بقي المسلمون نحواً مديداً بعد الفتح الإسلامي لبلدان الشرق الأوسط والأدنى منهمكين بالأمور السياسية والعسكرية الخاصة بدولتهم الجديدة
صدر عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ضمن سلسلة الدراسات الحضارية كتاب تحت عنوان: "الرَّقابة على السّلطة في الفقه السياسي" للأستاذ سجّاد إيزَدَّهي ترجمة: رضا شمس الدّين. ومن المحتويات كلمة المركز، المقدمة وخمسة فصول: الفصل الأول: المصطلحات العامة. الثاني: الرقابة في مرحلة استلام السلطة. الثالث: الرقابة في مرحلة ممارسة السلطة. الرابع: الرقابة في مرحلة توزيع السلطة. الخامس: الرقابة في مرحلة تداول السلطة. والخاتمة.
وفي كلمة الناشرَين جاء: بقي المسلمون نحواً مديداً بعد الفتح الإسلامي لبلدان الشرق الأوسط والأدنى منهمكين بالأمور السياسية والعسكرية الخاصة بدولتهم الجديدة، من تأسيس الدواوين والكتّاب والمؤسسات الإدارية التي تُعنى بشؤون سكان المناطق المفتوحة. لكن بعد أن توسعت حركة الفتوحات، وتوطدت العلاقات مع الأمم والشعوب الأخرى، ونتج عن ذلك انفتاح ثقافي على سائر الناس، وتلاقح فكري مع ثقافات وأفكار جديدة، تجلّت الرغبة في إجراء تبديل في نوعية التعامل مع الأقوام الجدد الذين دخلوا الإسلام زرافات زرافات، واعتنقوا تعاليمه، ورضوا به مسلكاً وعقيدة لدينهم ودنياهم.
وفي طليعة هذه التبدلات النوعية، إيجاد قناة تواصل يتسنّى من خلالها للمسلمين التعرّف إلى ثقافات الشعوب والأمم الأخرى، والتعرّف إلى علومهم المحلية، ومفردات مخزونهم الفكري والثقافي، فظهرت حركة "الترجمة" في هذا السياق، لتحصل من خلالها عملية التعارف بين الأوجه الثقافية المتناثرة كآثار باقية لحضارات سابقة، وتلاقح بين علوم وتقنيات مختلفة على الصعيد العلمي والعملي، من أجل إفادة المسلمين مما بلغه الآخرون؛ في تنظيم أمور معاشهم وسياستهم.
هذا الكتاب هو حصيلة جهود قيّمة بذلها السيد سجّاد إيزَدِهي، حيث يهدف من ورائه إلى دراسة أسس الفقه السياسي الإسلامي في ما يرتبط بموضوع الرقابة على السلطة السياسية. وهو يعدّ خطوة رائدة في سبيل التعرّف إلى النظريات الفقهية الإمامية في مجالي السلطة والرقابة على مؤسساتها. وهذه الدراسة مرهونة في نجاحها وعناصر القوة فيها لجهود عدد من الباحثين الذين ساهم كل منهم في جانب من جوانبها بحسب اختصاصه وطبيعة اشتغاله.
وفي المقدمة: إن الفساد وسوء استخدام أصحاب السلطة للإمكانات والقدرات المتاحة لهم، ونزوعهم نحو الاستبداد والظلم وجمع الثروات، وإلى ما هنالك من مشكلات لهي مظاهر احتلت مكاناً واسعاً من دائرة أفكار العلماء منذ زمن بعيد. فمن جهة هم يرون ضرورة اجتماعية لقيام حكومة أو دولة مركزية تدير الناس، وأن المجتمع بغيرها سيؤول إلى حالة من الهرج والمرج، وينعدم فيه الأمان، وسيؤدّي – بيطعة الحال – إلى ما لا يعدّ ولا يحصى من المفاسد والأضرار والخسائر التي تغرق فئات المجتمع كافة. ومن جهة أخرى تعطي الحكومة أصحاب السلطة الحق في إعمال إرادتهم في المجتمع، وتوجيه حركته في مسير معيّن.
لقد شغِل المفكرون منذ القدم بالبحث عن سبيل يمكن من خلاله استلام الحكم لإدارة المجتمع مع التخلص من مفاسد بدة وعيوبها. ومن هنا، كانت الأنظمة السياسية – وبدافع الوقوف أمام الديكتاتورية والاستبداد وسوء استغلال الحكام للمواقع والمناصب – تسعى إلى إرساء آلية يمكن بها الأخذ بزمام سلطتهم بما لا يؤدّي إلى الجور والطغيان، وذلك من خلال فرض الرقابة على أنشطتهم وتحركاتهم.
ومن وجهة نظر تاريخية يرجع تأكيد المجتمعات الغربية على ضرورة الرقابة إلى تلك التجربة المريرة التي عاشتها مع الحكام في القرون الوسطى، فقد كانت الحكومات المستبدة آنذاك – وبدعم من الكنيسة – تدعي لنفسها خلافة الله على الأرض، ثم تحكم الناس من هذا المنطلق، لذا لم تكن ترى من واجبها أن تجيب على استفهامات المجتمع، وقد أيّد أرباب الكنيسة هذه الحال، فكانوا يبرّرون غياب الرقابة على أعمال الحكام، وكثرت هذه التبريرات حتى أضفت على الحكام وأنظمتهم طابعاً شرعياً واستثنيوا من الرقابة.
وتفيد التجارب أن كل صاحب سلطة يميل إلى سوء استخدام سلطته، وأنه يسعى ما أمكنه إلى التوسّع... وللحدّ من ذلك تمسّ الحاجة إلى ضبط السلطة بالسلطة.
وفي غضون ذلك، وحيث كان الشيعة في معظم أدوار عصر الغيبة يعيشون ضرباً من التقية، ولم يصلوا فيها إلى تجربة الحكم، بل لم يكن بإمكانهم الحديث عن نظامهم الأمثل نظراً إلى الظروف المحيطة بذلك العصر، لذا فإن البحث عن نظام الرقابة على السلطة وآلياتها يبدو أنه كان بحثاً غير ممكن عندهم. وبناء على هذا، خلت الدراسات الفقهية الشيعية التي طرحت على مدى ذلك العصر من دراسة آليات الرقابة على السلطة السياسية. وليس في ذلك قصور من الفقهاء أو تقصير، بل السرّ يعود إلى الظروف الاجتماعية لذلك الزمان.