"إننا بلا شكّ أمام خسارة كبيرة مُنِي بها الإخوان في مصر، فكان هناك فرصة تاريخيّة لكلّ حركات الإسلام السياسي في المنطقة، إلا أنَّها فُوّتت، حيث أصبح الإسلاميون في موقع الدّفاع عن النّفس لا في موقع العمل
تحت عنوان: "مستقبل الحركات الإسلامية في ضوء ما يجري في مصر"، عقدت مؤسَّسة الفكر الإسلامي المعاصر، ندوة فكريَّة حواريَّة، في قاعة ملحقة بمسجد الحسنين(ع) في حارة حريك، حضرها سعادة سفير جمهورية السودان الدكتور أحمد حسن أحمد محمد، وممثل السفير الإيراني في لبنان، ومسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس أسامة حمدان، وممثل حزب الدعوة الإسلامية في العراق أبو ميثم الجواهري، ونخبة من المهتمّين من أصحاب الفكر والثقافة في لبنان.
قدّم الندوة الإعلامي محمَّد شرّي، الَّذي وضع أمام المحاضرين مجموعةً من الأسئلة تتعلّق بمستقبل الأوضاع في مصر، ومستقبل العلاقة بين القوى والحركات الإسلاميَّة في المنطقة، قائلاً، أنّنا، كإسلاميين، ارتكبنا الأخطاء في ممارسة الحكم، ولم نخطط للثورة ولا لإدارة السلطة...
ثمّ كانت كلمة لرئيس المكتب السّياسي للجماعة الإسلاميّة، الأستاذ عزام الأيوبي، الّذي بدا شديد الثقة بما قدَّمه الإخوان في تجربتهم في السلطة خلال عام كامل، والتي كانت، بحسب رأيه، "على شكل غير مسبوق من الانضباط والالتزام والسلميّة، ما يعطي حركة الإخوان المسلمين الحقّ بأن تدّعي بأنّها الحركة الأولى في حماية الحريّات...".
وأردف قائلاً: "لو كُتب للثورة أن تستمرّ، ولتجربة الإسلاميين أن تُستكمل، لحدث تغيير كبير، ليس في وجه المنطقة فحسب، بل في وجه العالم بأسره"، معتبراً أنّ تجربة الإسلام السياسي في مصر، أثبتت أنّها نظيفة الكفّ، وأنها حكم رشيد يعمل للصّالح العام لا لصالح حزب، وبالتالي، يمكن التعويل عليها، ولا سيما بعد فشل التّجارب الأخرى".
وأرجع عزّام أسباب الوضع الراهن في مصر، إلى المؤامرة التي حيكت ضد الإسلاميين منذ اللحظة الأولى التي تولّى فيها الرئيس محمد مرسي سدة الرّئاسة، بل ومنذ لحظة تخلي الرّئيس حسني مبارك عن السّلطة. فرأى "أنَّ الشعب لم يستدرك في اللحظات الأولى من تنحي مبارك، أنَّ ما حصل كان عمليّة تهدف إلى استيعاب حركة الشّارع وامتصاص الثّورة، من أجل إعادة النظام السابق مع تغيير في الشكّل لا أكثر".
وأضاف: "عملية الثورة في مصر لم تنجز سوى إسقاط حسني مبارك الشّخص، فيما نظام الحكم بقي على ما هو عليه". ثمّ تحدّث عن دور أجهزة الدّولة في تشويه صورة مرسي وكل حركة الإخوان المسلمين، مشيراً إلى أنهم حاولوا إسقاط حكمه في البداية بالشكل التكتيكي، من دون أن يخطّطوا لانقلاب كما حدث، بل فضّلوا أن تمضي العمليّة بالشّكل الطّبيعي، شريطة النجاح في إفشال الحكم في عملية تسيير الأمور، إلا أنّهم أدركوا في النّهاية، أنه لو أُعطي وقتٌ أكثر من ذلك لمرسي، فالقضية ستصبح صعبة".
وعن الوضع الحاليّ، اعتبر رئيس مكتب الجماعة الإسلاميّة، أنّ الانقلابيين في مصر يريدون أن يجرّوا البلاد إلى الحرب الأهلية، إلا أنَّ الصورة المصرية الحاليّة تبشّر بأنّ الفرصة بجر مصر إلى تلك الحرب فشلت، والانقلاب سقط بكلّ المعايير، منتقداً الإعلام العربي، "من يتابع الإعلام الغربي، يجد أنّه كان أكثر إنصافاً بحقّ شعوبنا من أبناء جلدتنا".
ثم تحدث الخبير في الشؤون الإسلاميَّة، الدكتور طلال عتريسي، فقال: "إننا بلا شكّ أمام خسارة كبيرة مُنِي بها الإخوان في مصر، فكان هناك فرصة تاريخيّة لكلّ حركات الإسلام السياسي في المنطقة، إلا أنَّها فُوّتت، حيث أصبح الإسلاميون في موقع الدّفاع عن النّفس لا في موقع العمل، وخصوصاً أنَّ الإخوان المسلمين ارتكبوا العديد من الأخطاء، بما فيها تلك الّتي وعدوا بتجنّبها، مثل الطموح في الوصول إلى السّلطة، وقطع الصّلة مع حلفاء محتملين، وانشغلوا بدلاً من ذلك بتعزيز سلطتهم...".
واعتار أنّ ما يجري هو أمرٌ طبيعيّ في إطار التّحوّلات التّاريخيّة الّتي تحصل في المراحل الانتقاليّة، إلّا أنّه طرح تساؤلات عديدة عن الأسباب التي أدت إلى افتقاد الثقة بتلك المرحلة الانتقاليّة، والأسباب التي أدّت إلى انسحاب السلفيين من التّحالف مع الإخوان، والتي دفعت برموز مصريّة رمزيّة إلى رعاية الانقلاب...
وختم قائلاً: "لقد اعتمد الإخوان في الوضوع الخارجي على سياسة التّطمين، لا رفع الراية الواضحة التي تعلن عن هوية النّظام الجديد، فثمة مشكلة كبيرة برزت في السياسة الخارجية، وهذا ما لعب دوراً كبيراً في مناخ التّحريض الدّخلي في مصر".