ما هي الرسالة التي أراد "الإرهاب" أن يوجهها في طرابلس أمس؟ والى من؟ والى ماذا ترمي؟ وهل ستؤدي الى الفتنة المطلوبة؟ وكيف ستكون المواجهة؟ وماذا بعد؟
غسان ريفي
ما هي الرسالة التي أراد "الإرهاب" أن يوجهها في طرابلس أمس؟ والى من؟ والى ماذا ترمي؟ وهل ستؤدي الى الفتنة المطلوبة؟ وكيف ستكون المواجهة؟ وماذا بعد؟.
ما هو الذنب الذي اقترفته هذه المدينة، الضحية الدائمة على مذبح التجاذبات السياسية والأمنية المحلية والاقليمية، من محاورها التقليدية الساخنة في التبانة وجبل محسن والقبة والمنكوبين، الى التفجيرين الارهابيين، حتى تعاقب بكل هذا الحديد والنار، وبنهر الدم الذي تدفق من مسجد التقوى في الزاهرية الى مسجد السلام في الميناء، بهدف جرها الى ردود أفعال تحقق غاية الارهابيين بالفتنة العمياء التي لا تبقي ولا تذر؟.
ومن يعوض الثكالى والأرامل واليتامى والجرحى والمتضررين، وما أكثرهم في طرابلس "أم الفقير" و"حاضنة الفقراء"، في وقت ما تزال فيه بعض التجاذبات السياسية تحول دون قيام الهيئة العليا للإغاثة بدفع التعويضات لمتضرري الأحداث الأخيرة؟ وفي وقت ما يزال فيه صراع الأجهزة الأمنية يحول دون ضبط الأمن بشكل كامل في مدينة بات الأمن فيها مفتوحاً على كل الاحتمالات؟.
ومن يعيد الى طرابلس أمنها، وهي التي كانت على وشك أن تتنفس بعضاً من الاستقرار بفعل التدابير الأمنية الاستثنائية التي قررت الأجهزة الأمنية، متأخرة، اتخاذها في العاصمة الثانية التي بدأت تلفظ أنفاسها الاقتصادية الأخيرة، وبدأ هيكلها الاجتماعي يتداعى من كثرة إشراكها في الغرم وتحييدها عن أي غنم؟.
وهل مكتوب على أهل طرابلس إذا لم يقتلوا برصاص القنص، أو بالاشكالات الفردية، أو على المحاور الساخنة، أن يقتلوا في مساجدهم في لحظات إيمانية وعند توقيت صلاة الجمعة وبسيارات مفخخة لم يكن ينقص المدينة غيرها حتى تستكمل دائرة المؤامرات عليها وعلى أهلها؟.
ومتى ستقوم الدولة اللبنانية بواجباتها أمناً وإنماءً تجاه طرابلس التي يشعر أهلها أنهم باتوا كالأيتام على موائد اللئام؟.
بالأمس اتحد الدم الطرابلسي ضد الإرهاب الذي لم يفرق بين فقير أو غني، أو بين منطقة شعبية وأخرى راقية، خصوصا أن من أراد نشر الارهاب ودماءه ودماره في طرابلس أراد أن يقتل أكبر عدد ممكن من الطرابلسيين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو نسيجهم الاجتماعي، وذلك في عقاب جماعي للمدينة أدى الى مذبحة سيكون من الصعب على أبناء طرابلس تجاوز تداعياتها ومآسيها.
ثمة قواسم مشتركة بين التفجيريين الارهابيين، فالمسجدين يؤمهما شيخان من كبار المشايخ السلفيين، الشيخ سالم الرافعي في مسجد "التقوى" الذي يحتضن في كل يوم أكثرية المنتمين الى التيار السلفي في طرابلس، ومنه خرجت فتوى الجهاد في سوريا رداً على مشاركة "حزب الله" في القتال هناك، ومنه تصدر المواقف الاسبوعية التي تتعلق بالتوجهات السلفية حيال التطورات السياسية في لبنان والمنطقة.
وشيخ قراء طرابلس بلال بارودي في مسجد "السلام"، وهو المعروف بدعمه للثورة السورية وبمواقفه العنيفة ضد سوريا وإيران و"حلفائهما" في لبنان، لكن المسجد بحد ذاته لا تقصده فئة إسلامية معينة، بل هو مفتوح لكل عائلات طرابلس، لا سيما أولئك القاطنين في طريق الميناء، أحد أرقى شوارع المدينة وأغناها.
وإذا كان منفذو التفجيرين الارهابيين أرادوا توجيه رسالة دموية الى السلفيين وشيخهم سالم الرافعي الذي نجا بأعجوبة من موت محتم، فإن الرسالة الدموية الثانية كانت لكل أبناء طرابلس، فضلا عن أنها رسالة الى كل القيادات السياسية في المدينة التي تقع منازلها في محيط المسجد، وذلك في إشارة واضحة من الارهابيين بأن أحداً في طرابلس لم يعد بمأمن، خصوصاً أن كثيراً من هذه القيادات غالباً ما يؤدون صلاة الجمعة في المسجد.
ولعل الرسالتين معاً كانتا تهدفان من خلال رمزية المسجدين، ورمزية إماميهما الرافعي وبارودي، ورمزية محيطهما، وعلى مسافة إسبوع واحد من تفجير الرويس في الضاحية الجنوبية، الى جرّ طرابلس نحو الفتنة العمياء، وبالتالي جرّ مجموعاتها الاسلامية المسلحة وغيرها الى ردود أفعال انتقامية وعشوائية تسيء الى المدينة والى اعتدالها، ودفعها الى اعتماد مبدأ الأمن الذاتي، بما يؤدي الى عزل طرابلس وتحويلها الى حاضنة للتطرف وضرب نسيجها الاجتماعي بعضه ببعض، وبالجيش اللبناني والقوى الأمنية، بما يحقق الغاية المطلوبة من كل هذا الدم الذي أريق في المدينة.
وإن كانت صدرت بعض مثل هذه الدعوات كردة فعل أولية على هول المذبحة التي نتجت عن التفجيرين الارهابيين، إلا أن تنبّه القيادات السياسية لهذا الأمر، ومسارعتها الى عدم الجنوح نحو اتهامات انفعالية وسياسية، وتضامنها مع بعضها البعض بغض النظر عن الخلافات المحلية، ساهمت في احتواء الموقف، وفي حماية طرابلس، وسحب فتيل تفجير جديد فيها قد يكون أقوى بكثير من التفجيرين الارهابيين، وأكبر وطأة على أهلها المجروحين.
وتزامن ذلك مع اتصالات مكثفة علمت "السفير" أنها جرت بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري وقائد الجيش، لاحتواء الموقف والتأكيد على أهمية دور الجيش اللبناني في التصدي لكل المشاريع المشبوهة وفي تعزيز الاستقرار وضبط الوضع، والتوافق على توفير كل الدعم له للقيام بالواجبات المنوطة به.
كما أن إسراع أبناء جبل محسن الى استنكار التفجيرين، ونزولهم الى مستشفيات طرابلس للتبرع بالدم للجرحى، أطفأ كل المحاولات الرامية الى إشعال حرب انتقامية كان البعض حاول إشعالها.
هذه الأجواء الرافضة للفتنة عبر عنها نواب المدينة و"اللقاء الوطني الاسلامي" الذي يضم الشيخين سالم الرافعي وبلال بارودي الى جانب نواب ومشايخ، فدعا اهالي طرابلس الى التحلي بالحكمة والصبر ورباطة الجأش، رافضاً أن يجرنا التفجيران الى الفتنة العمياء، أو الى اعتماد مشاريع الأمن الذاتي التي لا تخرج عن كونها مشاريع ميليشيات تمهد بدورها للأسوأ من انفجارات أمنية وحروب أهلية".
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه