هل حقاً للرياض دور في إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر، خصوصاً في ظل استلامها دوراً أساسياً في ما يخص أبرز ملفات المنطقة عقب انتقال السلطة في قطر من حمد بن خليفة آل ثاني إلى نجله تميم؟
في تموز/يوليو 2012، حلّ الرئيس المصري المعزول محمد مرسي ضيفاً على السعودية، حيث كانت الأخيرة أولى البلدان التي يزورها مرسي عقب تعيينه رئيساً في 24 حزيران/يونيو 2012. وقتها، حاول القيادي في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في مصر، بناء جسر من الود بين القاهرة "الإخوانية" والرياض، وقد انعكس ذلك في التصريحات التي ادلى بها مرسي خلال زيارته، حيث أكد أن "أمن الخليج خط أحمر"، في إشارة إلى هواجس المملكة من تأثير وصول الإخوان إلى السلطة في مصر على الحكم في السعودية، خصوصاً بعد القاء القبض على شبكة تابعة للجماعة تعمل على قلب النظام في الإمارات العربية المتحدة.
لكن المملكة وبالرغم من ترحيبها بمرسي آنذاك ودعمه بثلاثة مليارات دولار، إلا أن حساباتها تخطت زيارة الرئيس المصري الودية، بحيث لم تُعدل هذه الزيارة من موقف الرياض تجاه الإخوان المسلمين، الذين ترى فيهم "تياراً إسلامياً استطاع الوصول إلى الحكم في أكثر من بلد عربي نتيجة تأييد شعبي عكسته نتائج الإنتخابات، مما تعتبره المملكة انتقاصاً من شرعيتها وتقليصاً لدورها كمتزعمة للعالم الإسلامي"، حسبما صرّح رئيس مجلس شورى جبهة العمل الإسلامي (الإخوان المسلمون في الأردن) علي أبو السكر لموقع المنار. انطلاقاً من ذلك ولأسباب أخرى متعددة اتخذت السعودية قرارها بإنهاك حكم الإخوان في مصر تمهيداً لإسقاطه، مستغلةً أخطاء الجماعة في الحكم وعوامل أخرى والنتيجة: مرسي رئيساً معزولاً من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية في تموز/يوليو 2013، والملك السعودي أول المهنئين لمصر شعباً وجيشاً.
عقب الإنكفاء القطري، الرياض تعزل "الجماعة": قطع الطريق بين القاهرة وطهران؟
عامٌ واحد بين زيارة مرسي للرياض، وبين استحالته رئيساً معزولاً وقيادياً في جماعة معظم أعضائها ملاحقون من قبل جهات قضائية وأمنية، هنا يطرح السؤال نفسه: هل حقاً للرياض دور في ذلك، خصوصاً في ظل استلامها دوراً أساسياً في ما يخص أبرز ملفات المنطقة عقب انتقال السلطة في قطر من حمد بن خليفة آل ثاني إلى نجله تميم؟
بحسب مصادر إعلامية ونقلاً عن تقارير دبلوماسية، فإن السعودية لعبت دوراً كبيراً مؤخراً في "تقويض مكانة مرسي لدى الإدارة الأميركية وفي الداخل المصري"، وأنها طلبت من واشنطن خلال لقاء رئيس جهاز الإستخبارات بندر بن سلطان مسؤولين من الإستخبارات الأميركية "اسقاط نظام الإخوان في مصر، مقابل احتواء التطرف السلفي في المنطقة وضمان السيطرة عليه"، مما يفسر انخراط حزب النور السلفي في مصر في حراك "30 يونيو" الذي طالب بإنهاء حكم الإخوان.
من جهته، يؤكد القيادي في جبهة العمل الإسلامي علي أبو السكر لموقعنا مضمون ما تحدثت عنه هذه التقارير، من خلال حديثه عن "دور سعودي بتعاون إماراتي وأردني" في مصر ضد الإخوان "سبق حتى وصول مرسي إلى السلطة"، واستند إلى "المال الذي استخدم لشراء أطراف في المؤسسة العسكرية، ومؤسسات إعلامية وفضائية استخدمت للتحريض الإعلامي ضد الإخوان، إضافة إلى عمل استخباراتي في الداخل المصري" بحسب أبو السكر.
لكن خروج المصريين بكثافة غير مسبوقة إلى الشارع في 30 حزيران/يونيو، مطالبة برحيل الإخوان، تعكس ايضاً وجود عوامل داخلية أخرى أدّت إلى سقوط حكم الجماعة، وربما شكلت داعماً للأهداف السعودية. يتقاطع ذلك مع ما صرّح به الكاتب والباحث المصري في مركز النيل للدراسات الإستراتيجية أحمد بان لموقع المنار عن "قراءة خاطئة قام بها الإخوان لدى وصولهم إلى الحكم، قامت على التفرد بالسلطة، دون التعاون مع شركاء الثورة المصرية، إضافة إلى فشل الإخوان في إدارة الدولة والبدء بمعالجة المشاكل الإجتماعية والإقتصادية التي تعاني منها مصر، مما أجج المعارضة الداخلية ضدهم وساعد خصومهم في الخارج بالدخول على خط الأزمة".
في موازاة ذلك، يرى المحلل السياسي الأردني ناهض حتر، في حديث لموقع المنار، أنه "من الظلم اقصاء أي دور للشعب المصري في سقوط حكم الإخوان الذي اتسم بالفشل"، لكنه لم ينف وجود دور سعودي في الأحداث المصرية، موضحاً أن "السعودية أتت لتركب الموجة الثانية من الثورة المصرية، وهدفها الأساسي كسب النظام المصري الجديد لكي تواجه به ايران، بمعنى أنها تريد جره إلى الحلف المواجه لإيران، إذا استطاعت فعلاً القيام بذلك تكون قد نجحت في ركوب الموجة الثانية من الثورة المصرية، وما يحرك المملكة بالأساس تجاه مصر أو سورية هو عداؤها وصراعها مع ايران".
واستناداً لما قاله حتر عن محاولة السعودية انشاء نظام جديد في مواجهة مع ايران، يرى الباحث في مركز النيل للدراسات أن الرياض تراهن على "الدولة القديمة وعلى مؤسسة الجيش باعتبارها المؤسسة الأكثر تماسكاً والأكثر قرباً من توجهات الدولة المصرية القديمة"، وذلك ما يُفسر تبرئة مبارك من قبل محكمة الجنايات في القاهرة وإطلاق سراحه، والذي ذكرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية أنه "جاء بناءً على طلب من المملكة، التي تقدم مساعدات للجيش المصري تفوق عشرة مليارات دولار، أي أكثر مما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية".
كما تجدر الإشارة إلى أن الصراع السعودي الإخواني "يندرج في إطار التنافس السعودي القطري"، بحسب حتر، وهذا يفسر ما يؤكده مراقبون عن أنه مع استلام السعودية لعدد من ملفات المنطقة مؤخراً وعلى رأسها الملف السوري، ارتأت الرياض "لجم تصاعد نفوذ الجماعة، واستبداله بنفوذ سلفي".
الإخوان لخصومهم: لا زلنا هنا
يرفض الإخوان المسلمون اعتبار ما حدث في مصر بمثابة خاتمة لدورهم في المنطقة، بالرغم مما يُشاع عن أن ما حدث في مصر سيحدث في تونس، التي تشهد تظاهرات حاشدة مناهضة "لحركة النهضة" الحاكمة التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين. ويؤكد ذلك أبو السكر، قائلاً لموقعنا إن "ما حصل في مصر لا يعني انتهاء دور جماعة الإخوان المسلمين، تمّ العمل بنفس الآليات سابقاً في محاولة لاستئصال الجماعة، لكن هذه الجماعة بقيت، وازدادت انتشاراً في داخل مصر وخارجها، أنا لا أعتقد أن هناك قدرة لأي جهة على استئصال الإخوان".
ويدعم مراقبون وجهة النظر هذه مستندين إلى حقائق مفادها أنَّه بمقدور الإخوان المسلمين الإستمرار بفرض وجود قوي على الساحة المصرية، مستندين إلى "دعم خارجي أميركي، خصوصاً أن واشنطن حرصت منذ زمن على استخدام الإخوان كفزاعة ضد الدولة المصرية، ومع وصولهم إلى الحكم لم يقم الإخوان بما يتعارض مع مصالح واشنطن"، بحسب الباحث في مركز النيل للدراسات أحمد بان. وتشير مصادر إعلامية ايضاً إلى ارتباط بين الإخوان وبين المجموعات المسلحة الموجودة في سيناء التي تقوم بهجمات ضد الجيش، ويمكن أن تشكل ورقة ضغط يستخدمها الإخوان لصالحهم.
وفي حديثه لموقع المنار، أعلن أبو السكر أن "ما قام به النظام السعودي ضد الإخوان، لن يمنع بأن تكون اراضيه نفسها عرضة لحراك شعبي سيكون مفاجئاً كما حصل في مصر وتونس". ويبدو أن بعض الأطراف في الداخل السعودي تعي ذلك جيداً، بحيث تضمنت تغريدات للأمير السعودي خالد بن طلال بن عبدالعزيز على حسابه على موقع تويتر انتقادات شديدة اللهجة إلى "أصحاب المناصب والنفوذ والسلطة"، الذين أشاروا بالتحرك باتجاه عزل الرئيس مرسي، قائلاً إن إجازة "الخروج على ولي الأمر" في مصر، حتى في حال الاختلاف معه، يُجيز لمن يرغب بفعل ذلك في السعودية، بحسب موقع قناة "سي إن إن".