"العرب يبدون متخلفين وخطرين عند النظر إليهم عبر عدسات هوليوود المشوهة". وقال الناقد السينمائي ديفيد ماك من مركز أبحاث واشنطن إن كتاب شاهين مخيف لأن الأفلام والتلفزيون يشكلان الرأي العام الأميركي
جميع نقاد السينما الغربية والعربية على السواء اعتبروه أحد الأفلام القليلة جدا التي تشهد بالخير للعرب والمسلمين في تاريخ السينما الأميركية والغربية على الإطلاق. "المحارب الثالث عشر" The Threeten Warrior والذي عرض في العام 1999.
وقصة الفيلم باختصار شديد تعود إلى القرون الوسطى، تتحدث عن قبيلة من آكلة لحوم البشر تعيش في أحد الكهوف الجبلية تقوم بغزوات للقرى المجاورة كي تحصل على طعامها من اللحم البشري، وبهدف حماية المناطق من وحشية هذه القبيلة يستدعي أحد الملوك العرافة التي تشير عليه باختيار ثلاثة عشر محاربا بارعين، وأن الثالث عشر يجب أن يكون من غير قومه، ويصادف وجود العربي الهارب من خليفة بلاده، حيث ينتخب للمهمة. وبسبب حدة ذكاء هذا العربي المسلم يجري اكتشاف مكان هذه القبيلة. وهو مثل بقية المحاربين شجاع ومقدام وشريف يبحث عن إحقاق العدالة وحماية المظلومين.
الذم في موقع المدح:
أن يطلق على الفيلم اسم "المحارب الثالث عشر" قد يعطي انطباعاً إيجابياً أكبر حول هذه الشخصية التي تمثل العرب المسلمين. ولكني أتجرأ على مخالفة كل أولئك النقاد الذين رأوا في الفيلم صورة حسنة عن العربي. فالفيلم ببساطة شديدة يؤكد بمهارة فائقة وبالأسلوب غير المباشر على صعيد اللغة السينمائية والتقنية الفنية العالية، أن العربي مهما تحلى بصفات إنسانية عالية من النبل والأخلاق، إلا الإنسان الغربي يفوقه بأضعاف، فحين يكون جميع المحاربين سهارى في إحدى الليالي لحماية القبيلة التي وسبق وتعرضت لغزوة مأساوية من أكلة لحوم البشر، فإن بطلنا المحارب الثالث عشر يقضي ليلته مع امرأة تروق له. أرى أنه الذم في موقع المدح!!.. هم أكثر إحساساً منه بالمسؤولية !.. بينما كان بقية المحاربين "الغربيين" ساهرون على حماية القرية ..!.
وما يثير الحيرة بشكل أكبر أن الملك هو الشخصية الأساس في محور أحداث الفيلم- وإن كانت الأحداث تروى من وجهة نظر المحارب الثالث عشر، فالملك هو من يعطي الأوامر، وهو من يبادر قبل الجميع للمخاطرة بنفسه وفي نهاية الفيلم يموت ميتة الأنبياء.. فهو يصاب في المعركة الأخيرة في الفيلم التي يقضون فيها على المتوحشين فنراه يجلس جلسة فيها هيبة ووقار وهو يشد على ألمه وجميع المحاربين يظنونه على قيد الحياة ولكن عندما تقع العصا من يده يدركون مقتله..أما المحارب الثالث عشر وهو يغادر عائدا إلى بلاده هو يروي حكايته وما تعلمه من أساليب وعبر وحكمة ونبل في هذه البلاد العظيمة التي يغادرها.. لقد كانت البطولة المطلقة بالفعل لتلك الشخصية الغربية العريقة القدم بالأصول الحضارية والأخلاقية وأن العرب منذ القدم وهم ينهلون من الغرب كل شيء..!!..
كيف تشوه هوليوود صورة أمة ؟!..
لم نعهد أن انبرى أحد من المثقفين أو النقاد الفنيين والسينمائيين إلى أخذ موقف أكاديمي وجدي يكشف النقاب عن وجوه التشويه الفظيع الذي يلحق بصورة العربي والمسلم في الأفلام الغربية وخصوصا الأميركية منها حتى صدر في الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا كتاب بعنوان "الأشرار في السينما..كيف تشوه هوليوود أمة" وهو كتاب أكاديمي بامتياز يفضح تشويه العرب في هوليوود، ويتناول الطريقة التي تستخدمها صناعة السينما الأميركية في تشويه صورة العرب والمسلمين في كل فيلم تقريباً طوال القرن الماضي.
مؤلف الكتاب جاك شاهين أميركي من أصل عربي ولد في بنسلفانيا لأبوين مسيحيين هاجرا من لبنان ولم يلتق قط بأي مسلمين عرب حتى بلغ الأربعين من عمره، عندما فاز في السبعينات بمنحة من مؤسسة فولبرايت الأميركية للتدريس في بيروت التي كانت الحرب تمزقها آنذاك. وأدرك على الفور أنه لا يعرف شيئاً في الواقع عن المنطقة التي ينتمي إليها أسلافه. وبعدها اكتشف أن القليل الذي شاهده عن العالم العربي عن طريق التلفزيون وفي الأفلام لا علاقة له بخبرته المباشرة في لبنان والأردن والسعودية. وأمضى شاهين العقدين التالين في محاولة اكتشاف السبب وراء الاختلاف بين صورة العالم العربي في الولايات المتحدة وواقعه. ويقول شاهين إنه يتم الربط بشكل منتظم بين الإسلام وسيطرة الرجل على المرأة والجهاد وأعمال الإرهاب.
العرب في عدسات هوليوود:
يقول شاهين إن مئات جرائم الكراهية التي ارتكبت ضد الأميركيين والعرب والمسلمين في الولايات المتحدة أكدت ضرورة محاربة الصور النمطية. ويوضح أن هدف الكتاب هو أن يشرح في الواقع إنه عندما تشوه شعباً فإن رجالا ونساء وأطفالا أبرياء يعانون وأن التاريخ علمنا ولا يزال يعلمنا هذا الدرس. ويتابع قائلا :"عندما ننظر إلى تشويه صورة المسلمين العرب فإن ذلك يجعل كراهيتهم وقتلهم أسهل كثيراً". وأضاف :" يجب ألا تنخرط في تشويه شعب بسبب أقلية ضئيلة". ويؤكد شاهين في كتابه التحليلي أن مئات الأفلام التي ترجع إلى العام 1914 تصور العرب وكأنهم شر خالص مشيراً إلى فيلم "قواعد الاشتباك" الذي أنتجته شركة باراماونت العام 2000 باعتباره فيلماً يعزز الصور النمطية التي ألحقت ضرراً تاريخياً، ويشجع على تصوير العرب بشكل عام وخطر بأنهم معادون ومتطرفون بشدة للأميركيين. ويبدأ الفيلم بمشاهد تعرض أطفالا ونساء عرب مرتدين البرقع وهم يطلقون النار على السفارة الأميركية في العاصمة اليمينية صنعاء وضابط في الجيش الأميركي يعطي أوامره بإطلاق النار على المدنيين..
ويخلص شاهين في نهاية كتابه إلى "أن العرب يبدون متخلفين وخطرين عند النظر إليهم عبر عدسات هوليوود المشوهة". وقال الناقد السينمائي ديفيد ماك من مركز أبحاث مقره في واشنطن إن كتاب شاهين مخيف لأن الأفلام والتلفزيون يشكلان الرأي العام الأميركي. وأضاف ماك على كل مخرج ومنتج جاد في المسؤولية أن يقرأ كتاب شاهين وأن يحفظ بعضاً من هذه الدورس عن ظهر قلب. وشاهين يستخدم واحداً من كتبه الأولى وهو بعنوان "عرب التلفزيون" في المحاضرات الجامعية التي يلقيها على طلاب الدراسات العليا في كثير من الجامعات الأميركية عن العنصرية والتحيز في الولايات المتحدة. ويركز في أحدث أبحاث مشروعاته عن الشخصيات الأميركية العربية في الأفلام.
في الخاتمة لا بد أن نلفت عناية القارئ الكريم إلى أنه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول العام 2000 نشط اهتمام السينما الأميركية العالمية بالتركيز على مواضيع "الإرهاب والإرهابيين" وذلك بدعم رسمي ومباشر من إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، حيث بدأت تستعين بهوليوود في حربها المزعومة ضد الإرهاب....