هنا حصلت العملية التي أدارها الشهيد خالد بزي، تخطيطًا وتنفيذًا، مطلقة عملية الوعد الصادق؛ وهنا عايشت عيتا وأهلُها تفاصيلَ عملية أسر الجنديَّين الإسرائيليَّين، حيث نفذ المقاومون عملية عسكرية خاطفة
كامل جابر / جريدة السفير
تفصل اللافتة التي يعلقها أبناء عيتا الشعب عند مدخل مزرعة «خلّة وردة»، عند التخوم الغربية لبلدتهم، بين معادلة موت ودمار قررها الإسرائيليون، وَحَوَّلَها المقاومون إلى معادلة حياة وصمود. ففي 28 ايلول 1974، سقط المواطن علي محمد جواد وزوجته زينب العبد محمد رضا، شهيدين بقذيفة دبابة إسرائيلية، بينما كانا متوجهين إلى أرضهما في خلّة وردة؛ إذ كان ممنوع اسرائيليا على أصحاب الحقول الوصول إلى حقولهم التي صارت أرضا محروقة مع مرور الزمن.
اليوم صار بإمكان من يقصد خلّة وردة، تلاوة سورة الفاتحة (تلبية لدعوة اللافتة على روح الشهيدين المغدورين)، قبل متابعة السير إلى آخر شبر من خلة وردة. «هنا حصلت العملية التي أدارها الشهيد خالد بزي، تخطيطًا وتنفيذًا، مطلقة عملية الوعد الصادق؛ وهنا عايشت عيتا وأهلُها تفاصيلَ عملية أسر الجنديَّين الإسرائيليَّين، حيث نفذ المقاومون عملية أمنية عسكرية خاطفة، عند تلال الحدب وحقول «كعب الأرض» في خلة وردة، المحاذية لبلدة طربيخا، فيما كانت صواريخ المقاومة تتساقط على موقع الراهب الصهيوني»، يقول علي سرور، الرئيس السابق لبلدية عيتا الشعب.
و«من هنا يمكن أن نستعرض مزارع الدواجن التي نشأت في قلب أحراج خلّة وردة وكروم الزيتون، خلال السنوات السبع التي تلت عدوان تموز 2006، وصارت تشكل رديفا اقتصاديا لعدد من أبناء البلدة. ومن هنا يمكننا مشاهدة «نيو عيتا» التي قامت على أنقاض ودمار البيوت التي نسفت عن بكرة أبيها أو جرفت خلال عدوان تموز».
في تموز 2006، قيل إن عيتا لن تصمد أسبوعا أو أكثر من عشرة أيام، لكن القصة يعرفها جميع من بقي في البلدة وهي أن الضابط الإسرائيلي وقف بعد ثلاثة اسابيع من الحرب عند الحدود ونادى: «يا مقاتلي عيتا أمامكم مهلة حتى مساء اليوم، سلموا أنفسكم ونحن نضمن لكم أَسْرًا كريما وعودة إلى ذويكم بعد فترة». تصاعدت المقاومة، فكان أن هدد لاحقا بطحن عظام المقاومين وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم إذا لم يسلّموا؛ وبرغم ذلك، أحرجت عيتا قادة الحرب في تل ابيب بصمودها طوال 33 يوماً، حيث سقط في المواجهات 11 شهيدا مقاوما من أبناء عيتا عدا الشهداء المدنيين.
يقطن في عيتا الشعب اليوم حوالى 8000 نسمة من أصل ما يقارب 12000 نسمة. أما بيوت البلدة التي كانت تعد حوالى ألف وحدة سكنية قبل عدوان 2006، فقد صارت اليوم 1500 وحدة، وتضاعفت المحلات التجارية من مئة دكان ومتجر إلى نحو مئتين. والبيوت المتواضعة فيها اتسعت أو ارتفعت، أو حققت الحالتين معا، فضلا عن انتشار السكن في أكثر من اتجاه، لا سيما نحو الجنوب والغرب، نحو الأراضي التي كانت سابقا محرمة على أصحابها، ولذلك يرى عدد من أبناء عيتا، أن بلدتهم «صارت أكبر من قرية وأصغر من مدينة».
وثمة تعويضات على عدد من أصحاب البيوت التي تهدمت أو تضررت خلال العدوان لمّا تزل عالقة إلى اليوم، بعد سبع سنوات من العدوان «لأسباب تتعلق بعملية التعويض، وتراجع التزام القطريين الذين تولوا عملية إعادة بناء ما تهدم، من حيث كمية الأمتار المعوض عليها وتقدير سعر التكلفة للمتر الواحد؛ ومع أن المكتب القطري أقفل أبوابه هنا في البلدة منذ سنتين، فإن ملفات هذه البيوت يتابعها حزب الله وجهاد البناء بغية إيجاد حلول مرضية لأصحابها»، يقول علي سرور.
تدرّ زراعة التبغ على مزارعي عيتا الشعب الذين يشكلون نحو 80 بالمئة من القاطنين في البلدة، وينتجون قرابة 353 ألف كيلوغرام، نحو 272 مليون ليرة لبنانية في العام الواحد. هذه المبالغ تخرج منها أسعار الكلفة والأسمدة والمصاريف، وما يتبقى لا يكفي مصروف ستة أشهر، أو يوازي الجهد الذي يبذله أرباب البيوت مع أسرهم بأكملها، من زراعة وقطاف وشك ونشر وغيرها، تكاد تستنزف كل طاقة الأسرة طوال أيام السنة، في مقابل سعر ثابت للكيلوغرام الواحد من التبغ المجفف عند التسليم إلى الريجي، لا يتعدى مبلغ 12 ألف ليرة في أقصاه، وتسعة آلاف في أدناه.
ما يأخذ الناس في عيتا إلى زراعة النبتة المرّة، هو مرّ الحاجة إلى المياه التي تمنعهم من الاهتمام بزراعة الحشائش والخضار التي قد تشكل لهم مدخولا موسميا. لذلك يضطر أبناء البلدة إلى سدّ حاجتهم من أسواق بديلة.
لا تتوقف حاجة البلدة للمياه عند حدّ الزراعة، إذ إن المياه تصل بصعوبة إلى البيوت، وتخلق عملية سد الحاجة بالشراء أعباء إضافية تثقل كاهل الأهالي الذين يرزحون تحت محدودية فرص العمل وانكماش الوضع الاقتصادي، في وقت لم يزد انتشار المحلات التجارية وتضاعفها في تحريك العجلة الاقتصادية، بل ساهم في توزيع المردود والربح على شريحة أكبر. وفي السؤال عن سبب غياب المياه بهذا الشكل المستمر، يكون الجواب أن «سكان عيتا وبنت جبيل والجوار، ما زالوا ينتظرون استكمال مشروع ري المنطقة من «مشروع الطيبة» في وقت لم تشكل لهم التغذية من برك رأس العين البديل الناجع بسبب طول المسافة صعودا والتعديات التي تحصل على الشبكة.
يحضر المشهد السوري في يوميات أبناء عيتا الشعب. ثلة من المقاومين صمدت ثلاثة وثلاثين يوما في حرب تموز، كان نصيبها الاستشهاد في المعارك الدائرة على أرض سوريا. ينظر الأهالي الى الأمر من زاويتين: أولاً، إن ما يحاك هو ضرب لمشروع المقاومة، وثانيا، إنها معركة وجود «لأننا اذا لم نقاتل التكفيريين هناك اليوم، سيأتي يوم نجد أنفسنا بمواجهتهم هنا على أرض عيتا وأخواتها»، يقول أحد المدرسين في مدرسة البلدة الرسمية.