ليلى عبد اللطيف أخطر من الساحرات الثلاث اللواتي تنبأن لـ«ماكبث» بأنّه سيصبح الملك، لكن بأي ثمن؟… وأخطر من عرافة معبد دلف التي تنبأت للايوس
بيار أبي صعب / جريدة الأخبار
في لبنان، بلد اللامعقول، من الطبيعي أن تكون ليلى عبد اللطيف هي الملكة. شفيعة الجمهوريّة الثانيّة، وأيقونة المرحلة بامتياز. يحتاج إليها الناس أكثر مما يحتاجون إلى الخبز والهواء والحريّة، ويتمسّكون بها خشبة خلاص.
يخشونها ويشتهونها في آن واحد، بشبق سادو - مازوشي مدهش. فهي نذير الشؤم، وحاملة الخبر اليقين، تعكس لهم بؤسهم، وتترك لهم أن يتلصصوا على مصائبهم، ويتلذذوا بموتهم المقبل.
على فِيَش الكرتون المدموغة بلوغو lbci، دوّنت كل ما يهمّهم: «الخضّات» المقبلة (افهموا: الانفجارات والمجازر)، مصائر العظماء، وانقلاب التحالفات السياسيّة… أي ميتة تنتظرهم، وأي جحيم سيحتضنهم، وأي عمالقة سيسحقونهم بالحذاء. ليلى عبد اللطيف أخطر من الساحرات الثلاث اللواتي تنبأن لـ«ماكبث» بأنّه سيصبح الملك، لكن بأي ثمن؟… وأخطر من عرافة معبد دلف التي تنبأت للايوس، ملك طيبة، بأنه سينجب ابناً يقتله، ثم يتزوج أمه جوكاست. وتلك تراجيديا أوديب المحققة. إما أن تكون هذه السيّدة اللطيفة على تواصل مع الكواكب والنجوم، تمتلك «أسرار الآلهة» وعظماء هذا الزمن، أو أنّها متواطئة مع أهل السياسة، ومنظمي الانفجارات والمجازر. هناك لغز ما، لكنّ المؤكّد أن العلاقة بين الشيخة ليلى والأمّة العربيّة قائمة على امّحاء الحدود بين الحقيقة والخيال، وهذا سرّ نجاحها.
اليوم كانت «سيّدة الإلهام» حديث البلد. قلّة قليلة من اللبنانيين لم تعبأ بنبوءاتها ـــ عفواً «إلهاماتها» ـــ أو شكّكت بها. شوارع بيروت كادت تقفر بعدما حدّدت لنا أماكن التفجيرات المقبلة. السياسيّون الذين طمأنتهم على حياتهم تنفسوا الصعداء، والذين حذّرتهم من الخطر يرتعدون في مربّعاتهم النوويّة، والذين وعدتهم بمستقبل زاهر يبذلون جهداً لإخفاء سعادتهم.
لا شغل للشعب سوى قائمة الكوارث والانفجارات التي وعدتنا بها على التلفزيون ليلة الأحد، في برنامج «التاريخ يشهد»… بداية فلكيّة للثنائي رودولف هلال ورجا ناصر الدين الداخلين إلى مجد أدما من الباب العريض، يستنطقان القدر، ويتزلّقان على كوكتيل من الطائفيّة (رجا مشغول باله على «المسيحيين» في المولات، وهي طمأنتنا على «البزنس» في المولات)، والخفّة (الخلط بين النووي والكيميائي، تهنئتها على الكوارث التي استشرفتها)، والسموم السياسيّة (في الاستعادات الكرونولوجيّة: صاروخ بعبدا الذي رأته الشيخة، هو «رسالة وصلت إلى نزيل بعبدا»، بعد موقفه «الشجاع» من سلاح حزب الله).
ليلى عبد اللطيف عرّافة الجمهوريّة، وكبيرة كهنة الديموقراطيّة. لقد أعادت تشكيل المشهد السياسي اللبناني والعربي: أخبرتنا أن عون سيعانق جعجع، علماً أن الجنرال سيجمع المجد من طرفيه: سوريا والسعوديّة، وبشار لن يهزم، ووليد بيك سيلبس بيريه غيفارا من جديد. ستقع مصائب في صيدا وعرسال والضاحيّة، سيارات مفخخة في الجميزة والحمرا إلخ، والرئيس سليمان سيأخذ مواقف بطوليّة (أكثر من التي أخذها حتّى الآن؟). والشيخ سعد راجع. وقهوجي وسامي الجميّل وجمال مبارك المستقبل أمامهم…
وهناك أيضاً مفاجآت bizarre: رجل الأعمال رضا المصري (؟) سيلمع حكوميّاً… توقّعوا دوراً قومياً لليلى الصلح، ودوراً «حريرياً» لنجيب سويرس (تلفظ اسمه سواريوس). ترتكب الشيخة ليلى أخطاءً مقلقة وهي تقرأ: «عِبرة» بدلاً من «عَبرا»، «تُلقي» بدلاً من «تَلقى»، «قَبْل» بدلاً من «قِبَل»… ترى من يكتب لها «نبوءاتها»؟ لا بد أنّه أحد أهم مؤلّفي أدب الخرافة السياسيّة في العالم. لا نعرف إذا كان بيار الضاهر يصدق إلهامات «مريم نورِه»، لمَ لا؟ ألم تتوقع التمديد لقهوجي وصعود مرسي على الكرسي ثم نزوله عنه، وانفجاري الضاحية وطرابلس، وأشياء كثيرة لم تبخل المحطة بالتذكير بها أوّل من أمس…؟ الله يستر!..
التاريخ اللبناني يكتب اليوم على التلفزيون. والبرامج السياسيّة تتنافس على إثارة أكبر قدر من الحقد، وتخاطب الأهواء والغرائز والعصبيّات. وزير الإعلام المسكين في حكومة تصريف الأعمال وليد الداعوق، انتبه للأمر بعد أشهر طويلة وطلب من رئيس «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع»، «توجيه إنذار فوري إلى مارسيل غانم»، وهي بدعة لا يلحظها القانون، ولن تردع أحداً… بكل الأحوال too late ! لقد تاب مارسيل، وقدّم حلقة إنسانيّة مع الضحايا ـــ ضحايا القتلة الذين كان قد استقبلهم في اليوم السابق ـــ تاركاً فضلاته التحريضيّة لجورج صليبي كي يتسلّى بها (استضاف الأخير الشيخ فستق على «الجديد» وأفسح المجال واسعاً أمام لغته المذهبية الخسيسة وتمجيد القاعدة…).
حتّى mtv مشت في الجنازة، وقدمت حلقة LIVE من الضاحية فأبكت لبنان، وهي تُشكر عليها فعلاً بمعزل عن الهنات والنيّات. كان اللبنانيّون بحاجة إلى هذا النوع من التطهّر الجماعي في كاثارسيس وطني! وبعد لغة الغرائز مع الـ«توك شو» السياسي، ثم لغة العواطف مع الـ«رياليتي شو» الإنساني، أخذتنا ليلى عبد اللطيف إلى جلسة تحضير أرواح ناجعة. ألم يعد في هذا البلد، بل في هذه الأمّة، من يرغب في الاحتكام إلى لغة العقل؟.