فعندما ننكر الاختلاف التكويني بين الرجل والمرأة، لا يبقى أي معنى لتمييز قانوني وحقوقي بين الجنسين، ولا بد من أن نؤمن القوانين المساواة الكاملة بين المخلوقين اللذين يفترض تساويهما من الناحية التكوينية
صدر كتاب "المرأة هويّتها الجنسية وأدوارها الاجتماعيّة" لمحمد رضا زيبائي نجاد وآخران تندرج ضمن سلسلة الدراسات الحضارية التي يصدرها مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي. ترجمة: رعد الحجاج.
ويحوي هذا الكتاب على كلمة الناشرين، بين يدي الكتاب وتقديم إضافة إلى عناوين التالية: الاختلافات التكوينية: قراءة في الآراء، في العلوم التجريبية، في ضوء النصوص الإسلامية، الهوية والأدوار الجنسية، والأدوار الجنسية بين الرؤية الإسلامية ونظرة العلوم الاجتماعية، الأدوار الجنسية تعريفها وآثار اختلالها.
كلمة الناشرين جاء فيها: شهد القرن الماضي كثيراً من التحولات الاجتماعية والثقافية، وكان جزء منها من آثار الثورة الصناعية وعلى الخصوص ثورة الاتصالات وما يرتبط بها. وقد تركت هذه الثورة أثرها على معظم جوانب الحياة الإنسانية، ولكن المرأة والأسرة ككل كانتا الأكثر تأثّراً بتلك التغييرات. وهذه التغييرات التي طرأت على الأسرة كانت بالدرجة الأولى ناشئة من تبدل الهيكليات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للقرن الماضي، ولكن البعد النظري الذي تستند إليه هو التحوّل الذي طرأ على العلوم الاجتماعية؛ إذا كانت تقدم التبرير النظري لهذه التحولات وتدافع عنها.
فعندما ننكر الاختلاف التكويني بين الرجل والمرأة، لا يبقى أي معنى لتمييز قانوني وحقوقي بين الجنسين، ولا بد من أن نؤمن القوانين المساواة الكاملة بين المخلوقين اللذين يفترض تساويهما من الناحية التكوينية. وأخيراً، لا بدّ من مغادرة الطرائق المبنية على الاعتقاد بالاختلاف بين الفتى والفتاة، من أجل إعداد كل منهما لدورٍ خاص به؛ وذلك لأن لا خصوصية ولا دور مختلف بينهما.
والكتاب الذي نقدمه هو محاولة للإجابة عن الأسئلة الآتية بطريقة مقارنة بين الرؤية الإسلامية والنظريات الحديثة عموماً والنسوية منها على وجه التحديد، وهذه الأسئلة التي تبتغي الإجابة عنها هي: ما هو موقف الإسلام والفكر الإسلامي، من قضية الاختلاف التكوينيّ بين الرجل والمرأة؟ ما هي رؤية الإسلام إلى موقع كل من الرجل والمرأة ودورهما في المجتمع الإنساني؟ وما هو موقفه مما يطرح في العلوم الاجتماعية والفكر النسوي؟ ما هو رأي الإسلام في ثبات الأدوار الاجتماعية وتحوّلها؟ ويبدو لنا أن الدرس الدقيق لهذه الأسئلة يكشف لنا عن قبول الفكر الإسلامي بضرورة التمييز بين الجنسين في مجال الحقوق والواجبات، وبالتالي في مجال الأدوار التي يؤدّيها كل منهما في المجتمع.
لقد حاول عدد من المفكرين المسلمين في العقود الأخيرة، وخاصة في الجمهورية الإسلامية في إيران، تحديد الإطار النظريّ للرؤية الإسلامية في موضع المرأة والأسرة، فعمدوا، من جهة، إلى الدفاع العقلاني عن التعاليم الدينية، ومن جهة أخرى، طرحوا أنموذجاً لتحليل قضايا المرأة، وقدموا توجهاً جديداً لإصلاح وضعها الفعلي. وفي هذا المجال، كانت مبادرة آية الله مطهري في تأليف كتاب "نظام حقوق المرأة في الإسلام" خطوة لا مناص عنها، بلحاظ بيان الموضوع من ناحية، ومن حيث التأثير الاجتماعي الواسع من ناحية ثانية؛ فنجد هذا المفكر المدين في كثير من أفكاره إلى أستاذه العلامة الطباطبائي قد سعى إلى الدفاع العقلاني عن التفاوت بين المرأة والرجل بلغة سلسة وبليغة ومفهومة للجميع.
ويعتبر هذا الكتاب الذي أُلّف في خضم الموجة الثانية للحركة النسوية عام 1960م من خيرة الآثار والكتب المؤلّفة في مجال الفكر الديني منذ تلك الفترة إلى اليوم، إلا أنه لما كان ناظراً إلى الأسئلة المطروحة في عصر تدوينه، فإنه غير قادر على الردّ على جميع التساؤلات الأساس المثارة اليوم، بعد عبور مرحلة الأمواج الثلاثة للحركة النسوية، وانتشار تصورات ما بعد الحداثة، وتشكيل النظام الإسلامي في إيران، ودخول الدين إلى مجال التخطيط، وخوضه عباب التطورات الثقافية والاجتماعية الأخرى. ومن هذا المنطلق، تبقى حاجة ملحة لتدوين كتب ودراسات بحثية معنية بالإجابة عن الأسئلة الأساس المطروحة في هذا المجال.