أقول يا سيدي، وأنت أعلم منا بذلك، أن الظلم والعدوان لم يحجبا يوماً من عينيك بريق أمل زرعه الله فيك، لتكون المرشد والملهم والهادي لهدي الله، وقد بذلت فلذة كبدك في سبيل ما تؤمن به
غسان ملحم / باحث سياسي في مركز الدراسات السياسية لأوروبا اللاتينية في فرنسا
أتوجه إليك بهذه الرسالة بُعيد إطلالتك بذكرى انتصار حرب تموز، وقبلها ظهورك لمناسبة يوم القدس، فأكتب إليك بقلمي وعقلي وقلبي معاً بقصد أن أقول كلمة حق في حضرتك بين يدي الله. فأنت سيدي رجل دونه بقية الرجال، وقائد من التاريخ دونه الزعماء، وعلم من أعلامنا بقامة المعصومين من أنبياء وأولياء.
أنت حقاً لست مجرد قائد للمقاومة اللبنانية أو شخصية سياسية وطنية أو إسلامية، بل إنك يا سيدي بحق تحمل رسالة السماء، وتحفظ أمانة الرسل من أنبياء وأئمة من بعدهم. أنت سيدي رسول زماننا هذا، وعماد أمتنا، تقف بالمقدمة وبالطليعة، وتنتظر صاحب العصر والزمان (ع)، ومعه المسيح بن مريم (ع)، وقد أدركت فعلاً ويقيناً عهد الله، قديمه وجديده، وجاهدت حق الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله وفرقانه، يوم اشتدت وطأة الظلم والجور والعدوان، وحقت كلمة ربك بأن يملأها بإذنه قسطاً، فمنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، وعظمت المحن، وتفاقمت المظالم، وضاقت السبل...
لك يا سيدي كل احترام وتقدير لشخصك ولقيادتك ولنهجك في المقاومة، حيث تحمل راية أهل البيت (ع)، وهي راية نبينا محمد (ص)، ومعها راية السيد المسيح (ع)، في نصرة الـحق ورفع المظلومية، وهما رايتان تلتقيان بإذن الله في بيت المقدس، في المسجد الأقصى، يوم العدل الإلهي، في قلب القدس، عاصمة الأرض والسماء. لك يا سيدي علينا كامل فريضة الطاعة لما تقول، لما تأمرنا به وتنهانا عنه، كما الوفاء لدم الشهداء ولمسيرة أنبياء الله وأوليائه الصالحين وأئمة بيته. ولك منا جميعاً الشكر ولله الحمد أن أيقظتنا من مرقدنا وبعثت فينا كلمة الله وقوله ورسوله والمؤمنين به. فأنت يا سيدي بهامتك تجسد واقعاً لا محالة بقية الله في أرضه، وسفير مهديه (عج) في غيبته، وحفيد رسوله (ص) وبحفظه، وسندان موسى (ع)، ولسان عيسى(ع).
إليك أكتب يا سيدي، وقد بدأت قبل أن تلقي خطابك، وأنا أترقب ما سوف تقول، وكأني كنت أعلم ما سوف تقول. ثمة من يعتقد أن استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت من شأنه أن يثني حزب الله عن المضي في تنفيذ ما يلتزم به علناً في قضية الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل، كما في قضية الصراع العربي الصهيوني، ومن ذلك التزامه الثابت والدائم بقضية القدس ومقدسات العرب والمسلمين في فلسطين المحتلة وبدعم المقاومة الفلسطينية بالمطلق، وأن يثنيه أيضاً عن مواصلة ما أعلنه صراحة في مناسبات عدة، على لسانك، ومعك ومن خلفك بقية قيادات الحزب والمقاومة، لناحية انخراطه في الصراع الدائر في سوريا من باب التمسك بدعم النظام السوري ومعه وحدة سوريا والتضامن معها دولة وشعباً في مواجهة المؤامرة التي تُحاك ضدها. ولكن من يعتقد ذلك هو مشتبه ومخطئ، كما قلت يا سيدي، وكأنه لم يعرفك بعد، ولم يعرف أيضاً بقية من رجال الله، وهم قلة، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة.
إليك أكتب يا سيدي، وأنا أعرف أن حملك ثقيل، وأن الواجب الشرعي والديني والوطني والقومي هو كبير وعظيم، ولكنني، كبقية متبقية ممن أحببت وتحب ويحبونك ويؤمنون بقضيتنا وبسلاحنا وبحقنا وبواجبنا، أعلم علم اليقين الذي لا تمحوه السنون، ولا تلغيه تقلبات الدهر، أنك ومن معك أهل لما بدأتموه من أجلنا جميعاً، وأنكم بعون الله قادرون وماضون ومنتصرون لا محالة إن شاء الله.
فلا مكان للضعف، ولا مكان للهوان، ولا مكان للتراجع، فلا مكان إذاً لغير انتصار إلهي نراه في عينيك وعلي أيدي رجالك صانعي النصر التاريخي والمعـجزات التي ستغير وجه المنطقة والعالم. لم يعد ممكناً التسليم بأنصاف الحلول والتسويات السياسية والدبلوماسية، بل لم يعد ممكناً تأخير ما قد أذن به الله عز وجل، فكان أمراً مقضياً، وكان أمراً مفعولاً. وعليه، لم يعد مبرراً أو مقبولاً الصمت أو الحياد أو النأي بالنفس عن قول كلمة الحق من قبل أي كان، مهما علا شأنه أو عظم سلطانه، فلا شيء يعلو البتة مصلحة هذا الوطن الصغير وأمن الناس وقضية أمة... وأية أمة!.
لك أقول يا سيدي، وأنت أعلم منا بذلك، أن الظلم والعدوان لم يحجبا يوماً من عينيك بريق أمل زرعه الله فيك، لتكون المرشد والملهم والهادي لهدي الله، وقد بذلت فلذة كبدك في سبيل ما تؤمن به، وما نؤمن به معك وفيك، وقالوا بعدها الكثير الكثير مما لا يطاق ولا يحتمل، وكأني بهم لا يفقهون حتى معنى العزة والكرامة والشرف، وتعاليت عن الجراح والشدائد والصغائر، ومضيت إلى حيث أنت ومن معك، وعسانا نكون معك ومن معك... إلى حيث لن يصلوا ولن يُدركوا ولن يدخلوا... ولكنك يا سيدي بقيت وستبقى كبيراً وشامخاً وعالياً، لا يطالك أقزام أو عملاء، ولا ينالك صغار أو سفهاء، ولا يثنيك شيء، أي شيء، تعلو بقامتك وهامتك يا وريث الأنبياء، ويا نصير الضعفاء، ويا حفيد محمد وعلي، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
سلام إليك يا سيدي حيث أنت، وتحية بل ألف تحية لك وللمجاهدين معك في كل مكان وفي كل زمان، وللمقاومين من أجل لبنان وسوريا وكل فلسطين ومعها بقية البلدان والميادين. سلام إليك وسلام عليك يا قائد المقاومة، ويا إمام الجهاد، ويا رسول السلام... سلام إليك وسلام عليك يا وصي موسى (ع) وعيسى (ع) ومحمد (ص) وصاحب العصر والزمان (عج)، ويا حفيظ الدعاء والرسالة، ويا حامل الراية من أجل الهداية، فأنت منهم جميعاً بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعد.
معك ومن خلفك نخطو دائماً من نصر إلى نصر، لنصنع تاريخنا ومجد أمتنا وبلدنا. فمهما قالوا، لن يغير ذلك فينا شيئاً. وقبلاً لن يغير ذلك فيك شيئاً أبداً، وسنمضي معاً، بقيادتك وتحت رايتك وراية الحسين (ع) ومن بقي معه، لنبلغ المراد والمنال أو دونهما الشهادة. فنحن جميعاً، وكما كنت تردد سيدي على الدوام، أبناء تلك المدرسة الحسينية التي صنعت بالدم والقلم والسيف المجد والنصر والعزة، وانتصرت وبها نعود وننتصر. ونحن أيضاً أبناء تلك المدرسة النصرانية التي قد أعزها الله، وخصها بروحه، ورفعها إلى ملكوته. كما أننا أبناء تلك المدرسة الموسوية التي أمدها الله بكليمه موسى (ع)، وقفّينا من بعده بعيسى (ع)، وخاتمها أحمد (ص) في السماء. ونحن أخيراً أبناء تلك المدرسة المحمدية، ودينها إسلام حنيف منهم براء!.
سنبقى معك سيدي، وأنت معنا، لا يضيرنا ظلمهم وطغيانهم وجورهم وعدوانهم فينا وبحقنا وبدمائنا وبأوطاننا، ذلك أننا سنظل نقول، مهما فعلوا، أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة، وأن المقاومة باقية... باقية... باقية... في قلوبنا وفي عقولنا وفي عيوننا، دون مهادنة أو مراوغة، فلا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض... بل لا استسلام ولا سلام يغير انتصار إلهي، لنستعيد حقنا وأرضنا ومقدساتنا في الجنوب والجولان وبقية البقاع المحتلة أو المغتصبة حتى المسجد الأقصى وكنيسة المهد وكنيسة القيامة، فالنصر آتٍ... آتٍ... آت إن شاء الله، والمعركة قادمة، وهي الفاصلة وهي الحاسمة، فأعدوا لهم ما استطعم... وليكن لقاؤنا قريباً... مع النصر المحتم، وهو نصر استراتيجي وتاريخي وإلهي، لنغير وجه المنطقة ومسار الصراع وكتاب التاريخ.