يجول خالد بزّي في أزقة بنت جبيل. يدخل بيوتها.. بيتاً بيتاً. يعرّج على حقولها وكروم العنب والزيتون. يركن في هدأة الليل إلى رفاق السلاح والتصدي
سبع سنوات وحكايات حرب تموز لا تنتهي
«الحاج قاسم» وُلد من بطن أمه ثائراً
كامل جابر
يجول خالد بزّي في أزقة بنت جبيل. يدخل بيوتها.. بيتاً بيتاً. يعرّج على حقولها وكروم العنب والزيتون. يركن في هدأة الليل إلى رفاق السلاح والتصدي. يتفقدهم واحداً واحداً، ولا يستريح في مثواه، قبل أن يطمئن، إلى أن العين الساهرة على أمن الجنوب متيقظة لأي عدوان.
يحضر «الحاج قاسم» ورفاقه، بعد سبع سنوات على تموز التاريخي، في التفاصيل اليومية لأبناء بنت جبيل. إنه خالد بزي، القائد المقاوم ابن المدينة، الذي رفض أن يترك الميدان لحظة واحدةً. قاد عملية أسر الجنديين الإسرائيليين في «خلّة وردة»، وعندما اطمأن أن «الأمانة» (الأسيران) وصلت إلى مكانها، يمّم وجهه شطر الحدود نحو بنت جبيل وأخواتها العصيات على العدوان.
ولد خالد بزي من بطن أمه ثائراً. على حدائها الأول، حفظ نشيده الثوري «يا خالد يا خلّودي، بإيدو سيف وبارودي، يا ربي يكبّر خالد، ويحارب جيش اليهودي». وبعدها نذرت خديجة بزّي ابنها خالد، من بين أخوته التسعة، للصلابة والعنفوان وتحمّل المسؤولية. ويوم دارت تبحث عنه في الربوع الجنوبية، ليهدأ قلبها على الشاب الذي لم يكن ليبلغ الحلم، وهو ابن ستة عشر ربيعاً، ذكّرها بنذرها وعتابها: «يا خالد يا خلّودي...»، وأردف: «أنت يا أمي علمتني ألا أنام على ضيم، وأن لا أرضى لعدوي بأن يدوس تراب وطني وأنا أقف أتفرج»، كما تروي والدته الحاجة «أم علي».
عجن الوعر الجنوبي خالد بزي، ومنحه صلابة قلب واحترافاً قتالياً ميدانياً؛ ومع ذلك لم يمسح عنه سماحته وتعلقه بأهل مدينته الذين ارتبط معهم بعلاقات إنسانية واستطاع أن يستقطب ثلة شبابية جنوبية جعل أفرادها على صورته الثورية.
شارك «الحاج قاسم» في معظم عمليات المقاومة الإسلامية في محور القطاع الأوسط (بنت جبيل وقراها)، حتى أضحى كادراً أساسياً من كوادر المقاومة. هاجس تحرير الأسرى لم يغادر تفكيره يوماً، ولولا الصدفة، كادت أن تنجح عملية الغجر بتاريخ 21/11/2005 التي شارك فيها تخطيطاً وتنفيذاً؛ وقد فُقد ساعات عدة بعد انتهاء العملية، حتى ظنّ رفاقه أنه استشهد.
قبل الغجر، شارك خالد في عدد كبير من العمليات النوعية في منطقة القطاع الأوسط، وأبرزها في 16 شباط 1992 قيادة الهجوم على موكب إسحاق موردخاي وعقل هاشم، الذي كان يتألف من 33 سيارة على طريق مركبا ـ حولا، في أعقاب اغتيال الشهيد السيد عباس الموسوي وعائلته. وكذلك استهداف إيلي عميتاي قرب موقع العباد، قبل عدوان نيسان 1996. وقد قال عنه المحلل العسكري الإسرائيلي آلون بن ديفيد: «إننا نواجه خصماً ليس شجاعاً فحسب، بل يتمتع بمستوى عالٍ من التخطيط والأداء».
في يوم عملية الأسر في «خلّة وردة» (صباح 12 تموز 2006)، ضرب المقاومون وكانوا عشرة، بقيادة خالد، آلية «هامر» إسرائيلية خلف الحدود، ثم دخلوا وسحبوا منها جنديين، نقلا في سيارتين إلى خارج المنطقة، وشاركه المهمة الشهيدان سيد أبو طعام (استشهد معه في بنت جبيل) ومحمد حسن قانصو («ساجد»، الذي سقط لاحقاً دفاعاً عن المدينة).
أشرف خالد على تنفيذ عملية «خلة وردة» من ألفها حتى يائها، ومن ثم تأمين «الغنيمة» الإسرائيلية، إلى حيث يجب، قبل أن يُكلّف بمسؤولية العمليات الميدانية في بنت جبيل ومحيطها حيث دارت أشرس المعارك في مربع مارون الراس - بنت جبيل - عيترون - عيناثا وفي تلّة مسعود عندما حاول العدو اقتحام المدينة والالتفاف على منطقة صف الهوا.
فُقد الاتصال بخالد مرات عدة، خصوصاً خلال الاشتباكات العنيفة عند مربع مارون الراس. وكان يصعب على رفاقه تحديد مكانه، لأنه كان يحرص كثيراً على عدم استخدام أجهزة الاتصال اللاسلكية.
في اليوم السادس عشر للعدوان (في 28 تموز 2006)، وبعد أيام وليال لم يذق فيها «حلاوة» النوم، رقد خالد بزي مع رفيقه القيادي سيّد أبو طعام والمقاوم كفاح شرارة في تربة بنت جبيل، في أعقاب غارة نفذها الطيران الحربي الإسرائيلي على أحد بيوت المدينة.
«بقيت جثث الشهداء الثلاثة مطمورة إلى ما بعد وقف إطلاق النار بأربعة أيام، فانتشلت ليشيّعوا أبطالاً، تلازموا في المعارك والمواجهات والتصدّي، واستشهدوا معاً بعدما نالوا العزّة وحققوا مع أترابهم النصر والحرية ومعادلة النار بالنار؛ ووقعوا أسماءهم في ميثاق الوعد الصادق» يقول أحد رفاق السلاح.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه