أي من المدمرات الأميركية الأربع «راميج»، «ماهان»، «غرافيلي» أو «باري» ستقصف دمشق... إذا ما اتخذت واشنطن قرار الحرب على سوريا؟
«المراقبون الدوليون» اليوم في محيط الغوطتين
محمد بلوط
أي من المدمرات الأميركية الأربع «راميج»، «ماهان»، «غرافيلي» أو «باري» ستقصف دمشق... إذا ما اتخذت واشنطن قرار الحرب على سوريا؟
الرهان على جواب واضح لا ينبغي أن يستند إلى سلسلة التصريحات الأميركية وحدها، لكثرة ما تعرجت في اليوم الواحد بحثا عن دلائل تدين النظام السوري باستخدام السلاح الكيميائي في غوطة دمشق، لكي تبرر عملية العقاب الأميركي.
التعرجات بدأت من إعلان البيت الأبيض عدم قدرة «الاستخبارات الأميركية على التأكد من وجود دلائل على استخدام أسلحة كيميائية» وانتهت إلى ما يناقضها كليا عندما قال مسؤول أميركي إن «حكومته تكاد تجزم بأن الحكومة السورية استخدمت أسلحة كيميائية ضد مدنيين». بل إن بعض المسؤولين الأميركيين ذهبوا ابعد من المنتظر فأعادوا فتح قنوات اتصال مباشرة مع النظام السوري عبر مهاتفة وزير الخارجية الأميركي جون كيري نظيره السوري وليد المعلم والطلب إليه تسهيل «مهمة الخبراء إذا كان النظام السوري لا يملك ما يخفيه كما يزعم».
والأرجح أن الأميركيين حققوا جزءا مهما من الأهداف التي سعوا إليها، من الحملة الإعلامية الكثيفة، تصدرتها أخبار استدعاء البوارج نحو السواحل السورية، من دون أن تطلق صاروخا واحدا.
فخلال الساعات الماضية أوقف الجيش السوري واحدة من اكبر عملياته العسكرية، التي يخوضها لفك آخر أجزاء الطوق الذي كانت تفرضه المعارضة حول دمشق منذ عام ونصف العام.
وكانت عملية «درع العاصمة» قد أدت، فجر الأربعاء الماضي، الى تراجع مقاتلي «جبهة فتح العاصمة» التي تقودها «جبهة النصرة» عند مدخل جوبر الإستراتيجي، وهو المدخل الذي يقود إلى قلب العاصمة دمشق، ويمثل المفتاح الأخير الذي كانت لا تزال المعارضة تهدد به النظام السوري ومركز الاستقبال الأساسي للتعزيزات القادمة من قلب الغوطة ومن الجبهة الجنوبية المفتوحة نحو الأردن، والجماعات التي تشرف على تدريبها الإستخبارات الأميركية ويمولها الأمير سلمان بن سلطان في عمان، بالتنسيق مع قائد «المجلس العسكري للمنطقة الجنوبية وحوران» العقيد احمد النعمة.
تنبغي الإشارة هنا إلى اجتماع عمان العسكري الدولي اليوم، الذي يشكل أيضا جزءا من عدة الضغط على النظام السوري بوضع قادة أركان بعض الدول العربية على مقربة من الجبهة الجنوبية السورية الحساسة. إن التقليد في اجتماعات عمان، يقضي أن يطرح موضوع المنطقة الآمنة والحظر الجوي، وكلاهما لن يغيرا شيئا في مجرى المعارك. فبرغم عام ونصف العام من المعارك لم تستطع «وحدات النعمة» أن تحقق اختراقا في منطقة تحتشد فيها خمس فرق مدرعة من الجيش السوري.
ويحتفظ السعوديون في الغوطة الشرقية بـ«لواء الإسلام»، الذي يضم 25 الف مقاتل يقودهم زهران علوش، وهو، في ما هو شبه مؤكد، يتلقى أوامره مباشرة من رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان. وقد ساعد علوش السعوديين في مرحلة الصراع مع القطريين على إضعاف جماعاتهم في المنطقة، إلى حد ترك من والاهم في «اللواء الأول» و«لواء جيش المسلمين» في القابون يهزمون أمام هجوم الجيش السوري قبل شهر، من دون مد يد العون له للتخلص من نفوذهم.
وكان الجيش السوري قد استطاع في الساعات الأخيرة اقتحام أهم المواقع التي كانت تمسك بها «جبهة النصرة» في الأبراج المشرفة على العباسيين، إلى حد استعانة المقاتلين بمجموعة من الانتحاريين، صباح أمس، لوقف تقدم وحدات الجيش، واللجوء إلى قصف الأحياء السكنية الكثيفة، بقذائف الهاون، كما في القصاع وباب توما... وبالصواريخ، كما في برج الروس.
ويتضمن هجوم «درع العاصمة»، الذي توقف تحت عنوان «تسهيل تحركات الخبراء وضمان سلامتهم»، مراحل يخشى السعوديون والأميركيون، فيما لو تواصلت، أن تؤدي إلى إخراج المعارضة السورية من الحوض الدمشقي، خصوصا أن المرحلة اللاحقة منها تمتد إلى منطقة الزبداني فالحدود اللبنانية والقلمون، والمداخل الأخيرة لإمداد الريف الدمشقي بالسلاح الغربي باتجاه معابر يبرود وقارة وعرسال. وهي مناطق تمثل احتشاد مجموع عناصر النزاع الإقليمي في سوريا، حيث تقول مصادر غربية ان «حزب الله» و«فيلق القدس» يؤديان دورا أساسيا في معارك الغوطة وحماية الجناح الغربي للفيلق الثاني السوري بدءا من الزبداني. ويعني أن مشاركة الحزب في القتال في المنطقة ستكون جزءا من التنازلات التي سيسعى الأميركيون للحصول عليها، بحسب هذه المصادر.
وينبغي الرجوع إلى الرهان الأميركي والسعودي في حزيران الماضي، عندما عطل الأميركيون مؤتمر جنيف بحجة الخلل الذي احدثه سقوط القصير في ميزان القوى بين المعارضة والنظام، ووجب تعويضه لمصلحة الأولى، قبل البحث بأي «جنيف ثانية»، بمنح القتال أشهرا إضافية وأسلحة.
وخلال شهرين أخفقت كل محاولات التسليح النوعي واعادة هيكلة «الجيش الحر» في وجه النظام وعلمنة قوة مسلحة معارضة تواجه «الجهاديين». والأرجح أن السعوديين أنفسهم لم يعملوا على تسليح «الجيش الحر»، ولم يقتنعوا به كما رددوا أمام ديبلوماسيين، بل واصلوا الرهان على المجموعات السلفية الأكثر فعالية منه، والتي تلقت المزيد من اسلحة الاستخبارات السعودية وعنايتها.
وسجل الغربيون بقلق، خصوصا في معارك حلب وخلال اقتحام ريف اللاذقية، أن معادلة الرهان على تغيير ميزان القوى الذي طلبه السعوديون، لن يتحقق... وهو إن تحقق فلن يصب في مصلحة حصانهم «الإئتلاف الوطني السوري» المعارض. ولن يكون بوسع «الائتلاف» ترجمة انتصارات تحققها «الدولة الاسلامية في العراق والشام» التي أصبحت الطرف الرئيس في ساحات المعارك مع القوى «الجهادية» الأخرى. وبات واضحا أن القوى «الجهادية»، لو انتصرت، فلن تشارك في اي عملية سياسية، كما ان النظام المنتصر لن «يذهب لتسليم السلطة إلى المعارضة في جنيف كما قال الوزير وليد المعلم».
ويرى هؤلاء أن ضربة عسكرية أميركية للنظام السوري لو تحققت، لن تخدم المعارضة السورية غير القادرة على «تصريف» الانتصار. كما ان تقنين الضربة عبر توجيه ضربات محتملة إلى قيادات الأركان، ومراكز الاتصال او تجمعات الجيش والمطارات ستؤخر عمليات الجيش وتطيل الحرب. بيد ان الهدف الأقرب لحشد الأساطيل هو خلط الأوراق في ما يتعلق ببعض النقاط التي يريد الأميركيون ان تبحث في «جنيف 2» ولا تزال مستعصية على التفاهم، لأن العودة بشروط أفضل أميركيا الى جنيف لا تزال هي الهدف، خصوصا أن اجتماع لاهاي التحضيري نهاية آب الحالي لا يزال قائما والعمل يجري على قدم وساق من اجله.
والأرجح ان التهديد بالضربة، من دون الضربة، يستهدف أولا الحفاظ على التوازنات الحالية ومنع استمرار انهيارها الواضح لمصلحة الجيش السوري، كما يهدف إلى تحسين شروط التفاوض في جنيف حول النقاط المستعصية وذلك بوضع الرئيس السوري في دائرة الاتهام الكيميائي. ومن الواضح أن الأميركيين يحاولون الحصول بالتهويل والحملات الإعلامية على ما عجزوا عن الحصول عليه عسكريا، وعبر عمليات التسليح الكثيفة لحلفائهم ودعم المعارضة المسلحة التي أوصلت الجماعات «الجهادية» إلى السيطرة على جزء واسع من ساحات القتال في سوريا وتهديد امن إسرائيل.
لا توجد آلية واضحة قانونية حاليا ولا يملك احد تفويضا دوليا لوضع الرئيس السوري في قفص الاتهام. فالأميركيون يعرفون مثلا ان مهمة الخبراء الذين يعبرون في عربين وزملكا اليوم، تقتصر على تنشق هواء المنطقة، وهذا ما نص عليه البروتوكول الذي وقعه نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مع مسؤولة نزع السلاح الأممية انجيلا كين وهو يقصر عملهم بوضوح على قول ما إذا كان هناك كيميائي أم لا في الغوطة الشرقية. وهذا قالته كل التقارير الطبية والأقمار الاصطناعية، ولكن البروتوكول يمنع الخبراء من تحديد من المستخدم، وهو الأمر الجوهري، ولكن الأميركيين يأملون أن تكفي الشهادة بوجود الكيميائي لتجريم النظام، بحجة أن لا احد غيره يملك مثل ذلك السلاح!
والنقطة الثانية اللافتة للانتباه، أن المجلس العسكري لدمشق وريفها الذي يقوده العقيد خالد الحبوس («الجيش السوري الحر»)، لن يكون له أي دور في الترتيبات الأمنية المتعلقة بتأمين فريق الخبراء الدوليين كما يقول الوزير الأميركي جون كيري، لأن زهران علوش قائد «لواء الإسلام» أوكل هذه المهمة إلى «لواء البراء» التابع له في منطقة زملكا، وهكذا يكون الخبراء بقرار أميركي ـ سعودي في عهدة «الجهاديين».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه