لكنّ الصّورة المؤلمة التي ثار من أجلها غانم، وبكى عليها ضيفه، لم تكن لطرابلس! إذ كشف المدوّن والناشط سليم اللوزي في تدوينة بعنوان «كلام الناس الكاذب»، أن الصّورة «تعود إلى المغرب ولشهداء حركة «20 فبراير»
دجى داود / جريدة السفير
«الجرح واحد»، عبارة انتشرت بكثافة على مواقع التواصل خلال اليومين الماضيين. لكنّ الجرح الذي سبّبته التفجيرات الإرهابية في الرويس وطرابلس، لم ينزف وحيداً، بل رافقه جرحٌ آخر، تسبّبت به البرامج الحوارية «المستنكرة» للأحداث.
قامت وسائل الإعلام اللبنانية، من «المنار» إلى «الجديد» و«المستقبل»، وصولاً إلى «أو تي في» و«أل بي سي»، و«لباقةً» منها، بإلغاء برامجها الترفيهيّة الاعتيادية، واستبدالها ببرامج حوارية يقدّمها «الإعلاميّون المخضرمون» في هذه المؤسسات، كوليد عبود، وشيرلي المرّ، وبولا يعقوبيان، وجورج صليبي، ومرسال غانم.
لكنّ الجرح اللبناني لم يكن يحتاج الملح الذي أضافته البرامج الحواريّة، والتي وصفها الناشطون على مواقع التواصل بـ«التحريضيّة». وقد حاز برنامج «كلام الناس» الحصّة الأكبر من اهتمام اللبنانيين الناشطين على هذه المواقع، بحلقتيه مساء الجمعة الفائت والسبت. مساء الجمعة، استضاف برنامج «كلام الناس» مجموعة من المحلّلين للكلام في السياسة، متجاهلاً الدماء التي كانت لا تزال ساخنة على أرض طرابلس.
ذلك ما دفع بناشطين ومغرّدين إلى إطلاق حملة لمقاطعة البرنامج. وعبّروا عن استيائهم من اختياره لضيوف، اعتبرهم الناشطون «تحريضيين»، في وقت يحتاج لبنان لخطاب هادئ. وقال أحد المغرّدين: «مرسال غانم تاجر دماء طائفي، قاطعوا حلقة كلام الناس». وسأل آخر: «لماذا أصبح غانم بوقاً إرهابياً وطائفياً يسعد بتذابح السّنة والشّيعة، ويعمل على زيادة الفتن اللبنانية؟».. وسأل مغرّد آخر: «كلام الناس» أم منبر لتنظيم «القاعدة» وتهديدات أمراء الحروب في مدينة طرابلس؟».
وشهدت حلقة الجمعة فضيحة، إذ عرض غانم صوراً أرسلها إليه ضيفه، الخبير في الجماعات الإسلامية أحمد الأيوبي، تظهر أشخاصاً متفحّمين، على أنها صور لأشخاص استشهدوا في تفجيريّ طرابلس. وبينما كان الأيوبي يغطّي عينيه ويتألّم في الحلقة المباشرة على الهواء، قال غانم: «رح نشوف صورة بعتلنا ياها دكتور أحمد الأيوبي، كمان صورة مؤلمة، معليش رح نعرضها، ونشوف كيف تحول الإنسان إلى فحم في لبنان، هذه صور عن المجزرة التي وقعت اليوم، وهذه المجزرة تدعو إلى البكاء والغضب والثورة، ومن حق الناس أن تنقم علينا الليلة وعلى السياسيين وعلى وسائل الإعلام، ونسأل بكرا إلى أين؟».
لكنّ الصّورة المؤلمة التي ثار من أجلها غانم، وبكى عليها ضيفه، لم تكن لطرابلس! إذ كشف المدوّن والناشط سليم اللوزي في تدوينة بعنوان «كلام الناس الكاذب»، أن الصّورة «تعود إلى المغرب ولشهداء حركة «20 فبراير» الذين تفحموا في حريق بأحد المصارف في مدينة الحسيمة، يوم 20 شباط العام 2011».
مساء السبت، لم يوضح البرنامج سبب استخدام تلك الصورة، بل لجأ إلى موقع «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، للتوضيح، في رسالة مقتضبة، جاء فيها: «ضيف البرنامج في حلقة الأمس الخاصة عن طرابلس الدكتور أحمد الأيوبي هو من زوّدنا بالصور حول تفجيرات طرابلس والضحايا، وقد سبق للإعلامي مرسال غانم أن ذكر هذا المصدر خلال الحلقة ولا يتحمل البرنامج المسؤولية».
لكنّ الحلقة هذه المرّة، كانت كفيلة بإصلاح بعض ما كسرته حلقة الجمعة، إذ استضافت أهالي طرابلس، وبعض الجرحى من تفجير الرويس، وسمعنا خلالها تبادلاً لشهادات مؤلمة، ترتقي فوق السياسة والمذهبيّة والتحريض. وسأل المغرّدون و«الفسابكة»، لماذا لم يلجأ المقدّم لاستضافة ضحايا التفجير منذ اليوم الأوّل، موفراً على المشاهدين الحلقة التحريضيّة الأولى؟ وكتب أحد المغرّدين: «حلقة اليوم (السبت) من «كلام الناس»، يجب أن تعمَّم على كلّ من يسمون أنفسهم رجال سياسة في لبنان». وأضاف آخر معلقاً على أجواء التضامن والتكاتف التي سادت الحلقة: «ليت هذه الأخلاق والوطنيّة تبقى سائدة خارج الأستوديو». وسأل آخر: «غريب مارسيل غانم مبارح بالأمس كان يضحك، واليوم عيونه دامعة».
تعاطي البرامج التلفزيونيّة مع تفجيري طرابلس ليس بجديد، إذ أنها لم تكن المرّة الأولى التي يقع فيها الإعلاميّون اللبنانيون في فخّ استضافة «محرّضين» أو «محلّلين». لكنّ حلقة «كلام الناس» مساء أمس الأول، أثبتت أنّ الأجدى منح الكلام للمتضررين من الإرهاب الممنهج. لهذا أعادت «أل بي سي آي» بالأمس بثّ شهادة المواطن الطرابلسي أحمد عبوس الذي روى لمرسال غانم فقدانه ابنه وحفيدتيه في أحد تفجيري طرابلس. وتداولت مواقع التواصل تلك الشهادة بكثافة بالأمس، وكتب أحد المغرّدين على «تويتر»: «كلام أحمد عبوس في «كلام الناس» أشرف وأصدق من جميع استنكارات المسؤولين تجار الدم. رحم الله أحفادك ولعن السياسيين».