لقد إستطاع خصوم حزب الله من تحوير الأزمة السورية لخلق تعبئة مذهبية واسعة ضمن الاوساط السنية بوجه حزب الله, وهو ما حد من قدرة حزب الله على الإقناع والتأثير داخل تلك الأوساط في هذه اللحظة الإنتقالية...
نشر المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق ورقة بحثية للباحث في العلاقات الدولية حسام مطر تحت عنوان "حزب الله والتحولات العربية: المواقف والمنطلقات", وتقع في 16 صفحة, وفيها خمسة عناوين فرعية.
يرى الباحث ان الشرق الأوسط يمر في لحظة إعادة تشكل تاريخية في ظل جملة تحولات وصراعات أبرزها ما يعرف "بالربيع العربي" الذي أدى لسقوط أنظمة عربية ( مصر , تونس, ليبيا) وتغيير جزئي في أنظمة أخرى ( اليمن) وإستمرار المواجهة في دول أخرى ( سوريا, البحرين). ولكن حتى في الدول التي شهدت نشوء أنظمة جديدة لا زالت الإضطرابات والصراعات تسيطر على المشهد السياسي, إنها مرحلة إنتقالية تمر بها المنطقة بأسرها والتي ستحتاج لأشهر طويلة قبل أن تتبلور محصلتها النهائية. من أبرز ما سيحدد شكل هذه المحصلة هي مواقف وسياسات القوى الإقليمية والدولية تجاه هذه التحولات, وهنا تبرز أهمية فهم موقف ومقاربة حزب الله من هذه الأحداث, بإعتبار أن الحزب بما يملك من نفوذ وتأثير وقوة يجعل منه فاعل سياسي ذا تأثير إقليمي وازن.
وعليه يطرح مطر الأسئلة التالية: إذاً كيف تعامل حزب الله مع التحولات العربية؟ ما منطلقات موقف الحزب من هذه التحولات؟ كيف غيرت هذه التحولات في البيئة الإستراتيجية للمنطقة من منظار مشروع الحزب في مقاومة إسرائيل؟ ما هي الفرص والتحديات التي تثيرها هذه التحولات بالنسبة لحزب الله؟ تهدف هذه الورقة الى إستكشاف موقف حزب الله من التحولات العربية التي عرفت بإسم "الربيع العربي" التي إنطلقت عام 2011 في تونس ثم مصر وإمتدت لاحقاً الى جملة دول عربية أخرى. سيجري التركيز على فهم خلفيات موقف الحزب من هذه التطورات والمعايير التي إعتمدها لتحديد موقفه منها, ثم مراقبة التغيير في رؤية الحزب لهذه الأحداث كلما تقدمت وتعمقت وتمظهر شكلها وأدوار القوى الخارجية فيها. وللإجابة عن هذه التساؤلات تنقسم الورقة الى المحاور الفرعية التالية:
أولاً: حزب الله والنظام الرسمي العربي: مقاربة تاريخية
ثانياً: بداية التحولات: تونس ومصر
ثالثاً: البحرين وليبيا: التدخل الخارجي والمذهبية
رابعاً: حزب الله والأزمة السورية: التحدي الإستراتيجي
خامساً, حزب الله في سوريا: نقطة تحول
ويختم مطر دراسته بالتالي:
لقد إستطاع خصوم حزب الله من تحوير الأزمة السورية لخلق تعبئة مذهبية واسعة ضمن الاوساط السنية بوجه حزب الله, وهو ما حد من قدرة حزب الله على الإقناع والتأثير داخل تلك الأوساط في هذه اللحظة الإنتقالية الهامة. ويدرك حزب الله جيداً حساسية هذه الإشكالية,الى درجة يكاد لا يخلو خطاب للسيد نصر الله من الإشارة لهذه النقطة, إضافة الى السعي الإعلامي والسياسي والثقافي الحثيث للحزب لمحاربة هذه الظاهرة.
وعلى الرغم من الأزمة السورية لا زال حزب الله مؤيداً للإنتفاضات العربية وينظر إليها بإيجابية, أي لم يدفعه الحدث السوري الى معاداة تلك الإنتفاضات بل رسم خطاً واضحاً بين ما يجري في سوريا وتلك الإنتفاضات. يُقارب حزب الله الصراع في سوريا على انه ذا بعد سياسي وإستراتيجي وليس مذهبي أو إثني, وعليه يؤكد الحزب على أهمية الإصلاح السياسي في سوريا بإعتباره شاناً داخلياً, مع رفض التدخل الغربي والعنف الذي لا علاقة له بالديموقراطية بل لنقل سوريا من موقع الى آخر يخدم المشروع الأميركي – الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
بالمقابل أتاحت هذه التحولات جملة فرص, أسقطت أنظمة مفصلية في المشروع الأميركي من دون ان تنجح واشنطن حتى الان في إيجاد بديل مستقر, التمكن من حفظ موقع سوريا في المعادلة الإقليمية رغم الأضرار التي لحقت بقوتها وفاعليتها, الحضور القومي للتيارات القومية والوطنية في المنطقة العربية والتي تربطها علاقات ممتازة بحزب الله, لا سيما التيارات الناصرية, وجود شرائح أساسية من أحزاب وشخصيات إسلامية معتدلة ترفض الخطاب المذهبي ومنسجمة مع مشروع المقاومة. ثم أن التوتر المذهبي الحالي مرتبط بشكل أساسي بالأزمة السورية بما يعني أنه في النهاية سيعود للتقلص والضمور وحينها يمكن للحزب ترميم جزء كبير من الصدع المذهبي خاصة بالنظر الى أن إنجازات الحزب كحركة مقاومة لا زالت حديثة ومستقرة في الوجدان العربي بشكل واسع.
إنطلق حزب الله في مواقفه تجاه التحولات العربية من ثوابت واضحة منسجمة مع طبيعته ومشروعه, حق الشعوب في الحريات وضرورة الإصلاح السياسي وتحقيق العدالة الإجتماعية, الأولوية للحوار والوسائل السلمية, رفض التدخل الخارجي, ودرء المخاطر التي يمكن أن تهدد مشروع المقاومة في المنطقة. فرغم كل التطورات التي تعصف بالمنطقة, أكد حزب الله مراراً على اولوية الصراع مع إسرائيل ودعا الأنظمة العربية الجديدة الى دعم خيار الشعوب في المقاومة لا سيما الشعب الفلسطيني وإعطاء هذه القضية اولوية في الخطاب والممارسة, على المستويين الشعبي والرسمي. كل ذلك, لأن التبعية للمشروع الأميركي هي أصل المفاسد في أنظمة المنطقة, ولذا تعامل الحزب مع أن حماية مشروع المقاومة في ظل التحولات هو أولوية تخدم مصالح الشعوب المنتفضة, فلا حريات ولا كرامة ولا سيادة, ولا رفاه وكفاية إقتصادية وأمن وإستقرار في ظل الهيمنة والإحتلال في الشرق الأوسط.