تتعامل فرنسا مع أية عملية عسكرية تستهدف قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفل) ولأية جنسية انتمى الجنود المستهدفون، بمثابة تهديد مباشر لجنودها ورسالة مباشرة لها.
تتعامل فرنسا مع أية عملية عسكرية تستهدف قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفل) ولأية جنسية انتمى الجنود المستهدفون، بمثابة تهديد مباشر لجنودها ورسالة مباشرة لها. ويعود ذلك لأسباب لا تخفى على احد من الاهتمام الفرنسي الكبير بلبنان آخر معاقل الفرنكوفونية في العالم العربي وآخر مناطق الشرق الوسط التي لباريس فيها بعض مظاهر النفوذ بعد تآكل النفوذ الفرنسي في النقاط الأربعة من الأرض أمام نفوذ الأمبرطورية الأميركية المتعاظم، فضلا عن السياسات الفرنسية غير المفهومة في مناطق ساخنة من العالم منها الموقف الفرنسي المستجد في سورية أو الموقف الفرنسي المزايد حتى على واشنطن وتل أبيب في ما يخص إيران والبرنامج النووي الإيراني.
في تبعات الانفجار الأخير الذي استهدف دورية إيطالية من قوات اليونيفل الأسبوع المنصرم، استنفرت باريس كل أجهزتها الأمنية وفرق دبلوماسيها في لبنان وسورية والمنطقة لجمع المعلومات عن الجهة المنفذة للعملية والأهداف والرسائل التي يريد المنفذون تحقيقها وإيصالها.
وفرنسا، التي يستعد رئيسها لانتخابات رئاسية العام المقبل وسط هبوط غير مسبوق لشعبيته (وشعبية أي رئيس فرنسي خلال ولايته) التي وصلت نسبتها 18 بالمائة في استطلاعات الرأي، تبقى في حالة خوف وقلق من خسائر قد تصيب قواتها العاملة في جنوب لبنان نتيجة عملية تستهدف دورية لهذه القوات أو اشتباك مع قوى موجودة في المنطقة أو، كما حصل في السابق، صدامات مع سكان بعض القرى الجنوبية.
ويرفض المسؤولون الفرنسيون الكلام عن الخسائر الفرنسية في أفغانستان عند الحديث عن الوجود العسكري في قوات اليونيفل في جنوب لبنان، فالحالتان مختلفتان تماما، وذلك يعود إلى طبيعة حركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان سابقا بالإضافة إلى أن عملية 11 أيلول / سبتمبر شرّعت التدخل العسكري الذي يؤدي إلى خسائر بشرية على أساس أنها "حرب ضد الإرهاب"، بينما الحال في جنوب لبنان مختلفة تماما، فالشعب الفرنسي لا ينظر إلى جنوب لبنان نظرة أفغانية فضلا عن أن الشريحة الكبرى من الفرنسيين تعترف بحق اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وإن كان الإعلام الفرنسي لم يظهر هذه الحقيقة يوما بسبب سيطرة اللوبي الصهيوني المحكمة على وسائل الإعلام الفرنسية عبر الملكية المباشرة لها أو عبر السيطرة المحكمة والمقننة للحق ألحصري للإعلانات الذي تملكه شركتا إعلان مملوكتان بدورهما لرجل أعمال يهودي. وإذا أضفنا إلى ذلك أن فرنسا الرسمية لم تعتبر يوما حزب الله حزباً إرهابيا وتمنع منذ عقدين كل المحاولات التي استهدفت وضع الحزب على لائحة الإرهاب الأوروبية، نجد الفارق شاسعا وكبيرا في النظرة الشعبية الفرنسية إلى الخسائر التي تقع في أفغانستان والتي يمكن تبريرها مقارنة مع وقوع خسائر في جنوب لبنان من الصعب تسويقها وتبريرها للرأي العام الفرنسي.
في لبنان الوضع مختلف، وأية خسائر بشرية في صفوف الوحدة الفرنسية سوف تكون بمثابة كارثة انتخابية على الرئيس الفرنسي فضلا عن شعور في السلطة وفي أوساط الشعب الفرنسي بخسارة في بلد نفوذ، وبمشكلة في مكان ما يجب حلها والاهتمام بها. ولا يخفي العسكريون الفرنسيون هذا الإحساس في أوساطهم خصوصاً وأنهم لعبوا دورا في كبح جموح بعض متطرفي الخارجية الفرنسية أيام الوزير (برنار كوشنير) في الأحداث التي شهدتها بعض قرى الجنوب اللبناني بين الأهالي وجنود من الوحدة الفرنسية العام الماضي.
في فرنسا، ثمة من يفكر في "العبوة التالية" ولسان حاله يقول: فلتبعد عني حتى ولو وقعت على الطليان.