهاد الهجومي يجب أن يقوم به ولي الأمر ومن بعده العالم الأكبر أو مجلس العلماء المسألة ليست بهذه البساطة التي يصورونها في وسائل الإعلام من خلال الفتاوى غير الشرعية التي تصدر من هنا وهناك .. فاليوم هذه الفتاوى فيها الكثير من الدافع السياسي وكثير من المصالح، والذين يطلقون هذه الفتاوى هم في الأصل ليسوا مؤهلين لإطلاقها أبداً".
الشيخ ماهر عبد الرزاق : لماذا إرسال السلاح والمال إلى فلسطين غير مسموح؟!
من دار الفتوى في لبنان، تحدث إلى موقع المنار، فضيلة الشيخ ماهر عبد الرزاق، الذي بيّن أنه "من الناحية الفقهية إذا أغير على الإسلام من قبل العدو، بمعنى إذا اغير على بلد من بلدان العالم الإسلامي، ولم يستطع هذا البلد القيام بواجب الدفاع المقدس لوحده، هنا وجب على كل المسلمين في العالم أن يسارعوا ويعلنوا الجهاد والنفير لإنقاذ هذا البلد الإسلامي من العدوان الظالم وبراثن العدو .. ويشرح الشيخ عبد الرزاق :"وكلمة "عدو الأمة"، بالتعريف القرآني والمصطلح النبوي هم اليهود.. :"ولتجدن أشد الناس عدواة للذين أمنوا اليهود ..".. هذا المفهوم الجهادي الذي ينبغي علينا جميعا أن ننشره بين الأمة الواحدة، لأن هناك أعداء لهذه الأمة خلطوا بين العدو وبين الصديق، فخانوا الصديق، وابن الاسلام وابن البلد ..والمرحلة اليوم حساسة ودقيقة على علماء الأمة أن يبينوا ويوضحوا للناس خطورة هذه المسألة حتى لا تحدث إشكالية في أذهان جيل الشباب المؤمن ..
- ولكن ما هي الأسس التي أطلقوا فتاواهم بناء عليها ؟.
- هم بهذه الدعوة يعلنون صراحة أنهم أدوات للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة.. ليس هناك في الفقه ما يبرر لهم هذه الفتوى أو تلك .. تحولوا إلى أداة للعدوان على الأمة بينما هناك فلسطين التي احتلت منذ سبعين سنة، وهذه مسألة ليس فيها خلاف بين المسلمين جميعا على اختلاف مذاهبهم وحتى من الناحية الفقهية فلماذا لم يعلنوا هذا النفير العام في الأمة مثلما يحدث اليوم حين نشبت الأزمة السورية؟...ومسموح أن يرسلوا السلاح والمسلحين إلى بلد عربي ولا يسمح لهم أن يرسلوا السلاح والمال إلى فلسطين؟!!.. هنا السؤال .. من الذي يسمح لهم بأن يرسلوا السلاح إلى سوريا ويمنعوه عن فلسطين؟.. وهي أرض الجهاد والرباط.. باعلانهم هذه الفتاوى هم يكشفون أنفسهم أمام الأمة أنهم مجرد أدوات صغار في هذا المشروع التأمري والاحتلالي للأمة.
ويؤكد الشيخ عبد الرازق "أننا نعّول على العلماء والعقلاء في هذه الأمة أن يرفعوا الصوت عاليا لأن هناك شريحة كبيرة من أبناء الأمة ما يزالوا يلتزمون الصمت وهذا غير مسموح في ظل ما يحدث.. غير مسموح لأغلبية رجال الدين والحكماء بأن يخفوا أصواتهم.. المطلوب أن يرفعوا الصوت عاليا في وجه هؤلاء الذين يسمون أنفسهم دعاة للدين ونقول لهم كفى..".
تصوير : وهب زين الدين